تتزايد شكاوى الطلاب العراقيين في لبنان إزاء طريقة التعاطي "المذلة" معهم، بحسب وصفهم، عند مراجعتهم وزارة التربية والتعليم العالي في بيروت، لعلّ آخرها الاعتداء الذي تعرّضوا له من قبل قوات أمن لبنانية والذي وثّقته تسجيلات فيديو تداولها كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي اليوم الخميس.
ويشكو الطلاب العراقيون الذين يتابعون دراستهم في جامعات لبنانية من الإضرابات الطويلة في قطاع التعليم، بفعل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد والتي تعرقل شؤونهم ومعاملاتهم الإدارية، لا سيّما تلك المرتبطة بمعادلة الشهادات وتصديقها، الأمر الذي يدفعهم إلى التوجّه إلى مقرّ وزارة التربية والتعليم العالي في العاصمة بيروت بمجرّد فتح أبوابها، لإنجاز معاملاتهم. لكنّهم يجدون أنفسهم أمام غياب في التنظيم ويواجهون المعاملة السيئة.
تقول طالبة عراقية، هي إحدى ممثلات طلاب الدراسات العليا العراقيين في لبنان، لـ"العربي الجديد"، إن "المشهد اليوم ليس الأوّل من نوعه. نحن نواجه في كلّ مرة طريقة تعاط مهينة ومذلة عند مراجعة وزارة التربية التي تبقى أبوابها مغلقة في أغلب الأحيان، بفعل الإضرابات في البلاد". وتضيف أنّ "الأمر حتّم علينا مناشدة المسؤولين العراقيين التدخّل وتذليل العقبات التي تؤثّر سلباً على حياتنا التعليمية والمهنية، سواء في القطاع العام أو الخاص".
وتتابع الطالبة التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها: "أنا شخصياً وكثيرون غيري اضطررنا إلى العودة إلى العراق بسبب أشغالنا. وبعدما انتظرنا لمدّة أشهر حتى تفتح الوزارة أبوابها لإتمام مراجعاتنا، لا سيّما معادلة شهاداتنا الثانوية والجامعية، الأمر الذي لم يحصل، حُتّم علينا القدوم من جديد إلى بيروت لإنجاز المعاملات التي تؤثّر سلباً على مصير عملنا ومساره في العراق".
وتؤكّد الطالبة العراقية نفسها أنّ "الطلاب أتمّوا كلّ التزاماتهم وأدّوا كلّ واجباتهم، خصوصاً على صعيد دفع الأقساط وهي كلّها بالدولار الأميركي، غير أنّهم في المقابل سُلبوا أبسط حقوقهم في معادلة شهاداتهم من قبل وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية، لأسباب لا ذنب لهم فيها، على الرغم من أنّهم يشعرون حتماً مع الشعب اللبناني الذي يعاني من ظروف صعبة". وتبيّن أنّ "لتأجيل فتح الفصول الخاصة بالرسالة والمناقشات للطلاب العراقيين تداعيات كبيرة عليهم، لا سيّما مهنياً في القطاع العام مع الجهات الحكومية العراقية. من هنا تأتي صرختهم لتذليل العوائق، في ظلّ الضغوطات النفسية الكبيرة التي يتعرّضون لها".
وتوضح ممثلة الطلاب العراقيين: "قصدت لبنان في أكثر من مرّة وتكبّدت مصاريف مرتفعة جداً من سكن وتنقلات، من دون أن تستقبلني وزارة التربية بسبب بالإضراب. وللأسف عندما فتحت أبوابها، كان من الطبيعي أن يحصل هذا التوافد الكبير. لكنّ طريقة التعاطي كانت مذلة، حتى أنّ أسلوب الموظفات والموظفين في التخاطب ليس مقبولاً مع الطلاب العراقيين، علماً أنّ أعدادهم بالآلاف". وتكمل أنّ صرخة الطلاب العراقيين وصلت إلى عدد كبير من نواب العراق، وسوف يصار إلى متابعة ملفّهم مع الجانب اللبناني.
من جهته، يقول طالب دراسات عليا عراقي في إحدى الجامعات شمالي لبنان، لـ"العربي الجديد"، إنّه بقي عاماً وشهرَين في لبنان ولم يتمكّن من إنجاز معاملاته في وزارة التربية، و"كلّ مرّة بذرائع واجتهادات إدارية مختلفة". يضيف الطالب الذي فضّل كذلك عدم الكشف عن هويته: "لم أقصّر يوماً في واجباتي، وسدّدت أقساطي التي صارت بالدولار الأميركي بعدما كانت بالليرة اللبنانية. لكنّ ثمّة عوائق كثيرة تواجهنا، لا سيّما معادلة شهادتي الثانوية". ويتابع: "للأسف أنا أتابع دراستي في حقوق الإنسان، لكن تتوجّب عليّ المدافعة عن حقوق الإنسان وحقوقي ضائعة".
تواصل رسمي عراقي-لبناني
في سياق متصل، ذكرت وسائل إعلام عراقية أنّ وزير التعليم العالي والبحث العلمي في العراق نعيم العبودي وجّه، اليوم الخميس، بتشكيل لجنة وزارية عليا للتوجّه إلى لبنان بهدف متابعة شؤون الطلاب العراقيين والوقوف على إجراءات التعامل معهم في المؤسسات اللبنانية المختصّة.
وفي هذا الإطار، يفيد مصدر في وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان، "العربي الجديد"، بأنّ "التنسيق دائم مع الملحقية العراقية الثقافية في بيروت، وأحياناً تحصل فوضى ومشكلات نتيجة الأعداد الكبيرة التي تتوافد إلى الوزارة من الطلاب العراقيين، في مقابل قلّة الموظفين فيها، لكن سرعان ما يُصار إلى ضبط الوضع وتنظيمه".
ويلفت المصدر نفسه إلى أنّ "اجتماعات كثيرة تحصل بين الجانبَين اللبناني والعراقي في محاولة لتسهيل أمور الطلاب العراقيين وإنجاز معاملاتهم، بيد أنّ الأوضاع في لبنان تؤثّر على الطلاب العراقيين كما حال اللبنانيين". ويوضح المصدر أنّ "ثمّة اجتماعات دورية تُعقَد ما بين السفارة العراقية والملحقية الثقافية في بيروت من جهة ووزارة التربية من جهة أخرى لتذليل العقبات التي تواجه الطلاب العراقيين في لبنان، وسبق أن اتُّفق على وضع آليات جديدة لتسهيل شؤونهم مع مراعاة القوانين العراقية وتلك اللبنانية في ما يخصّ مصادقات الشهادات ومعادلاتها".
وزارة التربية توضح
وفي وقت لاحق من اليوم الخميس، شدّد وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال في لبنان عباس الحلبي على حرصه وحرص العاملين في الوزارة على صون كرامة كلّ صاحب معاملة أو مراجعة لدى الوزارة، مؤكداً أنّها "تعامل الجميع من لبنانيين وغير لبنانيين بسواسية من دون أيّ تمييز، خصوصاً الإخوة العراقيين الذين يدرسون في الجامعات اللبنانية ويتقدّمون بمعاملاتهم وشهاداتهم للمعادلة في الوزارة".
وأشار الحلبي إلى أنّ "عدد الموظفين قليل نسبة إلى أعداد المعاملات التي تصل، بما يفوق قدرة الموظفين في الإدارة على تلبية طلباتهم بالسرعة التي يرغبونها". وبحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي في وزارة التربية والتعليم العالي، فإنّه "نظراً إلى حضور الموظفين إلى الوزارة يومَي الأربعاء والخميس فقط بسبب الإضراب الناتج عن الضائقة المالية في البلاد، خصوصاً لدى موظفي الإدارة العامة، تتوافد إلى اقسام المعادلات قبل الجامعية والمعادلات والمصادقات الجامعية أعداد هائلة من الطلاب اللبنانيين والعرب والعراقيين بصورة خاصة وبأعداد كبيرة".
وحول الإشكال الذي وقع في وقت سابق من اليوم الخميس، ذكر البيان أنّ "حراس مبنى الوزارة فوجئوا بضجيج فجر الخميس، فخرجوا للاطلاع على مصدره، وتبيّن لهم حضور أكثر من 100 طالب عراقي، وقد اختلفوا في ما بينهم حول أحقية الدخول والأبواب كانت لا تزال مقفلة فجراً. وحاول الحراس تهدئتهم بعدما خرج السكان من المباني المحيطة إلى الشرفات". أضاف البيان أنّه "عندما فتحت الوزارة أبوابها لاستقبال المواطنين والمراجعين عند الثامنة صباحاً، دخل عدد هائل من الطلاب العراقيين دفعة واحدة بحيث اكتظ بهم مدخل دائرة المعادلات في ظلّ محاولات من المعنيين لتنظيم الدخول بعدما أخذوا جوازات السفر وعملوا على المناداة إسمياً. وفجأة سقط أحد الشبان العراقيين المراجعين أرضاً وأغمي عليه، واستمر التدافع على أولوية الدخول".
وتابع البيان نفسه أنّ عدداً من "الطلاب العراقيين الموجودين في مقدّمة الحضور (تعاونوا) مع قوى الأمن الداخلي وحراس أمن المبنى لإقناع الطلاب المندفعين بالتراجع قليلاً لرفع الشاب عن الأرض، غير أنّهم لم يتراجعوا وأصبح الشاب تحت أرجل الطلاب العراقيين، ما دفع عنصر قوى الأمن إلى رفع الصوت حاملاً قطعة من السياج الذي يضبط الصف لإقناعم بالتراجع. وبعد هذه الحركة تمّ رفع الشاب وتبيّن أنّه يعاني من الربو ولم يتحمّل النقص في الأوكسيجين وتمّ إسعافه بواسطة الصليب الحمر اللبناني. وقد استدعى المدير العام للتربية قوة من المخفر المجاور للوزارة لإعادة التنظيم وتسيير شؤون المراجعين من كلّ الجنسيات والعمل على التهدئة".