شهادات العراقيين... تعليق الدروس في 3 جامعات لبنانية

13 نوفمبر 2021
شهادات "الأونلاين" مرغوبة في العراق (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

بعدما سهّلت جامعات في لبنان وإيران وروسيا والهند واليونان، في العامين الأخيرين اللذين تزامنا مع جائحة كورونا، شروط حصول آلاف الطلاب العراقيين على شهادات ماجستير ودكتوراه للدراسات العليا، من خلال التعلم عن بعد أو ما اصطلح على تسميته "التعلم أونلاين"، وبتكاليف رخيصة مقارنة بدول أخرى أو حتى بجامعات خاصة داخل العراق، قررت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق تعليق دراسة الطلاب في ثلاث جامعات لبنانية، هي الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم والجامعة الإسلامية وجامعة الجنان، بحجة "عدم التزامها معايير الرصانة العلمية". 
وكانت تقارير صحافية في العراق تحدثت أخيراً عن فتح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تحقيقاً في وجود 27 ألف شهادة مزورة حصل عليها طلاب عراقيون من خارج البلاد. وأشارت إلى أن السلطات استدعت الملحق الثقافي في سفارتها ببيروت للاستفهام منه عن المسألة. كما يدور جدل في العراق حول حصول الآلاف، بينهم مسؤولون وسياسيون، على شهادات ماجستير ودكتوراه مزورة.
ونقلت وكالة أنباء "واع" العراقية عن وزير التربية والتعليم اللبناني عباس الحلبي، الذي يشارك في مؤتمر "يونسكو" بالعاصمة الفرنسية باريس، قوله إن "تزوير الشهادات جرم جنائي يلاحق جزائياً مع فرض عقوبات سلوكية تتضمن دفع غرامات مالية، وصولاً إلى حد إقفال الجامعة المتواطئة وسحب رخصتها". وأضاف: "سيلاحق الطالب والجامعة والوسيط قانونياً إذا ثبت حصول تزوير لشهادات. ومن غير المقبول التفريط بسمعة الجامعات اللبنانية وشهاداتها العريقة". 

وأكدت مصادر في وزارة التربية اللبنانية لـ"العربي الجديد" أن "القضية تخضع لمتابعة حثيثة من أجل معرفة ما يجري، لأننا نتمسك بعدم المسّ بسمعة جامعاتنا، خصوصاً في ظل الأوضاع التي يمرّ بها بلدنا، ونريد على الأقل أن نحافظ على المستوى التعليمي الذي تشتهر به مؤسساتنا التعليمية".
وفي اتصال مع "العربي الجديد"، قال رئيس الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، المستهدفة بقرار تعليق دروس الطلاب العراقيين، حاتم علامة: "نحترم جميع المعايير الموضوعة، ولا علاقة لنا بوجود 27 ألف شهادة مزوّرة في العراق. ونحن نعتمد آليات تحظى بموافقة السلطات العراقية، بدءاً بقبول الطالب ومتابعة دراسته ثم مناقشة الرسائل، لذا نأمل في تصحيح الوضع".

تقييم جديد
وأوضحت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق، في بيان أصدرته أول من أمس الخميس، أن "قرار التعليق بدأ في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ويبقى سارياً حتى اعتماد الجامعات الثلاث المذكورة المعايير العلمية المطلوبة". وشددت على ضرورة إخضاع كل رسائل الماجستير والدكتوراه التي يحصل عليها الطلاب العراقيون في الخارج إلى عملية تقييم جديدة في الجامعات المحلية. 
والأربعاء الماضي، قررت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية عدم الاعتراف بالدروس الإلكترونية التي يتابعها طلاب من مؤسسات تعليم موجودة خارج العراق. وقال مدير دائرة البعثات والعلاقات الثقافية في الوزارة حازم باقر: "صدر قرار وقف الدروس الإلكترونية من خارج العراق بعد حدوث انفراج في وضع جائحة كورونا، وعودة دول مجاورة وحول العالم إلى الدوام الحضوري. ووزارة التعليم العالي لن تعترف بالدراسة عن بعد بالكامل، لكنها ستصادق على حصص الدراسة أونلاين التي تلقاها الطلاب خلال الجائحة العام الماضي، وتحتسب فتراتها ضمن شهاداتهم". 
إلى ذلك، أوضح مسؤول حكومي عراقي لـ"العربي الجديد" أن "قرارات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تستهدف الحدّ من تدفق آلاف من شهادات الماجستير والدكتوراه إلى العراق، والتي زادت كثيراً خلال العامين الأخيرين في ظل التسهيلات التي منحت بالتزامن مع جائحة كورونا، والتي حوّلت الدراسة من حضورية إلى إلكترونية. والسلطات تصرّ على ضرورة تقييد الدراسة في الخارج، خصوصاً تلك الخاصة بنيل الشهادات العليا". 

تكاليف "الأونلاين" أرخص من جامعات عراقية خاصة (سكوت بيترسون/ Getty)
تكاليف "الأونلاين" أرخص من جامعات عراقية خاصة (سكوت بيترسون/ Getty)

وكان أستاذ التاريخ في الجامعة المستنصرية ببغداد يوسف شهيد تحدث، لـ"العربي الجديد"، عن أن "العراق يعاني من تضخم في عدد الحاصلين على شهادات عليا، فآلاف الطلاب يدرسون حالياً، وآلاف آخرون ينوون الدراسة في الفترة المقبلة، ما يعني أن هذا الكم الهائل من الحاصلين على شهادات عليا سيمثل مشكلة جديدة تستدعي إعادة نظر الحكومة ووزارة التعليم العالي تحديداً بمعطيات الملف، خصوصاً على صعيد سهولة الدراسة التي تحتم عدم معاملة الطالب الذي حصل على شهادته بهذه الطريقة مثل ذلك الذي ذاق الويلات بسبب الظروف السائدة في العراق، علماً أن معظم الدراسات العليا في الخارج تحوّلت إلى حصص عن بعد بسبب جائحة كورونا، بخلاف الداخل، حيث أجبر الطلاب على التزام الدوام".
أما النائب السابق علي البديري فلفت في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "ملف الدراسات العليا يفتقر إلى التنظيم، على صعيد شراء أشخاص نافذين شهاداتها، وسهولة الدراسة في الخارج". ويشير إلى أن البرلمان شرّع العام الماضي قانوناً نقل معظم صلاحيات وزارة التعليم إلى جهات عدة، منها الأمانة العامة لمجلس النواب التي منحت صلاحية معادلة الشهادات التي تصدر من معهد التطوير البرلماني، وكذلك وزارة الدفاع ووزارة الداخلية صلاحية معادلة الشهادات العسكرية والمسلكية، بينما تقوم الجامعات المتنوعة ومجلس الخدمة الاتحادي بمعادلة وتقييم الشهادات التدريبية والفنية، بعدما دأبت وزارة التعليم العالي على فعل ذلك.

كل شيء مشرّع
لكن الواقع يكشف أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق قامت بمعادلة نحو 4500 شهادة عليا من الخارج. وكشفت مصادر فيها لـ"العربي الجديد" أن "عملية التسجيل في الجامعات اللبنانية والإيرانية وآلية الدراسة فيها هما الأسهل والأقل تكلفة، فهما لا تطلبا شهادة لغة إنكليزية أو حتى إجراء مقابلة حضورية مع الطالب، وتعتمد على وكلاء افتتحوا مكاتب في المدن العراقية لتسهيل إجراءات التحاق الطلاب بالدراسة الإلكترونية. وتستلم هذه المكاتب المبالغ المدفوعة التي تختلف بين تخصص وآخر، علماً أنها تخضع لإشراف عراقيين يتعاملون مع الجامعات مباشرة مقابل اتفاقات مالية ونسب من المبالغ التي يسددها الطلاب".
وقال قيمون على مكتب للحصول على مقاعد ومنح دراسية في الخارج في حي المنصور ببغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "المكتب يتعامل مع أكثر من 10 جامعات تتوزع في بلدان عدة، بينها مصر ولبنان وإيران وروسيا والهند، ويحدد أسعاراً للطلاب تختلف بحسب البلد ونوع التخصص والدرجة العلمية، لكنها أقل كلفة من الدراسة في العراق، وتلحظ تقديم كل ما يحتاجه الطالب، وصولاً حتى إلى تسهيل إجراءات سفره إلى الجامعة في الخارج إذا أراد ذلك. والأهم أن كل الجامعات التي يتعامل معها المكتب معترف بها في العراق، وتعادل وزارة التعليم العالي شهاداتها".

شكوك في شأن "الرصانة العلمية" لثلاث جامعات لبنانية (ماركو دي لورو/ Getty)
شكوك في شأن "الرصانة العلمية" لثلاث جامعات لبنانية (ماركو دي لورو/ Getty)

يوضح محمد، طالب الماجستير في القانون الخاص بجامعة في مدينة قم الإيرانية، لـ"العربي الجديد"، أنه باشر الدراسة مع بداية تفشي جائحة كورونا وتحوّلها إلى أونلاين، وبات في المراحل الأخيرة لإنجاز رسالته. ويقول: "استخدمت طوال فترة الدراسة تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً تلغرام، للتواصل مع الأساتذة وطلاب آخرين في الاختصاص ذاته. وكانت غالبيتهم من العراقيين، وتحديداً من الموظفين في دوائر الدولة الذين سعوا إلى تحسين وضعهم المعيشي وزيادة رواتبهم من خلال تغيير رتب وظائفهم وإضافة الشهادة العليا إلى شهاداتهم الأساسية. وبلغت كلفة دراستي 3 آلاف دولار، وهو مبلغ قليل مقارنة بالمبالغ التي ينفقها طالب يدرس داخل العراق".
من جهتها، تشير علياء، طالبة دكتوراه في هندسة الكمبيوتر بإحدى جامعات لبنان، في حوار مع "العربي الجديد"، إلى أنها نالت شهادة البكالوريوس في بغداد عام 2016، وبعدها شهادة الماجستير عام 2019، من دون أن تحصل على فرصة للعمل أو التعيين في دائرة رسمية بالعراق، ما دفعها إلى استكمال دراستها في لبنان التي كلفتها مبلغ 5 آلاف دولار. لكنها تنتقد "افتقار الدراسة في بعض الجامعات اللبنانية الخاصة إلى الرصانة العملية".

وتحدثت عن أن "معظم الطلاب الذين يدرسون في الخارج، أو عبر الأونلاين، يسعون إلى الحصول على وظائف حكومية، لأن العراق يمنح الحاصلين على شهادات عليا أفضلية في التعيين على حساب أولئك الذين يحملون شهادة بكالوريوس".

المساهمون