أثار انتحار طالب صيني في مدرسة مهنية بسبب سوء المعاملة بعد أن أجبر على التدريب في أحد المصانع، نقاشاً قديماً في البلاد حول الصراع الطبقي والتمييز الذي يمارس بحق أبناء النازحين من الأرياف.
وعثر على تياو (17 سنة) منتحراً في غرفته بالمنطقة الصناعية في مدينة شينزن، في شهر يونيو/حزيران الماضي، وقال مقربون منه إنه عانى من مشاكل نفسية بسبب إجباره قبل أيام من انتحاره على العمل في خط تجميع ونقل الصناديق بمصنع للإلكترونيات، على الرغم من تخصصه في مجال دراسات الحاسوب.
ولاقت قصة تياو تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، وتساءل نشطاء عن سبب تغييب صوت طلاب المدارس المهنية، وعدم تسليط الضوء على معاناتهم، وظروف عملهم، واحتياجاتهم النفسية والاجتماعية.
وحسب إحصاءات رسمية، هناك 16 مليون مراهق مسجلون في أكثر من عشرة آلاف مدرسة مهنية في جميع أنحاء الصين، يشكلون حوالي 40 في المائة من إجمالي الطلاب في التعليم الثانوي.
وتُعرف هذه المؤسسات باسم "المدارس المهنية الثانوية"، وتقوم بتدريس المهارات الفنية أو المهنية المطلوبة للتوظيف بدلاً من إعداد الطلاب لارتياد الجامعة، وقد خضعت مؤخراً للمراجعة والتدقيق بسبب نقص التمويل والمعدات، وتقادم المواد التعليمية، ولامبالاة الطلاب، وسوء سلوكهم، وضعف معايير التدريس.
ويعتقد خبراء تربويون أن نقص التمويل وبيئة الدراسة السيئة يتسبب بفشل الطلاب في اكتساب مهارات مفيدة، مما يقلل من قيمة التعليم المهني في أعين أصحاب العمل، والمجتمع الصيني بشكل عام.
ووفق دراسة حديثة صادرة عن نشرة العمال الصينية، فإن الطلاب المهنيين أكثر عرضة لإظهار "الانحراف" مقارنة بطلاب المدارس الثانوية العادية. في حين تشير دراسات أخرى إلى أن معدلات الاكتئاب والقلق والشعور بالدونية ورداءة المستوى الدراسي والاجتماعي، أعلى بين طلاب المدارس المهنية، مقارنة بنظرائهم من الطلاب الملتحقين بسلك التعليم الأكاديمي العادي.
فشل الطالب الصيني تشو باو، في الالتحاق بامتحان القبول (جاو كاو) للدخول إلى الجامعة في مدينة بكين، لأنه غير مدرج في السجلات المدنية الخاصة بسكان العاصمة، نظراً لأنه قادم من الريف، ويقول في حديث مع "العربي الجديد": "فشلت مرتين في الالتحاق بامتحان القبول لعدم استيفاء الشروط، إذ تشترط بعض المؤسسات التعليمية أن يكون الممتحن من السكان الأصليين وليس مهاجراً من الريف، وفي نهاية الأمر استسلمت للأمر الواقع، وقررت الالتحاق بمدرسة مهنية في مدينة تيانجين المجاورة، ولكن بعد أن صدمت بتكاليف الدراسية البالغة 15 ألف يوان للفصل الدراسي الواحد، قررت الانضمام إلى برنامج مهني تموله منظمة غير حكومية، وبعد عامين من الدراسة، فوجئت بأن وظيفتي لن تجلب لي في سوق العمل دخلاً يفوق 2500 يوان شهرياً، وهو رقم زهيد مقارنة بمستوى المعيشة في المدن الكبرى مثل بكين وشانغهاي وشينزن".
وفي رده على سؤال "العربي الجديد"، مفاده لماذا ينتهي الأمر بالعديد من الأطفال المهاجرين ممن لا يستطيعون الدراسة في المدن بالمعاهد المهنية؟ يقول أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة قوانغ دونغ، دا شوان، إن "امتحان القبول يخضع لمعايير خاصة، إذ تحدد الجامعة عادة حصة قبول ثابتة لكل مقاطعة حسب الكثافة السكانية وعدد الطلاب القادمين من مقاطعات أخرى، كما أن وزارة التربية والتعليم تحدد حصة وطنية سنوية تبلغ حوالي 50 في المائة من جميع الطلاب الممتحنين الذين يمكنهم اجتياز امتحان (جاو كاو) للالتحاق بالجامعات. لذلك تتضاءل فرص الطلاب المهاجرين الذين لا يستوفون الشروط الحكومية، فلا يكون أمامهم سوى العودة إلى الريف، والالتحاق بالمعاهد المهنية".
وحول نظرة المجتمع الصيني إلى التعليم المهني، يضيف دا تشوان: "على الرغم من المحاولات الحكومية الأخيرة لإصلاحه، والتعهد بزيادة جاذبية التعليم المهني، وقبوله من قبل المجتمع، فإنه لا يزال يُنظر بازدراء إلى طلاب المعاهد المهنية، والبعض يعتبرهم فشلة، ويوصمون بعبارات تمييزية. لكن التعليم المهني لم يشكل وصمة عار في ذروة النهضة الصناعية، وقبل أن تجري البلاد إصلاحات شاملة في القطاع المملوك للدولة في تسعينيات القرن الماضي، كانت المدارس المهنية مرموقة، بل يصعب دخولها، وكانت الوظيفة في الدولة تمثل توفير مرتب ثابت مدى الحياة، مع إمكانية الحصول على بعض الامتيازات في مجال الرعاية الصحية والتعليم والخدمات. لكن بعد أن خفضت الحكومة عدد الشركات المملوكة للدولة، وأنهت نظام وحدة العمل، تضاءلت تلك الوظائف، وسرعان ما تبخرت قيمة المهارات المهنية في ظل نظام اقتصاد السوق".
وشهد سوق العمل في الصين طفرة غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، ففي منتصف العام الماضي، تخرج أكثر من 10,7 ملايين طالب من عموم الجامعات الصينية، بزيادة قدرها 1,67 مليون على أساس سنوي، وهو رقم قياسي غير مسبوق، وأشارت وزارة التعليم إلى أن الخريجين الجدد سيواجهون ضغوطاً وظيفية متعددة، وسيكون البحث عن عمل أكثر صعوبة من قبل.
كما تم إصدار أكثر من 9 ملايين شهادة جامعية في نفس العام. الأمر الذي ضاعف من صعوبة التوظيف، وهي معضلة أخرى تضاف إلى قائمة طويلة من المطبات بالنسبة لطلبة المعاهد المهنية، مثل الفشل في الالتحاق بالجامعة، وصعوبة الحصول على وظيفة بعد التخرج، ومواجهة ازدراء المجتمع.