استمع إلى الملخص
- محمد، أحد السكان، يروي تجربته في الفرار والعيش مع أقاربه بسبب الدمار، مشيرًا إلى استهداف الغارات لكل ما يسمح باستمرار الحياة.
- نزح غالبية سكان الضاحية، الذين يقدر عددهم بين 600 ألف و800 ألف، إلى مناطق أخرى، معبرين عن حزنهم للدمار والخسائر المحتملة في الأرواح والممتلكات.
قبل شهر، كانت ضاحية بيروت الجنوبية تضيق بقاطنيها وأبنيتها وتزدحم شوارعها وأسواقها، لكن الغارات الإسرائيلية المكثفة حولتها إلى منطقة منكوبة، هجرها سكانها ما عدا شبانا يتجولون على دراجاتهم النارية بين الركام.
وسوّت الغارات الإسرائيلية الكثيفة على ضاحية بيروت الجنوبية منذ 23 سبتمبر/ أيلول، أبنية كاملة بالأرض، ودمرت بعضها الآخر وهشّمت واجهات شقق ومحال ومؤسسات تجارية. وتحولت بعض الأحياء التي طاولتها غارات متلاحقة الى أكوام ركام هائلة.
ومنذ اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بغارات إسرائيلية ضخمة على حارة حريك، تسود حالة من عدم الثقة في المنطقة. من على دراجاتهم النارية، يراقب شبان من أبناء المنطقة حركة العابرين والسيارات ويتأكدون من أن الوافدين من سكان المنطقة جاؤوا على عجل لتفقد منازلهم وأخذ احتياجاتهم.
ويقول محمّد (32 عاماً) الذي أمضى 25 عاماً من حياته في ضاحية بيروت الجنوبية، إنه عاد الى المنطقة لأخذ ملابسه، لأنه غير قادر على شراء ثياب جديدة مع ارتفاع الأسعار في بلد يعيش انهياراً اقتصادياً متمادياَ منذ خمس سنوات. ويوضح متحفظاً عن كشف اسمه الكامل، لوكالة فرانس برس: "طلب مني بعض الشباب ألا أتاخر كثيراً لأن مسيرات تحلق باستمرار ويمكنها أن تقصف في أي لحظة".
وفرّ محمّد من منزله بعد الغارات التي أودت بنصرالله في 27 سبتمبر/ أيلول، ويقيم منذ ذلك الحين لدى أقاربه في بيروت. عند فراره، يروي محمّد: "خرجنا من دون أن نرتدي أحذيتنا وظننا أننا لن نرى منزلنا مرة أخرى"، على غرار ما فعله جيرانه.
استهداف "متعمد" لكل ما يسمح باستمرار الحياة في ضاحية بيروت الجنوبية
إذا كان البناء حيث شقة عائلته لا يزال صامداً رغم الضربات في محيطه، إلا أن حوالى 320 مبنى في بيروت وضاحيتها قد تدمرت وفق ما تقدر منى فواز مديرة البحوث في "مختبر المدن بيروت" التابع للجامعة الأميركية.
وتشير أستاذة الدراسات والسياسات المدينية لوكالة فرانس برس إلى أنه خلال الحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل على لبنان واستمرت 33 يوماً صيف 2006، أظهر مسح أن "1332 مبنى من طبقات عدة تضرر بشكل جسيم، وسُوي 281 بالأرض، ما أجبر مائة ألف شخص على النزوح" من مساحة تقدر بحوالى عشرين كيلومتراً مربعاً.
وابتلعت الغارات الإسرائيلية التي قتلت نصرالله أبنية بأكملها في منطقة حارة حريك، وتصدعت الأبنية المجاورة بشكل لا يخول سكانها العودة إليها. وباتت أحياء بأكملها منكوبة مع تطاير إسفلت طرقاتها وانفجار أنابيب المياه وشبكات الصرف الصحي فيها وتقطع الأسلاك الكهربائية وخطوط الهاتف وتدليها في كل ناحية.
وبحسب فواز، فإن الطائرات الإسرائيلية "تستهدف بشكل متعمد كل ما يسمح للحياة بالاستمرار" من خدمات "لا تعد من البنى التحتية لحزب الله"، وعلى "نطاق جغرافي أوسع" مما كان عليه الحال خلال حرب 2006. وسبق لحارة حريك أن نالت نصيبها من القصف والأضرار صيف 2006. وبقيت منطقة برج البراجنة المجاورة حينها بمنأى عن الأضرار، إلا أن قاطنيها وجدوا أنفسهم هذه المرة تحت رحمة الغارات.
"نخاف العودة"
على وقع الغارات، نزح غالبية سكان ضاحية بيروت الجنوبية والذين يقدّر عددهم بما بين 600 ألف و800 ألف إلى مناطق أخرى، ما عدا جنوب البلاد وشرقها، التي يتحدر معظمهم منهما، وحيث يشنّ الاحتلال الإسرائيلي غارات أيضاً. ويعيش غالبية النازحين في مراكز إيواء موقتة أو في شقق مستأجرة أو لدى أقاربهم ومعارفهم.
قبل 37 عاماً، وُلد حسن وترعرع في محلة المريجة في ضاحية بيروت الجنوبية. وطاولت المنطقة الشهر الحالي غارات كثيفة، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنها استهدفت مقراً كان رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله هاشم صفي الدين، أبرز المرشحين لخلافة نصرالله، موجوداً فيه، من دون أن يتضح مصيره.
يتذكر حسن الذي نزح من منزله، صباحات الحي مع "الأصدقاء وألعاب الأطفال ورائحة الخبز وتبادل التحية بين الجيران". ويبدي حزنه للدمار الذي لحق بمدارس ومحال وأبنية وحتى بسوبرماركت كان يعتمدها كعلامة بارزة لتحديد الطريق الى منزله. ويقول: "نخاف من العودة بعد الحرب ونكتشف كم خسرنا من أصدقاء، على غرار العام 2006".
(فرانس برس)