ليس الحصول على المياه أمراً يسيراً في قرى وبلدات ريف إدلب شمال غربيّ سورية، فهي لا تتوافر بمجرد فتح صنبور متصل بشبكة الضخ الرئيسية، ويعتبر الحصول عليها بهذه الطريقة إحدى أمنيات السكان لتوفير التعب والجهد والمال وتخفيف الأعباء المعيشية عنهم، فيما تتجاهل سلطات الأمر الواقع والمنظمات الإنسانية هذا الواقع.
وتصنّف بلدة حير جاموس صغير بين البلدات المهمّشة على صعيد مشاريع دعم المياه غربيّ إدلب، ولم تفلح مناشدات سكانها في جلب استعطاف المنظمات الإنسانية لدعم المياه وضخها عبر الشبكة الرئيسية.
يقول شادي بليلو، الناشط المقيم في بلدة حير جاموس صغير، لـ"العربي الجديد": "لم تكن مناشداتنا للمنظمات والجهات المعنية مفيدة، وقد توجه مسؤولو بعضها إلى البلدة، وأجروا دراسات لواقع المياه فيها بهدف تقديم دعم، من دون أن يعقب ذلك خطوات على الأرض. والحقيقة أن بعض هذه المنظمات أتت شكلياً إلى البلدة، وردت لاحقاً على مراسلاتنا بأن المشروع يخضع لدراسة".
يتابع: "توقفت منذ عام 2012 كل مشاريع دعم المياه التي كانت منظمة غوول ترعاها خلال فترة عام تقريباً، ووجهنا رسائل إليها مرات، وردت بأنها لا تملك إمكانات توسيع مشاريع المياه التي تشرف عليها، وأنها تخدم قرى وبلدات بعيدة من بلدتنا، فيما توجد شبكة كاملة في البلدة. وحالياً نشتري مياه تنقلها صهاريج من مناطق تبعد نحو 5 كيلومترات أو أكثر عن البلدة، فيما تحتاج عائلتي كل أسبوع إلى نحو 20 برميلاً من المياه سعرها نحو 150 ليرة تركية (8 دولارات)، وهذا أمر صعب جداً بالنسبة إلينا نحن وجميع سكان البلدة التي لا تضم آباراً للمياه الجوفية، علماً أن محاولات أجريت لحفر بعضها، لكنها ظلت بلا جدوى".
بدوره، يخبر أحمد الذي يرأس المجلس المحلي لقرية في ريف إدلب الغربي محرومة مشاريع المياه منذ أكثر من 10 سنوات، "العربي الجديد"، أن "أكثر من 80 في المائة من سكان البلدة يحصلون على المياه بواسطة صهاريج، وتكلفتها 200 ليرة تركية (10.70 دولارات) شهرياً".
ويوضح أن السكان يعانون الكثير من الصعوبات، وخاصة مع حلول فصل الشتاء الحالي، ويقول: "المياه التي نحصل عليها من الصهاريج مصدرها آبار سطحية لا يتجاوز عمقها 40 متراً، وهي تفتقر إلى مقومات السلامة العامة، ولا تخضع لعمليات تعقيم، ما يجعل وضع الأهالي في البلدة يرثى له، وخصوصاً أن تأمين المياه يزيد الأعباء المعيشية عليهم".
ويلفت إلى أن "بلدات جكارة والمغارة والمشرفية تعاني من الأزمة ذاتها، فيما تبرر المنظمات الإنسانية عدم دعمها مشاريع المياه بأنها نفذت أخرى في مناطق مختلفة".
ويقول ظهير الدسوقي الذي يقيم في مدينة أرمناز لـ"العربي الجديد": "تحتاج عائلتي إلى صهريج، علماً أن مياه الشبكة لا تصل إلى منزلي، رغم أنه يقع في الطابق الأرضي، وبالطبع لا دعم للمياه على غرار أي شيء آخر، وأحتاج شخصياً إلى شراء مياه كل 15 أو 20 يوماً بحسب الاستهلاك، وهو ما يرهقني، علماً أن عملي يسد احتياجاتي بخلاف آخرين تكفيهم بالكاد مداخيلهم لتوفير الماء والخبز، كذلك يعمل أفراد عائلات في الفحم وغيره، ويحتاجون إلى الاستحمام يومياً، من هنا يمكن وصف وضعهم بأنه يرثى له".
وكان تقرير نشره "المركز السوري للحوار" بعنوان "الأمن المائي: أزمة تهدِّد الاستقرار في الشمال السوري"، قد أورد أن "ثلاث مشكلات جدية تهدد الأمن المائي، وهي الكثافة السكانية المتزايدة في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، والاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، وموجة الجفاف". وقد ارتفعت كثافة السكان في الشمال السوري في العامين الأخيرين بنسبة 272 في المائة.
ويعلّق محمد باتيتا، الناشط من أهالي مدينة أرمناز، بالقول لـ"العربي الجديد": "المياه مقطوعة عن المدينة، وقد توقف دعم مصادرها، فيما لا تفعل حكومة الإنقاذ أي شيء لحلّ مشكلة. وحالياً توفر محطة الضخ الماء كل شهر أو شهرين، علماً أن فاعل خير تبرع سابقاً بتركيب ألواح شمسية وأجهزة وبطاريات من أجل تشغيل المحطة. وعندما تشرق الشمس تكون الأمور جيدة، إذ تُضَخ المياه إلى أحد أحياء المدينة، أما الحيّ الذي أعيش فيه، فلم تصل المياه إليه منذ شهرين".
بدوره يقول مصطفى المسلم الذي يعيش في مدينة أرمناز أيضاً لـ"العربي الجديد": "مع بداية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي توقف دعم منظمة غوول لمصادر المياه، فاضطررنا إلى تعبئة المياه بصهاريج بتكلفة شهرية تراوح بين 300 و400 ليرة تركية (16 و21 دولاراً)، وبتنا نعاني من مشاكل تتعلق بالمعايير الصحية لهذه المياه التي لا تعالج بمادة الكلور، ولا يجري فحصها في مختبرات. ونتمنى من الجهات المعنية ومنظمات الإغاثة إعادة النظر في هذا الأمر، وتقديم الدعم مجدداً".
وتمتد أزمة المياه إلى مخيمات مناطق شمال غربيّ سورية. وأفاد تقرير نشره "المنتدى السوري للأعمال" بأن "عدد المخيمات المحرومة المياه النظيفة والمعقمة 590"، مشيرة إلى أن 42 في المائة منها تعاني أزمة مياه منذ 5 سنوات، و37 في المائة منها منذ عامين، و21 في المائة منذ 6 أشهر".