تغزو أكوام القمامة وروائحها الشوارع الرئيسية والفرعية في مدينة سلمية الخاضعة للنظام السوري في ريف حماة الشرقي، وسط سورية، في ظلّ عجز مجلس المدينة عن ترحيل القمامة لضعف إمكاناته.
وبدأت هذه الأزمة تتفاقم منذ بداية العام الجاري في مدينة سلمية، مع تدهور عام في مستوى الخدمات المختلفة التي من المفترض أن تقدّمها المؤسسات العامة المسيطر عليها من النظام في المدينة، وعلى رأسها المجلس المحلي الذي يتذرّع بضعف الإمكانات البشرية واللوجستية، فيما يحذّر السكان من تفاقم الوضع أكثر وآثاره السيئة على البيئة والصحة.
وقال عبد الله الماغوط، وهو مقيم في السلمية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المدينة تعاني، منذ بداية العام الجاري، من أزمة تتعلق بإزالة النفايات والقمامة من شوارع المدينة الرئيسية والفرعية، حيث باتت أكوامها تغزو كل الأماكن، وبدأت آثارها تظهر على المحيط، مع انتشار الروائح والتحلل والتخمّر وتجمّع الحيوانات الشاردة والقوارض".
ولفت الماغوط إلى أنّ المدينة مهمّشة خدماتياً من كل الجوانب، وأضاف أنّ "مؤسسة "الآغا خان" كانت قد دعمت، العام الماضي، مسألة النظافة في المدينة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "undp"، لكن بعد انتهاء عقدها، عادت الحالة تسوء لأسباب كثيرة، أبرزها الفساد".
وأضاف: "لقد بات منظر الحيوانات التي تنكت القمامة في الشوارع مألوفاً لدى السكان، وازدادت ظاهرة الأطفال العاملين في "النبش"، حيث ينكتون أكياس القمامة ويمزّقونها، بحثاً عن أشياء قابلة للبيع، مثل البلاستيك أو المعادن أو حتى الورق، وذلك يؤدي إلى نثر القمامة إلى جانب الحاويات المخصّصة لها، التي لا تكفي، ما يضطرنا إلى وضع القمامة إلى جانبها. ومع تأخّر مجلس المدينة بترحيل القمامة، تتفسخ وتصدر منها روائح كريهة، وتزيد بشاعتها عند تساقط الأمطار، حيث تنتشر المياه الآسنة في الشوارع".
من جانبه، قال محمد الحمود، وهو من سكان السلمية لـ"العربي الجديد": "المشكلة في طول فترة ترحيل القمامة وعدم وجود حاويات قمامة محكمة الإغلاق، وعندما تأتي سيارة ترحيل القمامة، غالباً ما يحملون ما يوجد داخل الحاوية وأكياس القمامة غير الممزقة، بسبب عدم وجود عمّال نظافة أو أدوات، إضافة إلى ضغط الوقت، لتبقى إلى جانب هذه الحاوية النفايات المتكدسة يوماً بعد آخر".
وأضاف الحمود: "من جانب آخر، هناك قلّة وعي مجتمعي بشأن التعامل مع الموضوع، فمثلاً هناك موعد محدد لمرور سيارة جمع القمامة، لكن الناس لا يتقيدون به، ومنهم من لا يلتزم وضع أكياس القمامة داخل الحاوية، بل أشاهد أشخاصاً لا يضعون القمامة في كيس، بل يحملونها في وعاء بلاستيكي أو معدني ثم يفرغونها إلى جانب الحاوية، التي غالباً ما تكون ممتلئة".
بدوره، قال نائب رئيس مجلس مدينة سلمية، المهندس إسماعيل موسى، في تصريح لصحيفة محلية نُشر أخيراً، إنّ البلدية تعمل بطاقتها القصوى من أجل تحسين الخدمات الأساسية، ومن ضمنها موضوع النظافة، إلا أنّه نظراً للإمكانات المتواضعة لمجلس المدينة، تحوّلت مهمته إلى إدارة الأزمات في ملفات المدينة، و"رغم أننا استوعبنا جميع الأزمات والصعوبات، إلا أننا لم نستطع القيام بأيّ تحسين في موضوع النظافة".
وحول عدم قدرتهم على ترحيل النفايات، قال موسى إنّ السبب يعود إلى النقص الحاد في عدد عمّال النظافة والآليات، ما أثّر كثيراً بتراجع مستوى النظافة في المدينة وخارجها، حيث إنّ "كمية النفايات التي ينبغي ترحيلها تتجاوز 90 طناً يومياً من مركز المدينة، وكل ثلاثة أيام من الأحياء البعيدة عن المركز".
ولفت إلى أنّ "حاجة المدينة من الآليات أكبر بكثير مما هو موجود، حيث لا يوجد سوى سيارة واحدة تخدم المنطقة بأكملها تتعرّض كل فترة لأعطال يجري إصلاحها على الفور، بينما يجب توفير ثلاثة ضواغط وسيارات قلاب".
وتفيد تقارير إعلامية بأنّ عدد سكان السلمية يقدر بنحو 175 ألف نسمة، وهذا يفترض وجود نحو 175 عامل نظافة، بينما فعلياً لا يوجد حالياً إلا 25 عاملاً فقط، أغلبهم متقدمون بالسن، ويعانون أوضاعاً صحية صعبة.
ورأى محمد فطوم، وهو من سكان السلمية، ومهتم بالقضايا الخدمية، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ السبب الرئيسي وراء نقص اليد العاملة في المدينة "عزوف الشباب عن العمل في مؤسسات النظام وذهابهم للعمل ضمن المليشيات المدعومة من روسيا"، مضيفاً أنّ "معظم موظفي البلدية تركوا عملهم وانخرطوا في مليشيات "الدفاع الوطني" المدعومة من روسيا والمليشيات الأخرى المسؤولة عن حماية الاستثمارات الروسية في البادية، وخاصة حقول النفط، وهناك شبان من المدينة ذهبوا مع المليشيات الروسية إلى ليبيا، فالرواتب التي يحصلون عليها من الدوائر الرسمية متدنية كثيراً، ولا تؤمن الاحتياجات الرئيسية لبضعة أيام".
ومن جانبه، قال علاء عدرا، وهو من أهالي المدينة، إنّ "مسؤول البلدية يطالب أهالي المدينة بالتزام مواعيد رمي القمامة، وكأنه يجب على السكان الاحتفاظ بالقمامة في منازلهم أسبوعاً كاملاً حتى تكون البلدية قادرة على إزالتها".
وأضاف عدرا، لـ"العربي الجديد"، أنّ "البلدية تتذرّع بعدم توافر آليات أو عدم توافر وقود لتشغيلها وتنقل السيارة النفايات من كلّ حيّ مرة واحدة في الأسبوع، لكن في الحقيقة هناك فساد يطاول موضوع وقود الآليات وإصلاحها".
من جهته، ذكر خالد دبيات، وهو مهندس من أهالي المدينة، لـ"العربي الجديد"، أنه "في ظلّ سريان عقد مؤسسة "الآغا خان" وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي "undp"، تتوقف البلدية بشكل شبه كامل عن العمل، وبعد انتهاء العقد، تبقى البلدية عدة أيام غير قادرة على نقل النفايات".
وأوضح أنّ "هناك فروقاً كبيرة في الدخل، فالعامل المتعاقد مع "الآغا خان" كان يحصل على مرتب 250 ألف ليرة، بينما لا يتجاوز راتب عامل البلدية 60 ألفاً مع الزيادات. ومعظم العاملين ضمن تلك العقود من خرّيجي الجامعات، الذين يلجأون إلى هذا العمل من أجل تأمين الدخل، وعدم الانخراط في مليشيات النظام، في حين أنّ الدولة متمثلة بـ "النظام" لا تسمح بإقامة مشاريع إنتاجية أو معامل مستدامة، وهي فقط عقود مؤقتة".
يُشار إلى أنّ السكان في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام يشتكون من تردي الخدمات الأساسية، وعجز المؤسسات عن القيام بدورها، فيما يُطالَب المجتمع بتحمّل مسؤوليته وإيجاد البدائل التي تخفف عنه.