وسط مخيم للنازحين في مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، تعلو أصوات عشرات الفلسطينيين بكلمات أغان شعبية يرددونها على أنغام طبول وموسيقى تمتزج مع ضجيج الحياة بالسوق القريب من المخيم الذي نزح سكانه من مناطق متفرقة من القطاع، جراء الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
هؤلاء الفلسطينيون كانوا يحتفلون بزفاف العروسين محمود وشيماء خزيق اللذين قررا إتمام زواجهما، وبث روح الفرح في أوساط جيرانهم وأقاربهم النازحين، رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها، بسبب تواصل الحرب المدمرة على غزة.
ويقطن العروسان مع أسرتيهما في مخيم "ملعب الشهيد محمد الدرة" في مدينة دير البلح منذ أكثر من شهرين، بعد أن نزحوا من مدينة غزة.
وبين عشرات الخيام البسيطة المصنوعة من القماش وقطع النايلون الأبيض، كان يتجول العريس محمود برفقة أقاربه وأصدقائه وجيرانه في موكب يؤدي فيه الشبان رقصات شعبية خاصة بالأفراح، ويرددون كلمات أغان وقصائد اعتادوا على إنشادها في مثل هذه المناسبات التي لم تنجح الحرب في القضاء عليها.
غزة لا تتوقف عن الحياة
وبدت معالم الفرحة على وجه العريس محمود فها هو يحتفل بزفافه بعد تأجيله لأكثر من 4 أشهر، حيث كان مقرراً منتصف أكتوبر الماضي، لكن اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة منعه من إتمامه حينها.
ويقول محمود: "هذا حفل زفافي لكن الفرحة منقوصة فقد كنت أتمنى أن تكون الأوضاع هادئة، وأن نقيم الفرح في قاعة مناسبات كبيرة"، مضيفاً: "خرجنا من منزلنا بمدينة غزة تحت القصف ونيران الجيش الإسرائيلي ونزحنا لمدينة دير البلح ولذلك تم تأجيل الزفاف".
"لا يمكن أن يبقى زفافنا معلقاً أكثر من ذلك، لهذا قررنا إقامة حفل بسيط ندخل الفرح فيه إلى قلوبنا المنهكة وقلوب جيراننا وأصدقائنا النازحين هنا"، يكمل محمود.
ويعتزم العريس الفلسطيني الذهاب في رحلة عمرة مع زوجته بعد انتهاء الحرب لتعويضها عن إقامة حفل زفاف كبير مثلما كان مقرراً لولا اندلاع الحرب وظروف النزوح التي يعيشها الفلسطينيون في غزة.
وبلهجة مليئة بالتحدي يقول العريس محمود: "إن شاء الله سنبني بيتنا، وسنفرح رغم الحرب. سأتزوج وأنجب أطفالاً رغم الدمار والقصف".
وبينما كان موكب العريس محمود يتجول في المخيم لتلقي التهاني من سكانه النازحين، كان عدد من الشبان يعدون طعام الغداء أو كما تسمى في غزة "وليمة الفرح"، ولكنها هذه المرة لن تضم أي نوع من اللحم، كما اعتاد أهالي غزة، وستقتصر على الأرز.
ويقول محمد خزيق أحد الشبان المشرفين على إعداد الطعام: "هذا غداء العرس لا يتوفر هنا أي نوع من اللحوم، لذلك اكتفينا بالأرز الذي حصلنا عليه بصعوبة أيضاً"، مضيفاً "كل ذلك لا يهم. ما يهمنا هو الاحتفال رغم الحرب ورغم القصف وفرحنا هو هزيمة للاحتلال".
وفي خيمة العروس، كانت والدتها وشقيقاتها وصديقاتها يساعدنها في ارتداء فستان الفرح الأبيض، بينما كانت مجموعة من النساء يطلقن الزغاريد ويرددن كلمات أغان شعبية بسيطة تعبيراً عن فرحهن بهذه المناسبة.
وتقول العروس شيماء: "فرحتنا غير مكتملة، كنا نتمنى أن يتم عرسنا في ظروف طبيعية"، مضيفة: "الحرب دمّرت منزلنا وتجهيزات الفرح وملابسنا وكل شيء، ولكن هذا لم يمنعنا من استئناف فرحتنا وإتمام حفل الزفاف".
وقبل أن تطلق زغرودة بصوت هادئ، تقول والدة العروس الفلسطينية أم محمد خزيق: "ابنتي كانت مخطوبة لابن أخي منذ 8 أشهر، وكنا قد قررنا أن يتزوجا منتصف أكتوبر الماضي، ولكن جاءت الحرب وهُجرنا من منزلنا وتدمر أثاث وملابس العروس".
وتضيف المرأة الفلسطينية: "صبرنا وقلنا عندما تنتهي الحرب سنقيم الفرح ولكن الأمر طال، لذلك قررنا الاحتفال بالزفاف"، معلقة: "رغم كل شيء ورغم أنفهم (إسرائيل) بدنا (نريد أن) نفرح بكل شباب فلسطين، وبدنا نخلف وتزيد أعدادنا".
ومنذ 7 أكتوبر 2023، تشنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي حرباً مدمرة على قطاع غزة، خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، فضلاً عن كارثة إنسانية غير مسبوقة، ودمار هائل بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية".
(الأناضول، العربي الجديد)