شتاء النازحين... تحدي الدفء الغالي في شمال سورية

16 أكتوبر 2021
مشهد قد يتكرر هذا الشتاء (محمد سعيد/ الأناضول)
+ الخط -

مع تلمس العلامات الأولى لقدوم الشتاء عبر انخفاض درجات الحرارة وهبوب نسمات الرياح الباردة، تتسلل إلى الخيام المرقّعة للنازحين في شمال سورية الذكريات المؤلمة لحلول فصل أمطار الخير، والتي تتكرر منذ عشرة أعوام، من خلال غرق المخيمات بمياه السيول، وسلب البرد وموجات الصقيع أرواح الأطفال الذين يحاول ذووهم عبثاً إيجاد أي شيء لاستخدامه في حمايتهم من البرد، وكذلك مفارقة البعض الحياة اختناقاً بسبب انقطاع الأوكسجين في الخيم.
في إطار استعداداتهم لفصل الشتاء، يستخدم النازحون، أكانوا مقيمين في خيم أم في منازل صغيرة داخل المخيمات، وسائل تدفئة قد يتسبب بعضها في مقتلهم، لكن حجتهم تتمثل في أنه "لا يمكن مقارنة الشعور بالبرد بالشعور بالخطر، خصوصاً إذا تدنّت درجات الحرارة كثيراً". 
بالطبع تتوافر وسائل تدفئة مرتفعة الثمن مثل تلك التي تستخدم مادة المازوت، لكن يصعب حصول معظم قاطني المخيمات عليها، كما يمكن إشعال الحطب الذي يشكل وسيلة تدفئة تقليدية للبشر منذ فجر التاريخ، لكن الفقر يدفع النازحين إلى إيجاد بدائل لهذه الوسائل التي تعتبر آمنة نسبياً، وبينها استخدام ملابس قديمة وفحم حجري وحتى أحذية وأكياس نايلون أو أي شيء قابل للاشتعال. 

نداءات "خاوية"
يترافق تحضير وسائل التدفئة مع ترقيع الخيم وحفر الخنادق حول المخيمات، في محاولة شبه عبثية لمنع تسرّب مياه الأمطار إليها. أما نداءات الاستغاثة التي يطلقها النازحون لتجنيبهم مشقات الشتاء، فيرتد صداها خاوياً. 
في المنطقة الممتدة بين بلدة أطمة ومدينة الدانا شمال غربي إدلب، تنتشر عشرات المخيمات التي يقيم فيه نازحون، منها مخيمات الكرامة ودير حسان وبابولين التي يترقب كثير من نازحيها الحصول على مساعدات تقدمها منظمات إنسانية لهم في مطلع كل شتاء، ومنهم فاطمة العبد الله التي تقيم منذ 3 أعوام في مخيم قريب من بلدة دير حسان، وتقول لـ"العربي الجديد": "أقيم في منطقة صخرية مرتفعة بالمخيم وتعصف بها الرياح شتاءً وتشهد موجات صقيع لا يمكن تحملها. والبيت الذي أمكث فيه يضم غرفتين واحدة منهما مسقوفة بلوح توتياء يتحول إلى ما يشبه ثلاجة في الليالي الباردة". تضيف: "الحطب هو الخيار الوحيد لتدفئة عائلتنا هذا العام، لذا سنشتري كمية منه ونقتصد في استهلاكه كي يكفينا طوال فترة الشتاء، وإذا نقصنا القليل سنتدبر أمرنا، علماً أننا كنا حصلنا مع بدء فصل الشتاء العام الماضي على عدد قليل من أكياس الفحم الحجري وزعتها منظمة إنسانية، لكن كميتها لم تكف إلا لأيام قليلة. أما استخدام وسائل التدفئة على المازوت هذا العام فأمر مستحيل بسبب غلاء سعره". 

حلول خدماتية
في نهاية أغسطس/ آب الماضي، باشر الدفاع المدني السوري تنفيذ أعمال خدماتية تسبق حلول فصل الشتاء، شملت ردم خطوط غير صالحة للصرف الصحي، وفتح قنوات تصريف لمنع وصول المياه إلى الخيم، وتعبيد طرق وإصلاح الفجوات فيها، وبناء خيم في أماكن جديدة، وإزالة بؤر لتجميع النفايات، في خطوات تهدف إلى التخفيف من الأضرار التي تجلبها السيول وتتسبب في غرق مخيمات بكاملها، وهو ما تكرر مرات سنوياً سابقاً، علماً أن شتاء العام الماضي شهد تضرر حوالي 50 ألف نازح لدى اجتياح مياه الأمطار مخيمات كفر عروق. وكانت هذه الحوادث تكررت سابقاً في مخيمات أطمة وتلك القريبة من مدينة سرمدا، حيث لم تنفع كل التحضيرات التي أجريت لصدّ مياه الأمطار ومنعها من إغراق الخيام وفرض إمضاء النازحين أياماً بلا مأوى. وأعقبت السيول التي ألحقت أضراراً كبيرة بالمخيمات في نهاية يناير/ كانون الثاني 2021، عاصفة ثلجية زادت معاناة النازحين الذين يبحثون عن الدفء. 

المساعدات ضرورية للنازحين في الشتاء (محمد سعيد/ الأناضول)
المساعدات ضرورية للنازحين في الشتاء (محمد سعيد/ الأناضول)

حطب وبقايا زيتون
يناشد مدير مخيم التح القريب من بلدة باتنتة في ريف إدلب، عبد السلام يوسف، بلا جدوى، مدّ المنظمات الإنسانية يد العون إلى النازحين من أجل مساعدتهم على مواجهة فصل الشتاء. ويقول لـ"العربي الجديد": "لم يستعد أهالي المخيم لمواجهة فصل الشتاء الحالي بسبب وضعهم المعيشي الصعب جداً. وهم لن يستطيعوا تأمين مواد التدفئة من حطب أو بيرين (بذور الزيتون) رغم أنها الأكثر رخصاً في السوق نسبياً. أما المازوت فيصعب الحصول عليه، ونحن نطالب كل المنظمات الإنسانية بأن توفر لنا المادتين". 
ويعتمد نازحون كُثر للتدفئة على البيرين التي تنتج من بقايا عصر الزيتون، وتضغط على شكل أسطوانات يتراوح طول الواحدة منها بين 30 و40 سنتيمتراً، وقطرها نحو 3 إنشات. وتعتبر بالتالي بديلاً للمازوت، وتوّلد الحرارة لفترات.  
ويوضح أحمد أبو ناصر النازح من ريف منطقة معرة النعمان جنوبي إدلب لـ"العربي الجديد" أنه استخدم البيرين للتدفئة العام الماضي رغم أن رائحتها مزعجة، لكن اعتاد عليها مع أفراد أسرته مع مرور الوقت. وسيكرر ذلك هذا العام في ظل عدم قدرته على شراء المازوت، علماً أنه جلب كمية 200 كليوغرام من الحطب الذي "يمنح الدفء، ولا يصدر بخلاف البيرين روائح مزعجة وكريهة، ودخانه غير كثيف". 

تدفئة بأي وسيلة متوفرة (محمد سعيد/ الأناضول)
تدفئة بأي وسيلة متوفرة (محمد سعيد/ الأناضول)

... وصولاً إلى البلاستيك
في يناير/ كانون الثاني الماضي، تضرر 145 مخيماً في مناطق أطمة وسرمدا والدانا وكفرتخاريم وكللي وباتبو وكفردريان وحفسرجة وسلقين وأرمناز وسهل الروج ومعرة مصرين وغيرها، ومعظمها مشيّد عشوائياً، نتيجة العواصف والهطول الغزير للأمطار. وشملت الخسائر تمزق خيام كلياً ما جعلها غير صالحة، أو تعرضها لأضرار جزئية. وتشير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أن 167 شخصاً قتلوا بسبب البرد في سورية بين عامي 2011 و2020، بينهم 77 طفلاً. 
وتتحدث مصادر محلية لـ"العربي الجديد" عن أن قسماً كبيراً من نازحي المخيمات، يحرقون بسبب الوضع المادي الصعب ملابس قديمة وأحذية، من اجل استخدامها في التدفئة خلال فصل الشتاء، لأن سعرها منخفض مقارنة بالمازوت والحطب. ويجري شراء هذه الملابس والأحذية بحسب الوزن، وتشكل رغم ضررها خياراً متاحاً للنازحين. كما تعتمد عائلات على جمع مواد قابلة للاشتعال من مكبات نفايات، مثل مواد البلاستيك التي يمكن استخدامها في التدفئة خلال الشتاء. 

سيول الأمطار مشكلة كبيرة (محمد سعيد/ الأناضول)
سيول الأمطار مشكلة كبيرة (محمد سعيد/ الأناضول)

صيانة الخيم
حالياً، يحاول معظم النازحين صيانة خيمهم وحفر خنادق حولها قبل حلول الشتاء، بينما يواجهون أيضاً أزمة انقطاع الطرق التي يناشدون إصلاحها. وفي السياق، يقول مدير فريق "منسقو استجابة سورية" محمد حلاج لـ"العربي الجديد": "تتعدد أسباب أزمة قطع الطرق في المخيمات، وبينها تشييدها على أراضٍ زراعية ترابية غير مؤهلة لشق طرق فيها كونها طينية وموحلة، أو تنفيذ مشاريع للبنى التحتية. ويقوم النازحون غالباً بإنشاء طرق في المخيمات ورصفها وردمها، كي لا تتجمع المياه فيها". 
وإلى جانب هذه الاستعدادات، تعمل منظمات إنسانية على توفير ما تستطيع لمساعدة النازحين ومدّ يد العون إليهم، ومنها منظمة "أطباء بلا حدود" التي وزّعت على 14,500 أسرة في أكثر من 70 مخيماً لوازم للحماية من البرد ومن درجات الحرارة المتدنية في الشتاء الماضي. كما أعادت المنظمة تأهيل 2275 خيمة في 6 مخيمات. وشمل ذلك تركيب أرضيات وعوازل حرارية داخل الخيم، ووضع أحجار من طوب حولها لمنع تسرب المياه إلى داخلها. 
لكن مسؤولي إغاثة يعتبرون أن الاستجابة الإنسانية "لا تزال ضعيفة، ما يحتم حصول أضرار كبيرة". ويطالبون الفرق الإنسانية بالعمل لتحسين تصريف المياه التي تتجمع في المخيمات، وتساهم في إنشاء شبكات للصرف الصحي ولتصريف الأمطار في المخيمات، وإنشاء حفر وخنادق في محيط المخيمات والخيام لامتصاص الصدمة المائية الأولى الناجمة عن السيول، إضافة إلى العمل على فرش طرق المخيمات بحصى لتسهيل عمليات الإجلاء ووصول الفرق الإنسانية.

وفي إحصاء أخير أجراه فريق "منسقو استجابة سورية" بلغ إجمالي عدد المخيمات في شمال غربي سورية 1489 تضم حوالي مليون ونصف مليون نازح، بينها 452 مشيّدة عشوائياً. وقد تعرضت هذه المخيمات لكوارث طبيعية كثيرة، حيث ألحق هطول الأمطار أضراراً بـ 537 مخيماً، ودمر 3187 خيمة، علماً أن عدد الخيم المتضررة جزئياً بلغ 5851.

المساهمون