ضربت هزات أرضية متوسطة ولايات تركية عدة طوال السنة الماضية، كان آخرها الزلزال الذي هزّ مدينة هكاري يوكسيكوفا قبل أيام، ما يثير مخاوف الأتراك من وقوع كارثة مدمرة على غرار زلزال "كهرمان مرعش" الذي أحدث الكثير من الدمار قبل عام.
ويؤكد خبير الزلازل التركي ناجي غورور، أن زلزال كهرمان مرعش أحدث تغيرات في منطقة التوتر، ما يزيد من خطر وقوع زلازل أخرى، في حين يرى البروفيسور أوفغون أحمد أرجان أن المنطقة قد تكون عرضة لزلزال بقوة 7 درجات على مقياس ريختر في المستقبل.
ويقول مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بإسطنبول، محمد كامل ديميريل، لـ"العربي الجديد"، إن "تصريحات خبراء الزلازل يجب أن لا تخيفنا، لأن الزلزال لا يمكن توقع حدوثه، ولم يصل العلم بعد إلى معرفة موعد حصول زلزال أو مكانه، مع الأخذ في الاعتبار أثر الفوالق والزلازل السابقة، وتحليل المتغيرات في المناطق المعرضة للزلازل. ينبغي عدم تجاهل التحذيرات، أو التساهل في التدابير لأن زلزال العام الماضي كان مرعباً، وربما تكون خسائر زلزال إسطنبول المتوقع أكبر".
يضيف ديميريل أن "كثيراً من متعهدي البناء والمسؤولين يخضعون لمحاكمات، بمن فيهم من أعطى تصاريح البناء، وتهدم مدينة أبرار في كهرمان مرعش، دفع السلطات إلى عدم تشييد أي مبنى لا يحقق شروط مقاومة الزلازل، بل وهدم المباني غير المقاومة للزلازل، وهذا سبب ما نراه من هدم وإخلاء حتى اليوم. بناء المدن المهدمة، خاصة في ولاية هاتاي، سيكون أقرب إلى الجبال والأراضي الصخرية الصلبة، وبعيداً عن خط الزلازل".
ومن مدينة غازي عنتاب، يقول محمد هوسين: "بعد مرور عام كامل، لا تزال الولايات الأكثر تضرراً، كأنطاكيا وكهرمان مرعش، تعمل على إزالة الركام، والبناء بهدف الاستيعاب التدريجي لمن شردهم الزلزال. هدم المباني التي لا يمكنها مقاومة الزلازل متواصل حتى اليوم، ونرى عمليات إخلاء لمبان، وهدم أخرى، ومدرسة أولادي هدمت، وتحولت إلى مرآب، وجرى توزيع التلاميذ على مدارس أخرى. وفق الأرقام الرسمية، دمر الزلزال 850 ألف مبنى، وتصدّعت مبان أخرى، وكثير من المباني عرضة للخطر إن تكرر الزلزال".
يضيف هوسين لـ"العربي الجديد": "الأمر أكبر من طاقة أي دولة، والحكومة وعدت ببناء 650 ألف وحدة سكنية، و170 ألف محل تجاري خلال عام، لكن الجاهز منها لا يزيد عن 45 ألف منزل، وسمعنا أنه سيتم تسليم 75 ألف منزل خلال الشهرين القادمين، لتبقى الحاويات هي ملاذ المتضررين حتى انتهاء البناء الذي أتوقع أن يستمر لخمس سنوات على الأقل".
لا تزال الولايات التركية الأكثر تضرراً تعمل على إزالة ركام الزلزال
وبعد عام على الزلزال، رفع وزير الداخلية، علي يرلي كايا، خلال تصريحات صحافية، عدد الضحايا إلى 53,537 وفاة، فضلاً عن 103,213 مصاباً، موضحاً أن الزلزال طاول 120 ألف كيلو متر مربع في 11 محافظة و124 مدينة و6929 قرية، وأنه جرى جمع نحو 129 مليار ليرة تركية خلال حملة "تركيا قلب واحد" التي بدأها الهلال الأحمر التركي ووكالة الإغاثة التركية "آفاد"، وتم صرف نحو 80 مليار ليرة من هذا المبلغ.
ويقول الباحث يوسف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن التوقف عند تأثيرات الزلزال على المباني والمرافق، فقد طاولت الآثار 11 مليون إنسان في ولايات الجنوب والشرق، والدولة التركية أثبتت للعالم قوة مؤسساتها في مواجهة الكارثة، والجمعيات الإغاثية ساهمت بتأمين احتياجات المواطنين، إلى جانب المساهمة في عمليات انتشال الضحايا وإنقاذ العالقين".
ويضيف: "الرئيس رجب طيب أردوغان ذهب إلى هاتاي، قبل أيام، لتسليم 7275 منزلاً بالقرعة، وافتتح مشفيين في هاتاي واسكندرون بطاقة استيعابية 1500 سرير، إضافة إلى افتتاح مشفى وتسليم مبان في ولاية غازي عنتاب، ولا ننسى التعويضات المالية التي حصل عليها المتضررون، وهي مبلغ إسعافي، وآخر لقاء إيجار المنازل ريثما يتم الانتهاء من 200 ألف وحدة سكنية بحلول نهاية العام الجاري".
وعدت الحكومة التركية بتجهيز 200 ألف وحدة سكنية بحلول نهاية العام
ويؤكد العامل في هيئة الإغاثة الإنسانية "İHH"، جلال ديمير، أن "الأعمال مستمرة في المناطق الأكثر تضرراً للانتهاء من 40 ألفاً و400 مسكن، من بينها 32 ألفاً و600 شقة، و7 آلاف و800 منزل ريفي في ولاية هاتاي وحدها، والموازنة العامة لعام 2024، خصصت تريليون ليرة لمناطق الزلزال، لتبلغ الأموال المنفقة على تلك المناطق 3 تريليونات ليرة، كما جرى دعم مؤسسة التأمين ضد الكوارث الطبيعية (DASK) بـ34 ملياراً و440 مليون ليرة".
ويتابع: "تسليم المباني سيستمر ليصل إلى نحو 75 ألف منزل خلال الشهر المقبل، والتعليم مستمر، ولم يتوقف في أي من الولايات التي تضررت، وتم بناء 51 مدرسة جديدة، وسيبدأ النقل إليها في العام المقبل، والحكومة تعتزم تسليم 200 ألف منزل في المجمل خلال العام الحالي، بعد أن أظهرت الدراسات الحكومية أن عدد الأشخاص الذين يحق لهم الحصول على المساكن في منطقة الزلزال هو 390 ألفاً".
ويضيف ديمير: "التعاضد واللحمة الاجتماعية تجلت في حملات التبرعات التي جمعت أكثر من 6 مليارات دولار خلال برنامج مشترك لمدة 7 ساعات بثته القنوات التلفزيونية والإذاعية، بعد أن أخذ البنك المركزي زمام المبادرة وتبرع بـ30 مليار ليرة، لتتبعه البنوك العامة، فتبرع بنك الزراعات بـ20 مليار ليرة، وتبرع بنك الوقف بـ12 مليار ليرة، وتبرع بنك الشعب بـ7 مليارات ليرة، وتبرعت شركة الاتصالات توركسيل بـ3.5 مليارات ليرة، وشركة تورك تيليكوم بـ2 مليار ليرة، وتبرعت شركة تأمينات تركيا بملياري ليرة، ومثلها الخطوط الجوية التركية وبورصة إسطنبول. هذه الأموال، إضافة إلى ما خصصته الحكومة، سخرت من أجل تخفيف الأعباء المالية عن منكوبي الزلزال، كإعفاء المتضررين من أقساط البنوك لمدة 6 أشهر، ومنح أصحاب المنازل المتضررة والمستأجرين تعويضات مالية شهرية".