يخيم شبح النزوح على عشرات آلاف المدنيين في بلدات جبل الزاوية بالريف الجنوبي من محافظة إدلب، جرّاء تعرّضها للقصف بشكل يومي من قبل القوات النظامية والروسية؛ إذ بدأت المنطقة تسجل العديد من حالات النزوح باتجاه المناطق المجاورة أو الريف الشمالي الذي يغصّ بالنازحين، في وقت تتدهور الأوضاع المعيشية.
ولا يغيب دوي انفجارات القذائف عن أسماع سكان جبل الزاوية، حيث عادةً رائحة الدم وأخبار الموت تطغى على الجوع والعوز وانعدام الخدمات، بحسب أبو محمد أبوالخير، الذي يقول: "الناس هنا قلقون على مصيرهم مع تجدد القصف، وخاصة أنّه تمّ تهجيرهم من الكثير من المناطق من قبل القوات النظامية بالطريقة ذاتها، حيث يبدأ قصف المنشآت الخدمية والصحية ومن ثم المناطق السكنية ودفع الناس للنزوح ومن ثم يتم قضمها من قبل القوات النظامية والروس والمليشيات الإيرانية".
وأضاف أبو الخير أنّ "الأهالي يعيشون حالة من العوز الشديد بسبب عدم وجود فرص عمل، وارتفاع الأسعار وخاصة المواد الغذائية، في وقت لا وجود للمنظمات الإنسانية في بلدات الجبل، كما أنّ البلدات تعاني من سوء الخدمات جراء عدم وجود دعم كافٍ للمجالس المحلية".
من جانبه، قال ابن جبل الزاوية أحمد الخطيب، لـ"العربي الجديد": "الوضع بشكل عام سيئ حالياً بسبب ازدياد حملة القصف اليومية على مناطق مأهولة بالسكان، والمخاوف لدى الأهالي من وجود عمل عسكري لقوات النظام المدعومة بالمليشيات الإيرانية والقوات الروسية تهدف إلى التقدم إلى المنطقة". وأضاف أنّ "هذا التخوف جعل بعض الأهالي ينزحون إلى المناطق القريبة من القصف، وخاصة من بلدان كنصفرا، الباره، احسم، بلشون، ابلين، بليون، موزرة، قوقفين كفرعوي، ولكن لا تزال حركة النزوح محدودة إلى اليوم".
وأضاف الخطيب أنّ "الغالبية لا تزال تلتزم منازلها وتسلم أمرها إلى الله، حيث لا يوجد مكان آخر نذهب إليه، فلا توجد مخيمات ولا مراكز إيواء، وبكل الأحوال منذ سنوات يتم قصف منازلنا ويسقط شهداء ونستمر بالحياة. الناس تنزح بشكل كبير في حال تقدمت قوات النظام، لذلك ما زالت الغالبية في منازلها، لكن القصف أثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي حيث تسبّب بشلّ الحياة، ورغم توفر المواد الغذائية الأساسية لا تستطيع الغالبية الحصول عليها جراء ارتفاع الأسعار، كما نعاني من نقص المياه، وعدم وجود مساعدات إنسانية".
بدوره، قال رئيس المجلس المحلي في أريحا المجاورة لجبل الزاوية، أحمد فاتح سعدو، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القصف على المناطق السكنية لا يتوقف، ما يتسبّب برهاب للسكّان، إضافة إلى سقوط قتلى وجرحى". ولفت إلى أنّ "الكثير من الناس يتمسّكون بأرضهم رغم خطر الموت ويحاولون الاحتماء بالمغاور الطبيعية وبعض أقبية المنازل، لكن هناك حالات نزوح بدأت تسجل، وهناك مخاوف من أن نشهد موجة نزوح كبيرة في حال السماح بتقدم القوات النظامية".
ولفت إلى أنّ "هناك نقصاً في توريد مياه الشرب للأهالي بسبب إعاقة عمليات القصف حركة نقل المياه عبر الصهاريج"، وأضاف أنّ مناطق جبل الزاوية وريف أريحا تتعرّض لقصف مباشر، ويقدّر عدد سكان المنطقة بأكثر من 150 ألف شخص".
وأضاف سعدو أنّ "أهالي المنطقة يعانون من عدم وجود مستشفيات أو أطباء مختصين، وكل ما هو متوفر نقاط إسعاف أولي، ما يزيد من خطر فقدان الجرحى لحياتهم".
وأوضح أنّ "أريحا وهي الأقرب لمناطق القصف، ليست لديها الإمكانات لاستقبال الأهالي في حال حدوث حركة نزوح، حيث توجد مراكز إيواء صغيرة تحتاج إلى صيانة وخاصة أبواب ونوافذ، في وقت يعتبر وضع المنطقة بالعموم سيئاً من الناحية المعيشية والإنسانية والاقتصادية والأمنية جراء استهداف النظام لمناطق المدنيين".
من جانبه، قال فريق "منسقو الاستجابة في سورية"، عبر بيان له اطلع عليه "العربي الجديد"، إنه "لا تزال حملة التصعيد العسكري لقوات النظام السوري وروسيا على منطقة خفض التصعيد الأخيرة مستمرة منذ بداية شهر يونيو/حزيران الجاري. وقد بلغ عدد الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار في شمال غربي سورية منذ مطلع حزيران وحتى يوم الإثنين الفائت، 308 خروقات للاتفاق".
وأضاف الفريق أنه قد تسبّبت الخروقات المستمرة بوفاة أكثر من 37 مدنياً، بينهم خمسة أطفال وستة نساء وكوادر إنسانية، وإصابة أكثر من 52 مدنياً بينهم تسعة أطفال وست نساء، إضافة إلى استهداف أكثر من ثمانية مراكز ومنشآت حيوية في المنطقة.
كما طالب الفريق كافة الفعاليات الدولية بـ"العمل بشكل فعّال على وقف إطلاق النار في شمال غربي سورية، وإيقاف استهداف البنى التحتية في المنطقة، والتوقف عن استهداف المدنيين بغية إرغامهم على النزوح من المنطقة، ونكرر من جديد عدم قدرة المنطقة على تحمل أي موجة نزوح جديدة وخاصةً في مناطق المخيمات التي تشهد اكتظاظا سكانيا كبيرا".