طالبو اللجوء في بريطانيا: تمييز وأمراض معدية وحالات اغتصاب

05 نوفمبر 2022
أوضاع طالبي اللجوء بمركز مانستون تخالف القانون البريطاني (دان كيتوود/ Getty)
+ الخط -

كيس بلاستيكي أزرق يضم بعض الأمتعة وسوار ورقي يحيط المعصم، هي ممتلكات غالبية طالبي اللجوء في بريطانيا، وهي أيضاً مواصفات تمكّن المارّة من تمييز هؤلاء الذين وصلوا بعد رحلة مأساوية خطرة.

لم تكن الحادثة التي عاشها أخيراً 11 طالب لجوء، من بينهم عراقي وسوري، هي الأولى من نوعها، إذ يؤكّد متطوّعون في جمعيات خيرية أن وزارة الداخلية البريطانية تتخلى عن طالبي اللجوء، وترميهم في الشوارع بشكل متكرر.
تنفي الوزارة كعادتها ذلك، وتصرّ على أن "رفاهية من هم في رعايتنا ذات أهمية قصوى، وإطلاق سراح طالبي اللجوء من مركز مانستون في كينت لم يتمّ إلا بعد أن أكّدوا إمكانية إقامتهم في بيوت أصدقاء أو أقرباء"، ويقول متحدث باسم الوزارة، لـ"العربي الجديد"، إن موظّفي الهجرة "سارعوا إلى محطة فيكتوريا، حيث تمّ إطلاق سراح 11 شخصاً، فور معرفتهم بأن هؤلاء لا يمتلكون مكاناً يقيمون به".
تبقى مفردة "الرفاهية" عبثية، ولا تعبّر سوى عن مزيد من الإهمال والانفصال عن الواقع، إذ تصلح مفردات أخرى لوصف حال طالبي اللجوء في بريطانيا، وتتكرر مفردات عدة تناقضها على ألسنة مهاجرين وصلوا إلى المملكة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
لم تبدأ المأساة الأخيرة مع التسريب الذي حصلت عليه صحيفة "ذا غارديان" في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي يؤكّد انتشار مرض الدفتيريا في "مركز مانستون" في كينت، ولا بعد أسبوع من ذلك التاريخ، مع تسريب خبر الاكتظاظ الكبير في المركز المصمّم لاستيعاب 1600 شخص لفترة زمنية لا تتعدّى 24 ساعة، والذي يضم أكثر من 4000 شخص مضى على وجود معظمهم أكثر من شهر كامل.
ولا يمكن ربط مأساة طالبي اللجوء بتعيين سويلا برافرمان وزيرة للداخلية في حكومتين متعاقبتين، علماً أنها استقالت من حكومة ليز تراس لارتكابها خرقاً أمنياً، ثم أعادها رئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك.
تقول المعلّمة المتطوّعة لمساعدة اللاجئين في منطقة كينت، سالي آوغ، لـ"العربي الجديد"، إن "مركز مانستون ليس سوى مثال واحد ضمن أمثلة أخرى تدلّ على الفوضى التي تعمّ نظام الهجرة في بريطانيا"، وأنه خلال عملها مع المهاجرين وطالبي اللجوء في مراكز أخرى بالمنطقة، لاحظت هذا الاكتظاظ غير القانوني، والمدة الزمنية الطويلة التي تستغرق أحياناً أكثر من سنة، في حين قانونياً يجب ألا تتعدّى ستة أشهر.

انتشار الدفتيريا في "مركز مانستون" يتزامن مع اكتظاظ اللاجئين

تضيف سالي آوغ: "مركز مانستون كان مطاراً في السابق، لكنهم قاموا بنصب الخيام فيه، ونقلوا طالبي اللجوء إليه، والفوضى التي يعاني منها قطاع الهجرة تعود لأسباب كثيرة، منها سياسات الحكومة العنصرية، وتراكم طلبات اللجوء التي لم تعالج الوزارة سوى 4 في المئة منها فقط خلال العام الماضي. لكن السبب الرئيسي هو محاولة صرف الانتباه عن الإخفاقات السياسية والاقتصادية، والتي تُرمى على كاهل الضعفاء من اللاجئين، ومن بينها تردّي الخدمات، والفشل في إدارة الأزمات".
كان اللقاء مع السيدة متقطّعاً بسبب أصوات الطائرات العسكرية التي تحلق فوق منطقتها، وقالت إنها المرة الأولى التي تسمع أصواتاً كهذه في المنطقة. لكن علمنا لاحقاً أنها أصوات طائرة عسكرية نقلت وزيرة الداخلية من لندن إلى دوفر، ثم إلى مركز مانستون في زيارة غير معلنة، انتهت ببيان تقول فيه الوزيرة إنها "فخورة بالمهارة والتفاني في تعاطي الموظّفين مع هذا الوضع الصعب"، ما دفع وسائل الإعلام المحلية إلى توجيه انتقادات إضافية لها لاستخدامها طائرة عسكرية للوصول إلى مكان يبعد عن لندن ساعة وربع الساعة بالقطار.
واستجابت وزارة الداخلية أخيراً للنداءات والانتقادات، ونفّذت عمليتي نقل لمئات المهاجرين من المركز المكتظّ إلى أماكن احتجاز أخرى، لكن المركز لا يزال مكتظّاً، ووصل عدد اللاجئين فيه مساء الأربعاء الماضي إلى 3500 طالب لجوء، أي أكثر من ضعف القدرة الاستيعابية له.

تم نقل مئات اللاجئين من مركز مانستون لكنه لازال مكتظأً (ستيوارت بروك/الأناضول)

وشهد المركز، قبل أسبوع واحد، وصول مجموعة كبيرة من اللاجئين الذين نقلتهم السلطات من مركز آخر في منطقة دوفر الحدودية، حيث نفّذ بريطاني جريمة لا تزال الشرطة تتردّد في وصفها بـ"الإرهاب"، إذ قام الرجل (66 سنة)، الذي قتل نفسه بعد الجريمة، برمي ثلاث قنابل حارقة على الجدار الخارجي لمركز احتجاز المهاجرين.
بعد الاطلاع على توجّهاته، أعلنت الشرطة أن الكراهية هي الدافع وراء الهجوم، إذ امتلأت حساباته على التواصل الاجتماعي بمشاعر الكراهية تجاه المهاجرين "الذين يصلون إلى شواطئنا وهم لا يجيدون التحدث بالإنكليزية".
لم يتسنَّ لمرتكب الهجوم الاطلاع على الرسالة التي كتبتها صبية صغيرة "لا تجيد الإنكليزية"، ورمتها من خلف سياج مركز الاحتجاز في مانستون، وقالت فيها بلغة ركيكة إن "أكثر من 50 أسرة محتجزة في المركز منذ أكثر من شهر"، وإن المكان الذي مُنع  الصحافيون من دخوله "يشبه السجن، وثمة نساء حوامل يعانين من أوضاع بائسة وسط تفشّي الأمراض المعدية".
وفي رسالة مشتركة وجّهت للوزيرة برافرمان، عبّر رؤساء لجنة الشؤون الداخلية ولجنة العدل واللجنة المشتركة لحقوق الإنسان ولجنة المرأة والمساواة في البرلمان عن "مخاوفهم العميقة" بشأن الظروف "الرهيبة" التي يشهدها مركز مانستون، متسائلين عما سيُقام به من أجل معالجة الوضع الحالي، وتجنّب الازدحام في المستقبل.
كما كتب رؤساء مجالس كينت إلى برافرمان يحثّونها على التوقف عن استخدام المقاطعة كحلّ سهل، محذّرين من تعرّضهم لضغوط بسبب الموقع الجغرافي لمقاطعتهم المحاذية لشواطئ وصول قوارب المهاجرين، كما اشتكوا من الاكتظاظ الذي يحرم الأطفال المحليين من العثور على أماكن شاغرة في المدارس بسبب "الوصول غير المدروس للاجئين الشباب".
تواجه وزيرة الداخلية، وهي من أصول مهاجرة، إجراءات قانونية بشأن الاكتظاظ غير القانوني، وتراكم طلبات اللجوء، وتفشّي الأمراض، ورفض الاستشارة القانونية التي قدّمت لها قبل شهر، والتي تحثّها على نقل اللاجئين إلى مراكز بديلة، يضاف إلى كل ذلك مسؤولية التخلّي عن بعض طالبي اللجوء، ورميهم في الشارع بلا مال أو طعام.
ولم تكشف الوزارة عن الجهة التي تقدّمت بالمراجعة القضائية لأنها "حساسة من الناحية القانونية"، واكتفت بالقول إنها ستردّ "في الوقت المناسب".

مراكز استقبال اللاجئين البريطانية بلا خدمات (دان كيتوود/Getty)

بالتزامن مع الزيارة غير المعلنة التي قامت بها برافرمان إلى المنطقة، سرّبت وسائل الإعلام المحلية خبراً صادماً حول تعرّض مراهقين لاعتداء جنسي في أحد مراكز إيواء اللاجئين التابعة للوزارة في شرق لندن. ما عزّز الاتّهامات بشأن الظروف غير الصحية التي يعيشها طالبو اللجوء، والمخاطر التي يتعرّضون لها.
وقالت الشرطة في بيان إنها تحقّق في الاعتداءين المنفصلين، وإنها ألقت القبض على رجل ثلاثيني وجّهت إليه اتّهاماً بملامسة طفل لم يتجاوز عمره 13 سنة، وإن محاكمته ستبدأ الأسبوع المقبل.
ويقول الخبر إن الفندق، الذي شهد الاعتداءين خلال فترة زمنية متقاربة، يضمّ 150 طفلاً من طالبي اللجوء، إلى جانب 250 بالغاً. 
وأوردت صحيفة "ذا غارديان" مؤخراً تفاصيل أحاديث دارت بين أطفال أكراد وإثيوبيين من طالبي اللجوء، وبين موظّفي الهجرة في منطقة دوفر، تظهر طلب الموظفين من الأطفال الكذب بشأن أعمارهم، وادعاء أنهم بالغون بحجّة أن هذا يسهّل خروجهم من مركز مانستون "سيئ السمعة".
وتقول المتطوعة سالي آوغ لـ"العربي الجديد" إن هذا يحرم الأطفال من الرعاية الضرورية، ويتيح المجال لتعرّضهم لمخاطر من ضمنها الاعتداء الجنسي كما حدث في الفندق.
من جانبها، رفضت وزارة الداخلية الكشف عن اسم الفندق أو موقعه، لكن "العربي الجديد" علمت من مصادر خاصة أنه فندق رديء لا تحتوي غرفه على المستلزمات الأساسية، كما أن كثيراً من غرفه لا تحتوي على أية وسيلة تهوية، ولا وجود لمساحات مشتركة يمكن للاجئين أن يجتمعوا فيها للتواصل بعضهم مع بعض.

وفي اتّصال مع "العربي الجديد"، قال متحدث باسم الداخلية إن "الوقت غير مناسب للتعليق على هذا الاعتداء نظراً لأن تحقيقات الشرطة ما زالت جارية"، مضيفاً أن "وصول القوارب الصغيرة بشكل متزايد يشكّل ضغطاً كبيراً على نظام اللجوء، ما يكلّف دافعي الضرائب في المملكة أكثر من ملياري جنيه إسترليني سنوياً".
وترد سالي آوغ بأن "هذه الادّعاءات لا صحة لها، كما أن سياسات المملكة أثّرت على الأوضاع في الشرق الأوسط خلال القرن الماضي، ما أدّى إلى هجرة كثيرين، كما أن كثيرين من طالبي اللجوء يمتلكون مهارات استثنائية تُمكن الاستفادة منها، لكن الحكومة لا تفعل. ومنهم الشاب الأفغاني الذي التقت به في أحد مراكز الاحتجاز، والذي كان طبيب وجراح قلب في بلده، وهو اليوم يجلس في مركز الاحتجاز عاطلاً عن العمل في انتظار أن تعالج وزارة الداخلية طلب لجوئه، بينما تعاني البلاد من أزمة غير مسبوقة في القطاع الصحي، ومن نقص هائل في عدد الأطباء والجرّاحين".

المساهمون