- ارتكبت ثماني مجازر ضد موزعي المساعدات خلال أسبوع، أسفرت عن مقتل أكثر من 455 شخصًا، بما في ذلك قيادات أمنية تشرف على تأمين المساعدات.
- اللجان الشعبية والمدنية في غزة تواجه صعوبات في تنظيم توزيع المساعدات بسبب الاستهداف الإسرائيلي، مما يعيق جهود إعادة الاستقرار ويحد من وصول المساعدات الدولية.
تستهدف طائرات الاستطلاع الإسرائيلية أي محاولة لتنظيم وصول المساعدات إلى شمال غزة، وتتعمد تصفية مسؤولي التوزيع، وصولاً إلى تدمير كلّ أشكال الاستقرار، لجعل غزة مكاناً غير صالح للحياة.
في العاشر من مارس/آذار الماضي، خلص اجتماع بين ممثلي العشائر في قطاع غزة وممثلين عن منظمات أممية من بينها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، إلى أنه لا يمكن للعشائر إدارة عملية توزيع المساعدات الإنسانية بالكامل، خصوصاً داخل المنطقة المحاصرة في الشمال، من دون وجود عناصر الأمن.
بعد أيام على عقد الاجتماع، كان أحد الحاضرين، العميد في الشرطة الفلسطينية فايق المبحوح، من بين الشهداء، وهو المشرف على عملية التنسيق بين العشائر ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" لإدخال وتأمين المساعدات الإنسانية إلى شمال القطاع.
وحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي خلال أسبوع واحد 8 مجازر بحق موزعي المساعدات الإنسانية، والذين يستهدفهم جيش الاحتلال في الشوارع، أو في نقاط توزيع المساعدات، وحتى في المخازن التابعة لوكالة "أونروا"، ووصل عدد ضحايا انتظار المساعدات، ومن بينهم المشرفون على توزيعها، وهم شخصيات اعتبارية محلية، أو يعملون في وظائف رسمية، إلى أكثر من 455 شهيداً، فضلاً عن إصابة آلاف آخرين.
ووثقت منظمات حقوقية في قطاع غزة، مثل الهيئة الوطنية لحقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، تكرار استهداف الاحتلال اللجان التي تشرف علي تأمين المساعدات الإنسانية، وجرائم الاغتيال التي ارتكبت في الفترة بين 14 إلى 22 مارس، إذ تعمدت قوات الاحتلال قصف سيارة مدير شرطة النصيرات، المقدم محمود البيومي، ما أدى إلى استشهاده مع نائبه أنس شكر، عند بوابة تموين النصيرات، خلال عمله في الإشراف على توزيع المساعدات بوسط القطاع.
وفي وقت سابق، استشهد مدير جهاز مباحث شمال غزة، المقدم رائد البنا، والذي كان المسؤول عن تأمين دخول شاحنات المساعدات إلى منطقة جباليا ومخيمها، كما استشهدت معه زوجته وأولاده بعد قصف الاحتلال لمنزلهم، وجاء ذلك بعد يوم واحد من اغتيال الاحتلال العميد في الشرطة الفلسطينية فايق المبحوح.
ارتكب الاحتلال 8 مجازر بحق موزعي المساعدات خلال أسبوع واحد
وفي 19 مارس، استشهد 23 فلسطينياً وأصيب عشرات آخرون من جراء قصف إسرائيلي استهدف اللجان الشعبية المشرفة على توزيع المساعدات عند دوار الكويت بمدينة غزة، رغم تواجدهم في ساحات المدينة، وإشرافهم على دخول شاحنات طوال عدة أيام بشكلٍ منتظم، ما زاد من آمال الغزيين في المنطقة المحاصرة بأن يتم تنظيم وصول وتسليم المساعدات.
كان عبد الرحيم أبو مهاني (40 سنة) من بين الشهداء، وهو أحد الأشخاص الذين حضروا اجتماعات مخاتير ووجهاء غزة، والذين تلقّوا اتصالات من منسق أعمال حكومة الاحتلال في القطاع اللواء في جيش الاحتلال غسان عليان، وضمن من رفضوا عرضه بالتعاون من أجل تنظيم المساعدات.
ويقول ابن عم الشهيد يوسف أبو مهاني، إنه أيضاً كان ضمن فرق المتطوعين في لجان تنظيم توزيع المساعدات، وأصيب في القصف الإسرائيلي، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "كانت أصوات طائرات الاستطلاع تملأ السماء، وكنا نحاول إبعاد الناس، وفضّ التجمهر، ونطالبهم بالابتعاد عن نقطة وصول المساعدات، لكن تم قصفنا بشكل مباشر، ما يؤكد أن الاحتلال كان يسعى لاغتيال أفراد لجان التنظيم".
يتابع: "تشكلت عدة لجان من الشبان أقوياء البنية الذين لديهم شخصية قيادية من أجل تولي مهمة تنظيم نقل المساعدات إلى المخازن القريبة من نقاط التسليم، وكنت وابن عمي الشهيد من بين هؤلاء، وكنا نتولى تنظيم النقل والتوزيع وسط آلاف من الناس الذين يتدافعون، وبالفعل كنا نسيطر على الموقف، وننشر بعض النظام الذي يسمح للكل بالحصول على نصيب من المساعدات. لكن كانت هناك مساعٍ لإنهاء عمل اللجان. ابن عمي مثلاً لا ينتمي لأي حزب أو فصيل، حتى أنه كان معارضاً لحركة حماس وللسلطة الفلسطينية لأنه لا يحب رجال السياسة، لكنه كان شخصا وطنيا، ومبادرا إلى فعل الخير، وهو استشهد، وأنا أصبت بكسر في يدي، ونجوت بأعجوبة، وكثير من الشبان استشهدوا بينما كانوا ينظمون التوزيع".
ويشير بيان الهيئة الوطنية لحقوق الشعب الفلسطيني "حشد" الصادر مساء الخميس الماضي، إلى أنه "منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تعمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف مقار الشرطة والنيابة والمحاكم، واستهداف مرافقي قوافل المساعدات، بهدف بث الفوضى والفلتان الأمني، وإعاقة دخول المساعدات الإنسانية بهدف دفع السكان إلى النزوح القسري، خاصة من مناطق شمالي القطاع بعد جعلها مناطق غير صالحة للعيش".
وحسب من كانوا رفقة الشهيد العميد فايق المبحوح، فإنه كان يحاول التواصل مع العائلات من أجل ضمان عدم التجمع، وكان صاحب فكرة عدم التجمع لانتظار المساعدات في شارع الرشيد أو دوار الكويت، حرصاً على عدم إراقة الدماء، كما كان يحاول صياغة مذكرة لنشرها بين المواطنين، تحثّهم على عدم التزاحم عند نقاط التوزيع، لكن قتله الاحتلال قبل تنفيذ تلك الخطط.
ويشدد فؤاد أبو العطا على أنه جرت محاولات عديدة خلال الشهرين الأخيرين من هيئات مدنية غزية من أجل تشكيل لجان شعبية لتنظيم عملية توزيع المساعدات، لكن طائرات الاحتلال قصفت اللجان، وقتلت أفرادها، ومن بينهم شخصيات تعمل في مناصب عامة، ما جعل عمل تلك اللجان يتراجع بعد سلسلة الاغتيالات الأخيرة، مشيراً إلى أن "الاحتلال لا يريد وجود أي هيئة توزع المساعدات في القطاع، خصوصاً في المنطقة الشمالية. جيش الاحتلال أعلن مرارا خلال الشهر الماضي أنه يسعى إلى تقليص العمليات في الشمال، وينوي التفرغ لجنوب القطاع وسط مخططات لعملية في مدينة رفح، لكنه عاد إلى قصف المنطقة المحاصرة رغم زعمه سابقا أنه أنهى مهامه العسكرية في المنطقة التي دمر نحو 70 في المائة من مبانيها السكنية".
يتعمد الاحتلال إبعاد وكالة "أونروا" عن مشهد توزيع المساعدات
ويوضح أبو العطا لـ"العربي الجديد": "كانت هناك مساع لعودة الحياة في شمال غزة، ومكافحة الجوع المتفشي، وضمان توفير الممرات البرية الإنسانية، لأن كل عمليات الإنزال الجوي كانت مذلة لأبناء شعبنا، وكنا ننوي في اللجان الشعبية أن نثبت للمنظمات الدولية جديّتنا في إدارة وتوزيع المساعدات بشكل يضمن استمرار دخولها، وعدم إراقة الدماء، لكن الاحتلال أفسد كل شيء، وقتل العديد منا متعمدا".
يضيف: "حين وصلت أكياس الطحين إلى شمال قطاع غزة، بدأ الاحتلال استهداف وملاحقة الشخصيات الاعتبارية، كأنه حاول استخدامها كطُعم للقضاء على تلك الشخصيات التي تسعى إلى إعادة تنظيم سبل الحياة، وقد حاولنا تنظيم توزيع المساعدات في شمال القطاع، وفي مدينة غزة، وهما محافظتان مختلفتان بالأساس، رغم إصرار الاحتلال على تقسيم القطاع إلى منطقتين شمالية وجنوبية. اللجان الغزية التي تضم المخاتير ولجان الإصلاح مهمتهم إنهاء الخلافات بين الناس رغم كل القيود القائمة، وهم يعملون بعيداً عن التجمعات الظاهرة حتى لا يكونوا أهدافاً للاحتلال، والذي يكذب حين يدّعي أنه يحاول منح المخاتير والعائلات مسؤولية إدارة المساعدات في القطاع، وجرائمه الأخيرة تؤكد أنه يخشى من وجود هيئات تنظيم مدنية، أو حتى لجان شعبية".
من جهة أخرى، يحاول الاحتلال تقييد توزيع المساعدات عبر المنظمات العاملة في قطاع غزة، حتى لو كانت أممية مثل وكالة "أونروا"، ويسعى للسيطرة على كل منافذ إدخال المساعدات، عبر فرض التنسيق لإدخال الشاحنات عبر معبر كرم أبو سالم الحدودي شرق مدينة رفح، وسيطرته على إنشاء الميناء في منطقة البيدر غربي مدينة غزة.
ويقول مصدر من وكالة "أونروا" لـ"العربي الجديد"، إن الاحتلال يتعمد إبعاد الوكالة الأممية عن مشهد توزيع المساعدات خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، وهناك مساع لمنع تدخّلها بالكامل، و10% فقط من المساعدات التي دخلت عبر معبر كرم أبو سالم سمح بتوزيعها من قبل أونروا.
يضيف المصدر: "غالبية المساعدات التي دخلت إلى مخازن أونروا في الأيام الأخيرة، ليست تابعة للوكالة، ويتم استقبالها لأن هناك مخازن كثيرة مدمرة، ولا توجد أماكن آمنة لتخزينها، كما لا يمكن توزيعها بشكل منظم في ظل الاستهدافات الحاصلة، وأي تشكيل مدني لإدارة المساعدات يتم استهداف أفراده، ويحاول الاحتلال تغييب أونروا تماما، خصوصاً في المنطقة الشمالية".