نجح الطفلان الفلسطينيان الشقيقان علي (14 عاماً) وأحمد زماعرة (10 أعوام) القاطنين في مدينة رام الله في الضفة الغربية، في توثيق تاريخ 82 قرية فلسطينية مهجرة حتى منتصف يوليو/ تموز الجاري، بعدما أطلقا مبادرة "هذه فلسطين" الهادفة إلى توثيق القرى والبلدات والمدن الفلسطينية المهجرة عام 1948.
هذه المبادرة ليست الأولى من نوعها، إذ عمدت جهات كثيرة إلى توثيق قصص وأحداث عن القرى المهجرة وتعزيز الذاكرة الفلسطينية ونقلها للأجيال المقبلة. مع ذلك، حظي الطفلان باهتمام كبير ليس بسبب صغر سنهما فحسب، بل أيضاً تقديراً للأسلوب السردي الذي اعتمداه والصور ومقاطع الفيديو التي التقطاها.
بدأت المبادرة حين كان علي في 12 من العمر. وكان أحمد يرافقه في جولاته والرحلات المدرسية، علماً أن عمره لم يتجاوزالـ 8 سنوات حينها. وخلال بحثهما عن المدن الفلسطينية المحتلة، توقفا عند قرية لفتا المهجرة في مدينة القدس، وأرادا زيارتها وتصويرها، وهذا ما حدث إلا أنهما شعرا بالحزن لمحاولة الاحتلال طمس معالمها من أجل تهويدها، الأمر الذي دفعهما لإطلاق مبادرتهما.
تعود أصول عائلة الشقيقين إلى مدينة حلحول، جنوبي الضفة الغربية، لكنهما يقيمان في مدينة رام الله، ويحرص والداهما على مساندتهِما للوصول إلى القرى داخل أراضي الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948. كما يحفزانهما على الاستمرارية ومواجهة الضغوط النفسية. ويقول علي لـ "العربي الجديد": "يتطلب إنتاج فيديو واحد ساعات طويلة، عدا عن الوقت الذي تستغرقه زيارة القرى الفلسطينية المهجرة، إذ إن الوصول إلى بعضها ليس سهلاً. وأكثر ما يصدمنا هو تغيير معالم فلسطين التاريخية، وخصوصاً بعض المقامات الدينية، إلا أن هذا لا يمنعنا من العمل على توثيق ما هو موجود من خلال الصور ومقاطع الفيديو، ويعتمدان على أدوات بسيطة وهي الهاتف الخلوي ومايكروفون سلكي والأوزمو الذي يسهل حمل الهاتف وتثبيته خلال التصوير".
ويتابع أحمد: "خلال زيارتنا أية قرية أو بلدة، ونجد الصبار والأشجار المتنوعة، ندرك أننا سنرى بعض التفاصيل القديمة التي تشير إلى هويتها، وهو ما يجذبنا لنرى ما حدث فيها. ونشعر بالسعادة عندما نجد بعض هذه الملامح، لكننا نشعر بالانزعاج لأن الكثير من الملامح تتعرض للطمس من الاحتلال".
اعتاد الشقيقان الاستماع إلى حكايا الأجداد عن القرى الفلسطينية في مجالس الكبار، وكذلك فعل والداهما. فبدأ علي تطوير مهاراته في أدوات التوثيق وتعلم التصوير الفوتوغرافي والفيديو من خلال موقع يوتيوب. كان الشقيقان يواجهان صعوبة في الوصول إلى بعض القرى في ظل تغيير الاسم العربي واعتماد أخرى عبرية، بالإضافة إلى عدم وجود ملامح للقرى أو بناء منشآت كبيرة، الأمر الذي كان يدفعهما إلى البحث عن أية ملامح قديمة أو سؤال أحد كبار السنّ أو المتواجدين على مقربة من المناطق التي يريدون زيارتها. وكانت آخر زيارة لهما إلى قرية قلنديا في القدس المحتلة، ومخفر رجم الناقة وهو من المناطق التاريخية شرق قرية الرشايدة شرق مدينة بيت لحم.
ويضيف علي: "نجد صعوبة في التوفيق بين الدراسة والاستمرار في المبادرة، إلا أننا نجحنا في ذلك. استطعنا الوصول لأكثر من 82 قصة وفيديو، وتوثيق ما يحفظ ذاكرتنا الفلسطينية، وهكذا نجحنا في التأكيد على أن صغار فلسطين قادرون على توثيق الذاكرة".
كما وثقا قرى ومدناً في شمال فلسطين على غرار قرية الجاعونة الواقعة في شمال البلاد على مقربة من مدينة صفد المحتلة والتي ما زالت تضم بيوتاً تعكس عراقة البناء إذ تعود إلى ما قبل النكبة الفلسطينية. وهناك قرية حطين المُهجرة (تقع على بعد ثمانية كيلومترات شمال غرب بحيرة طبريّا في شمال فلسطين)، والتي بنيت حولها خزانات مياه ضخمة ليغير الاحتلال الإسرائيلي كامل معالمها.
بالإضافة إلى ما سبق، التقط الشقيقان صوراً ومقاطع فيديو من قرى وبلدات على الساحل الفلسطيني إلى جانب مدن يافا وعكا واللد والرملة، ويتطلعان لتوسيع خطة التوثيق وزيارة باقي المدن والقرى المهجرة والمحتلة منذ النكبة والنكسة (1967) وعددها 535. ويشير علي إلى أن المبادرة قد تستمر سنوات، إذ يطمحان إلى خلق وثائق بصرية تساعد زملاءهم في المدرسة والأطفال بشكل عام على معرفة قرى بلادهم وما فعله الاحتلال بها.
يشعر أحمد بالسعادة خلال متابعته التفاعل العربي مع صفحتها على موفع "فيسبوك"، وخصوصاً التعليقات والرسائل التي تصلهما من دولة الجزائر. وهذا يدفعه إلى الاستمرار في زيارة القرى والمدن الفلسطينية وتطوير أسلوب السرد القصصي من خلال مقاطع فيديو قصيرة.