فجر الأربعاء الماضي، استجاب الدكتور السيد عبد الخالق الدركي لاستغاثة وجهها زوج مريضة أصيبت بجلطة قلبية، ونقلت إلى مراكز طبي خاص في مدينة المنصورة، وقرر إجراء تدخل علاجي سريع بالقسطرة لها، لكنها توفيت إثر توقف عضلة القلب، وفشلت كل محاولات إنعاشها. ثم فوجئ الدركي باعتداء أهل المتوفية عليه باستخدام أسلحة بيضاء، ما عرّضه لإصابات في أنحاء مختلفة في جسمه استدعت تدخلاً جراحياً عبر 68 غرزة، وألحق أضراراً بمحتويات المركز الطبي.
وأبلغ الدركي وفد مجلس نقابة أطباء مصر الذي عاده في المستشفى أنه تنازل عن البلاغ ضد المعتدين تحت تهديد أهل المرأة المتوفية. وكشف أن مجلس نقابة أطباء الدقهلية والنقابة العامة للأطباء دعما طلبه فتح تحقيق في ملابسات الواقعة، وعدم النظر إلى تنازله كونه حصل تحت التهديد.
وخاطبت نقابة أطباء مصر النائب العام المستشار حمادة الصاوي، ووزير الداخلية اللواء محمود توفيق، ومدير أمن الدقهلية اللواء السيد سلطان، لتوفير حماية للدركي، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لضمان أمن أسرته، والتدابير القانونية والأمنية ضد من يهدد حياتهم.
وأبلغت نقابة أطباء مصر النائب العام ووزير الداخلية ومدير أمن الدقهلية بوقائع تدخل الدركي لمحاولة إنقاذ حياة المريضة قبل أن تتوفى، ويعتدي أهلها عليه، ما ألحق إصابات بالغة به، وأضراراً بأجهزة المركز الطبي الخاص الذي شهد الواقعة. وتحدثت نقابة الأطباء أيضاً عن أن أفراداً في أسرة الدركي أبلغوها عن تعرضهم لتهديدات اضطرتهم إلى هجر منازلهم ومراكز عملهم، وطالبت بمحاسبة المعتدين وموجهي التهديدات.
وأكدت نقابة أطباء مصر ونقابة أطباء الدقهلية أنهما تتابعان عن كثب أحداث الواقعة وتتواصلان مع أسرة الطبيب، وتقديمهما كل أشكال الدعم للطبيب وأسرته.
وأشارت نقابة أطباء مصر إلى أن أولوياتها تتمثل في تأمين الطبيب وأسرته وحفظ كامل حقوقه، وناشدت دعم الأطباء الطبيب وأفراد أسرته، ومراعاة مشاعرهم لدى تناول الواقعة بسبب خصوصيتها.
وفي وقت لاحق، أعلن نقيب أطباء محافظة الدقهلية، أسامة الشحات، إلقاء القبض على أربعة من المتهمين بالاعتداء على الطبيب السيد عبد الخالق الدركي.
وكان نجل المعتدى عليه الدكتور محمد الدركي الذي يشغل منصب مدرس مساعد في قسم الأمراض الجلدية في كلية الطب بجامعة المنصورة، وصف ما تعرضت له العائلة خلال الواقعة وبعدها بأنها "مهزلة كبيرة"، وقال: "ليس والدي البالغ 62 من العمر شاباً صغيراً، وهو يملك خبرات كبيرة في مجال عمله، ويحرص على التواصل مع الجميع لإنقاذ حياة المرضى، لكنه دفع في نهاية المطاف ثمناً غالياً لعمله الطويل في الطب الذي شغف به وأحبه".
وأعقب ذلك إعلان أطباء الدفعة رقم 53 في طب جامعة المنصورة تضامنهم مع الدركي، وقالوا في بيان إن "68 غرزة كانت جزءاً من عقاب تعرض له أستاذ القلب الخلوق الماهر الدركي، الذي يشهد له القاصي والداني بالكفاءة والإخلاص، بعدما هبّ مسرعاً لإنقاذ حياة مريضة في حالة حرجة للغاية، لكن قدر الله كان فشل محاولاته مع فريق عمله لإنقاذها، وفاضت روحها إلى بارئها، فخرج الطبيب مقدماً تعازيه لأهلها الذين امتدت أيديهم إليه بطعنات توزعت على أنحاء جسده، وكادت أن تودي بحياته لولا حفظ الله ورعايته، والتدخل الجراحي العاجل. أما قيمة الأضرار التي ألحقها الاعتداء بالمركز الطبي الخاص فتجاوزت قيمتها 360 ألف جنيه (19 ألف دولار)".
وتابع الأطباء في بيانهم: "يعلن أطباء الدفعة 53 طب المنصورة تضامنهم مع السيد عبد الخالق الدركي، ويتمنون شفاءه العاجل، ويطالبون كل مسؤول رشيد بالتدخل سريعاً لرد الحق المادي والأدبي للطبيب، وفرض العقاب العادل الناجز الرادع ضد مرتكبي الاعتداء الخطير الذي يهدد السلم الأهلي، وقد يؤدي إلى اتخاذ أطباء مصر قرار عدم التدخل في الحالات الحرجة، تفادياً لتصرفات البلطجة، ومحاولة الحفاظ الشرعية على حياتهم، وحماية أمنهم الشخصي من أي خطر".
ومع كل واقعة اعتداء على الأطباء أثناء تأديتهم مهامهم، تجدد النقابة العامة للأطباء مطالباتها المتواصلة والملحة بوقف نزيف التصرفات غير القانونية التي يتعرضون لها مع مختلف العاملين في الكوادر الطبية في المستشفيات، وتطالب مدراء المنشآت الطبية العاملة بالإبلاغ عن الوقائع، مع مناشدتها الأطباء التواصل معها، ومع نقابات الأطباء الفرعية بالمحافظات، ومطالبتهم بعدم الرضوخ لأي ضغوط تقودهم إلى التنازل عن حقوقهم. وتؤكد النقابة أيضاً تقديم كل وجوه الدعم للزملاء الأطباء من أجل نيل حقوقهم".
ويحصل العديد من وقائع التحريض على الأطباء والاعتداء عليهم من قبل أهالي المرضى في مقار عملهم، فيما لا تزال السلطات التشريعية والتنفيذية بطيئة في إصدار مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي يمثل ضرورة ملحة لتنظيم عمليات تقديم الخدمات الصحية، وضبط آليات التعامل بين مقدميها ومتلقيها في حال حصول ضرر طبي لأسباب مختلفة، وتغليظ عقوبة الاعتداء على الأطقم والمنشآت الطبية.
وتشمل أهم بنود مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي قدمته نقابة الأطباء، إنشاء هيئة لتحديد المسؤولية عن الضرر الطبي، وأن تعمل بشكل مستقل عن الجهات التنفيذية، وتصنيفها أنها جهة استشارية تتبع النائب العام. واقترحت النقابة أن تضم هذه الهيئة ممثلين عن المرضى ومصلحة الطب الشرعي ومجلس القضاء ونقابة الأطباء ووزارة الصحة والمستشفيات الجامعية، وأن تتولى مهمة التنسيق مع اللجان النوعية في التخصصات المختلفة لتحديد وقوع الضرر على المريض نتيجة خطأ من مقدمي الخدمات الطبية، وتحديد جداول التعويض المالي لمتلقي الخدمات، تبعاً للضرر الذي حصل.
ويفترض أن يحدد مشروع القانون نفسه العقوبات الخاصة بالاعتداء على الكوادر الطبية، بدلاً من تلك المنصوص عليها في قانون العقوبات المصري الذي لا يتضمن عقوبات لردع الاعتداء على الأطباء، ويحصر فترة عقوبة الإهانة بالإشارة أو باللفظ أو التهديد، بالسجن مدة لا تزيد عن ستة أشهر أو دفع غرامة لا تتجاوز مائتي جنيه (11 دولاراً). أما عقوبة الاعتداء على الأطباء من دون ضربهم فتتحدد بالسجن مدة لا تزيد عن ستة أشهر، أو دفع غرامة مالية لا تتجاوز مائتي جنيه أيضاً. كما تقتصر عقوبة الاعتداء بالضرب على الأطباء على السجن مدة لا تزيد على سنتين، أو دفع غرامة مالية لا تتجاوز مائتي جنيه. وفي حال حصل ضرب أو جرح باستعمال سلاح أو عصا أو آلات أو أدوات أخرى، أو بلغ الضرب درجة التسبب في جرح جسيم وخطر، ينص القانون على عقوبة السجن لمدة لا تزيد عن خمس سنوات، وإذا تسبب الجاني بعاهة كبيرة للطبيب أو عضو الكادر الطبي تحتم وقف عمله، فيعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات.
وفي حال أفضى الضرب أو الجرح إلى موت الطبيب أو عضو الكادر الطبي، تكون العقوبة السجن مع الأشغال الشاقة المؤقتة.
ويحدد القانون المصري عقوبة احتجاز طبيب واستخدم الجاني القوة أو العنف أو التهديد أو الإرهاب ضده، بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، وتصل إلى الإعدام إذا نجم عن تصرف الجاني موت شخص.
أما عقوبة تخريب تجهيزات في مراكز صحية ومستشفيات، فيعاقب مرتكبها بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات في حال ثبت تعمده تخريب مبانٍ أو أملاك عامة أو مخصصة لمصالح حكومية أو للمرافق العامة أو للمؤسسات العامة أو جمعيات يعتبرها القانون ذات منفعة عامة. وتفرض عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة إذا وقعت الجريمة في زمن فتنة أو بقصد إحداث رعب بين الناس أو إشاعة الفوضى، وتكون العقوبة الإعدام إذا نجم عن الجريمة موت شخص موجود في مكان الواقعة.