مع تغيّر الطقس بحلول فصل الشتاء تزداد الأمراض التنفسية بين السوريين، خاصة الأطفال الذين يعيشون في مخيمات النزوح. يعاني الأطفال الثلاثة للنازحة منى الحلو (30 سنة)، والذين تتراوح أعمارهم بين سنتين وخمس سنوات، من الربو، وفي موسم البرد من كل عام تسوء حالتهم الصحية، وتضطر إلى إدخالهم إلى المستشفى للحصول على الرعاية الصحية والأوكسجين.
تصف الحلو لـ"العربي الجديد"، مرض أبنائها بأنه "يبدأ بنوبات سعال وبلغم تتطور إلى ضيق في التنفس وارتفاع في درجة حرارة الجسم، خصوصاً أن أعمارهم متقاربة، وقد ينتهي الأمر بإدخالهم العناية المركزة. أوضاعنا صعبة في مخيمات منطقة دير حسان الجبلية، حيث البرد قارس والغبار كثيف بسبب قرب مقالع الأحجار من المخيم".
أكثر ما يقلق الأم النازحة أن المخيم يتواجد في موقع بعيد عن مراكز تلقي العلاج، في حين قد تسوء حالة أطفالها خلال ساعات الليل، ولا تجد وسيلة للحصول على الرعاية أو الإسعافات اللازمة. تقول: "أشعر بعد كل نوبة ربو تصيب أحد أطفالي بأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة نظراً لصعوبة التنفس التي تصل إلى درجة الاختناق، وتحوّل لون الجلد إلى الأزرق بسبب قلة الأوكسجين الذي يحصل عليه الجسم".
تراود الهموم النازحة فدوى الملوك (28 سنة) كلما اقترب فصل الشتاء الذي يرافق الظروف المأساوية لعيش عائلتها في مخيمات النزوح ببلدة قاح، في حين تعاني طفلتها البالغة سنتين من التهاب رئوي يستمر طوال الشتاء. وتوضح أن مرض ابنتها يبدأ مع تغيّر الطقس وميله إلى البرودة، وتشمل الأعراض ضيق التنفس والحمى والسعال المصحوب ببلغم، والشعور بإرهاق وتعرق وقشعريرة والتعرض لارتجاف وغثيان وقيء. وهي تضطر في كل مرة إلى نقل ابنتها إلى مراكز صحية في مناطق بعيدة عن المخيم من أجل الحصول على علاج، وهو عبارة عن جلسات رذاذ وأدوية مضادة للالتهابات ومسكنات.
أما زهرة الجعفر (31 سنة) فتتعامل مع إصابة أطفالها الأربعة بأمراض الحساسية الصدرية، والتي أصيبوا بها خلال إقامتهم في مخيمات النزوح قبل نحو سنتين، بعدما عجز زوجها عن الاستمرار في دفع إيجار المنزل الذي كانوا يمكثون فيه بمدينة إدلب، إذ كان مبلغ الإيجار يفوق قدرته المالية.
وعن أعراض المرض الذي يصيب أطفالها، تقول زهرة: "يستمر السعال مدة طويلة، وأيضاً آلام العينين واحتقان الأنف وسيلانه والعطاس، وتراكم المخاط وصعوبة التنفس". وتعزو سبب إصابة أطفالها بالحساسية الصدرية إلى البرد القارس داخل الخيمة، وقلة وسائل النظافة وانتشار الجراثيم والغبار والنفايات قرب المخيم الذي يقع في بلدة البردقلي شمالي إدلب.
وتستخدم زهرة بخاخات تحتوي على الملح لإزالة احتقان الأنف، وأخرى توسّع الشعب الهوائية للمساعدة في فتح الممرات الهوائية تمهيداً لتحسين عملية التنفس، لكن أطفالها لا يستجيبون للأدوية، وتتكرر لديهم الحالات المرضية نظراً إلى تعرضهم المستمر إلى أسباب المرض المتمثلة في سكنهم في المخيمات، وعيش ظروف حياتية صعبة.
ويقول الطبيب المتخصص بالأمراض الصدرية، أحمد القدور، لـ"العربي الجديد": "ترتبط الأمراض الصدرية بالتغيّرات الجوية في موسم الشتاء التي تسهم في تنشيط بعض أنواع البكتيريا والفيروسات. الأمراض التنفسية معدية وتنتقل عن طريق العطاس أو السعال، أو عبر مخالطة مصاب، ويعد الأطفال والمسنين الأكثر عرضة للإصابة بسبب قلة مناعة أجسامهم، وتزداد الإصابات بالأمراض الرئوية نتيجة عوامل عدة في مقدمها التدخين والبرد وتلوّث الهواء".
ويذكر القدور أن "الأمراض الصدرية تعتبر الأكثر انتشاراً في كل موسم شتاء، وتتنوع بين الحساسية والربو والالتهاب الرئوي والتهاب الشعب الهوائية، وتحدث الإصابات بسبب العدوى الفيروسية والبكتيرية والفطرية لأسباب عدة ترتبط بطبيعة الحالة الصحية، ومدى قوة المناعة الذاتية. وتمتد أعراض هذه الأمراض لمدة تتراوح بين أسبوع و10 أيام ثم تتحسن حالة المريض لكن السعال قد يستمر فترة أطول من دون أن يترك الالتهاب آثاراً دائمة على صحة المريض".
وينصح الطبيب بالحرص على تقوية المناعة للوقاية من الأمراض الصدرية، خصوصاً لدى الأطفال عبر منحهم تغذية سليمة، وتدفئة أجسامهم بملابس شتوية، وعدم تعريضهم مباشرة للتقلبات الجوية، وتجنب الأماكن المزدحمة السيئة التهوية.
وتقول نوال، وهي متطوعة في الدفاع المدني، إن "مئات المدنيين الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة ومراقبة وضعهم الصحي يراجعون مراكزهم باستمرار، خاصة الأطفال الذين يعانون من الأمراض الصدرية مع قدوم فصل الشتاء. ونحن نسعى جاهدين على مدار الساعة لتخفيف أعباء حصول المدنيين على علاج، وتأمين رعاية صحية جيدة في أي وقت".