عاشت مدينة اللاذقية السورية ساعات من الرعب عقب الهزة الأرضية الجديدة التي ضربت جنوبي تركيا يوم الخميس الماضي، وبلغت قوتها 5.1 درجات على مقياس ريختر، بحسب إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد).
فر سكان المدينة الذين شعروا بالهزة نحو الشوارع والحدائق والسيارات، في ظل عدم وجود أماكن آمنة للذين تهدمت بيوتهم أو تصدعت، وكذلك الحال في كل من حلب وحماه وطرطوس. ونفى محافظ اللاذقية أخبار سقوط مبان نتيجة الهزة الأرضية.
وتقول الناشطة الإعلامية سهيلة الزين لـ "العربي الجديد"، إن "الهزة كانت مرعبة بشكل لا يوصف، وذكّرتنا بالزلزال المدمر. شعر المواطنون بالمباني تهتز، ما دفعهم للنزول بشكل لا إرادي إلى الشوارع والسيارات، ولم يرجعوا إلى بيوتهم لساعات طويلة"، مشيرة إلى "وجود أبنية مهجورة معرّضة للسقوط في المدينة، ما يجعل الخطر قائماً".
انتهت عمليات البحث عن ضحايا تحت الأنقاض، وبدأ عمل اللجان المشكّلة لدراسة وإحصاء الأبنية المهدمة والمتضررة وغير الآمنة للسكن. وكشفت النتائج الأولية أن عدد الأبنية المنهارة في مدينة حلب بلغ 54 بناء مهدماً، كما هدم 35 بناء إذ لم يعد آمناً. ولم تنه اللجان إحصاء عدد الأبنية المتضررة حتى الآن. أما في اللاذقية، فقد أحصت اللجان انهيار 103 أبنية بشكل كلي، و247 بناء آيلة للسقوط، وتضرر حوالي 142 ألف مواطن من الزلزال.
وحتى اللحظة، لم تقم الجهات الرسمية والمنظمات الإغاثية بإجراء إحصاء تقريبي للأهالي الذين ما زالوا يفترشون الشوارع والجوامع وأماكن الإيواء والحدائق العامة وحتى في المقابر. ولم تتخذ حكومة النظام أي خطة عمل طارئة لإيوائهم في منازل أو في مجمعات سكنية مؤقتة، إلى حين انتهاء أعمال البناء أو الهدم.
وكتب رئيس غرفة صناعة حلب، فارس الشهابي، على "فيسبوك"، أن أكثر من مليون ونصف المليون شخص تضرروا من الزلزال في حلب فقط، أي نصف سكان المدينة، بحسب الأمم المتحدة، كما أن هناك 3000 مبنى مهددة بالسقوط. ويسأل: "كيف شُيدت كل هذه الأبنية المخالفة ومن سمح بها وغض الطرف عنها؟ كيف نشيّد أبراجاً سكنية طويلة ونحن لا نملك آليات إطفاء تصل إلى الطوابق العالية؟ كيف سقطت أبنية حديثة وصمدت بجوارها أخرى أقدم منها بعقود؟ متى ستفتح الملفات ويحاسب الفاسدون؟ ليس بجرم السرقة فقط، بل بجرم القتل الجماعي؟".
وفي منشور آخر، كتب الشهابي: "أسبوع كامل بعد الزلزال ونحن نخاطب الحكومة حول مشاريع سكنية قائمة لكنها فارغة منذ سنوات من دون جدوى، مثل مشروع 1600 شقة بحلب، منها 880 شقة جاهزة في سوق الجمعة، بحجة أنها مباعة، مع أننا طرحنا وجوب وضع اليد عليها بعقود إيجار مؤقتة، نظراً للحالة الطارئة وضرورة إيواء الناس من الشوارع".
ويقول الناشط المدني زهير العبد لـ "العربي الجديد": "مرت أيام على الكارثة من دون أن ينبثق عن الحكومة السورية خطة أو برنامج عمل يشير إلى أنها بصدد إعادة إعمار المناطق المنكوبة أو خطة إيواء وإسكان لآلاف العائلات المتضررة، أو أي تصريح إعلامي يوحي لهؤلاء المتضررين بموعد تقريبي لنهاية مأساتهم، فيما شرعت للإعلام الرسمي تصدير المأساة والنكبة واستغلال كل ما أمكن لاستجداء الخارج، والاستعانة بصور ومقاطع فيديو لحالات إنسانية في مناطق شمال غرب البلاد".
يضيف أن "الزلزال المدمر جاء على طبق من فضة لهذا النظام، فقد استغله في اتجاهين: الأول دولي لفك العزلة عنه دبلوماسياً وفك الحصار عن أمواله وشحذ ما أمكن من المساعدات الخارجية. والثاني تثبيت نظام الحكم وإذلال الشعب السوري". ويشير إلى أن "أكثر من عشرة أيام مرت على الكارثة، وما زال معظم أهالي المناطق المنكوبة في العراء يستجدون المساعدات والهبات الإنسانية من المسؤولين واللجان الحكومية المشكلة".
وطالب مجلس الشعب السوري في اجتماعه الذي عقده بحضور وزير الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف، بضرورة محاسبة المتعهدين المتورطين، والتحقق من أسباب انهيار المباني، وخطة الحكومة لما بعد الإغاثة والمساعدات الإنسانية وانتقال المتضررين من مراكز الإيواء إلى السكن البديل.
إلى ذلك، يقول الناشط أمجد حسن لـ "العربي الجديد": "إذا لم نحاسب المتعهدين وقبلهم المسؤولين الذين سمحوا لهم بتشييد المباني التي سقطت أو التي ستهدم، وإذا لم نفتح ملف الرشاوى حتى في مشاريع القطاع العام التي لم تسقط سواء، وإذا لم نحاسب اليوم كل هذا العدد من الضحايا والمشردين، فلا داعي لمحاسبة أي أحد على أي جريمة... لا قتل ولا اغتصاب ولا سرقة. ولا داعي للقانون والمحاكم".