تعيش الجامعات ومؤسسات التعليم المغربية على صفيح ساخن مع توالي فضائح تعرض طالبات لتحرش جنسي من أساتذتهن، وتزايد الدعوات إلى كسر "جدار الصمت" وإعادة النظر في القوانين.
على امتداد الأسابيع الماضية، عاد التحرش الجنسي ليخيّم على الحرم الجامعي في المغرب من خلال فضائح، أبرزها ما عرف إعلامياً بقضية "الجنس مقابل النقط (العلامات)"، والتي كشفت في سبتمبر/ أيلول الماضي إثر نشر رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي تضمّنت عبارات جنسية تبادلها أستاذ جامعي في كلية الحقوق بمدينة سطات (وسط) مع طالبات.
وفي 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أطاحت اتهامات بـ "الابتزاز الجنسي" مسؤولين جامعيين، إثر تسريب مراسلات أجريت بين طالبة وأستاذ في المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بمدينة وجدة (شرق)، وأظهرت ممارسة الأستاذ ضغوطاً على الطالبة للحصول على خدمات جنسية مقابل سجل جيد للنقاط.
كذلك شهدت مدرسة الملك فهد العليا للترجمة في طنجة (شمال) فضيحة أطلقها كشف طالبة تحرش أستاذ بها جنسياً علناً أمام زملائها، ما دفع 12 طالباً وطالبة إلى تقديم شكوى ضده إلى النيابة العامة.
وفي المدرسة العليا للتكنولوجيا التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وجد مسؤول في الكادر التعليمي نفسه في قفص الاتهام بسبب شكاوى من ارتكابه ممارسات تحرش جنسي ومحاولة اغتصاب وابتزاز.
تستر أكبر من المكشوف
وفيما فتحت وزارة التعليم العالي تحقيقات لكشف المتورطين في هذه الفضائح وإحالتهم على القضاء، تعلّق رئيسة "ائتلاف 490، حركة خارجة على القانون" نرجس بنعزو، على الفضائح بالقول لـ "العربي الجديد": "تحوّل التحرش الجنسي إلى ظاهرة بعد رصد حالات كثيرة في جامعات ومدارس. والأكيد أن طالبات أخفين حالات أخرى خوفاً من العواقب الدراسية والأسرية والاجتماعية".
ويؤيد رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان عبد الإله الخضري، في حديثه لـ"العربي الجديد "، أن "التحرش الجنسي تفاقم في المؤسسات الجامعية بالمغرب خلال العقدين الأخيرين، رغم أنه ظاهرة عالمية لا تقتصر على بلدنا".
وفيما أغضبت سلسلة فضائح التحرش الجنسي في المؤسسات الجامعية المنظمات الحقوقية والنسوية، سارع ناشطوها إلى إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي لجمع شهادات من نساء ضحايا، وحثهن على كسر الصمت. وهم طالبوا بـ"حماية الطالبات اللواتي يتقدّمن بشكاوى، وضمان حقهن في متابعة الدراسة".
ونددت هذه المنظمات بـ "جرائم التحرش الجنسي التي تمس كرامة النساء وتنتهك أمنهن وسلامتهن"، مؤكدة "ضرورة فرض عقوبات رادعة على مرتكبي التحرش الجنسي، والقضاء على الصعوبات والعراقيل التي قد يواجهها الضحايا من أجل الولوج إلى العدالة".
ووصف اتحاد العمل النسائي غير الحكومي حوادث التحرش الجنسي بأنها "جرائم خطرة تهدّد فضاءات التربية والتعليم، وتبعدها عن أدوارها الأساسية في نشر الثقافة والمساواة وعدم التمييز، ومناهضة كل أشكال العنف". وطالب بضمان حق الضحايا في الإنصاف وإصلاح الضرر وتعويضه، وعدم إفلات الجناة من العقاب.
بين العقوبات والردع
تقول بنعزو إن "حديث طالبات في عدد من الجامعات عمّا تعرضن له من تحرش جنسي سيشجع أولئك اللواتي اخترن الصمت على الخروج إلى العلن. ونتمنّى ربط ذلك بمتابعة القضاء كي يعاقب الجناة الذين يستغلون سلطتهم المعنوية لإشباع شهواتهم".
وتطالب بنعزو بأن تشكل الجامعات لجاناً لاستقبال شكاوى ضحايا التحرش "بلا خوف على تعريض سلامتهن النفسية والبدنية لأي خطر"، في حين يرى الخضري أن الحد من ظاهرة التحرش يتطلب اعتماد خطوات استباقية لردع كل شخص يثبت تورطه في استغلال سلطته، أو في ممارسة الإغراء، واتخاذ رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، تدابير احترازية تجاه أية معلومات مشبوهة يجرى ترويجها داخل المؤسسات التربوية التي يشرفون عليها.
وينص قانون مكافحة العنف ضد النساء وتوسيع دائرة تجريم التحرش الجنسي في المغرب على فرض عقوبة سجن تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر، أو دفع غرامة بين 200 درهم (20 دولاراً) و10 آلاف درهم (ألف دولار)، أو كلاهما معاً ضد كل من يمعن في مضايقة الغير في أماكن عامة أو خاصة بأقوال وإشارات وأفعال ذات إيحاءات جنسية تهدف إلى تحقيق أغراض جنسية، أو عبر توجيه رسائل مكتوبة وإلكترونية، أو عبر اتصالات هاتفية وتسجيلات وصور ذات طبيعة جنسية.
وقد تبلغ عقوبة السجن بين 3 و5 سنوات، مع دفع غرامة تتراوح من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم (من 500 إلى 5000 دولار)، إذا ارتكب التحرش أحد الأصول أو المحارم، أو إذا امتلك المتحرش ولاية أو سلطة على الضحية، أو إذا كان مكلفاً برعايتها، أو كفيلاً لها، أو إذا كانت الضحية قاصراً.
ثغرات قانونية
لكن ناشطات حقوقيات في المغرب، بينهن المحامية فتيحة اشتاتو، يسجّلن وجود ثغرات عدة في قانون محاربة العنف ضد النساء، وذلك بعد 3 سنوات من بدء تطبيقه. وتوضح لـ"العربي الجديد" أن "القانون لا يوفر الحماية، ولا يتدخل إلا بعد حصول الضرر، ويلزم الضحايا إثبات ما تعرضن له، ما يضع بعضهن أمام صعوبات كبيرة بسبب حساسيات حالات التحرش الجنسي".
من جهتها، تقول الناشطة الحقوقية والعضو المؤسس للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب خديجة الرباح لـ"العربي الجديد": "حان وقت إصلاح ثغرات منظومة القانون الجنائي، فقانون مناهضة العنف ضد النساء غير مكتمل، ولا يأخذ في الاعتبار مجموعة من الإجراءات الخاصة بطبيعة الحماية، ما ساهم في تفشي التحرش في الجامعات المغربية".
وتدعو إلى اعتبار التحرش الجنسي جريمة كاملة، وتشدد على أن الدولة يجب أن تعي أن العنف جريمة يجب معاقبة مرتكبيها، والتصدي لكل من يحاول إسكات صوت النساء، وأيضاً معاقبة كل من يقنع الضحية بالصمت باسم حشومة (جلب العار على النفس في المواقف التي تعتبر خاطئة اجتماعياً وغير مبررة ثقافياً)، الذي يهدر حق نساء كُثر".
"إساءة إلى الدولة"
يصرّ أستاذ في جامعة محمد الخامس بالرباط، رفض الكشف عن اسمه، على أن التحرش الجنسي داخل الجامعات ظاهرة تشمل عدداً محدوداً من الأساتذة. ويقول لـ"العربي الجديد": "الأساتذة الجامعيون مثال للعطاء والاحترام، لكن أذى عدد قليل منهم يمتد إلى طالبات"، معتبراً أن ابتزازهن واستغلالهن جنسياً جريمة يجب التعامل معها بحزم لأنها تسيء إلى الدولة.