نحو شهر مرّ على الحدث الذي غيّر حياة الشاب الفلسطيني عبد الله رواجبة. فقد خسر عينه اليسرى بعد إلقاء جندي إسرائيلي قنبلة تجاهه عمداً في الثاني من يناير/ كانون الثاني الماضي، خلال انسحاب قوات الاحتلال من بلدة كفردان غرب مدينة جنين.
يروي رواجبة لـ"العربي الجديد"، تفاصيل ما جرى، قائلاً: "أعمل مع أخي في شركة للمقاولات موكلة بتأهيل الشارع الرئيسي الرابط بين بلدتي كفرذان والجلمة، وعند انسحاب آليات الاحتلال بعد أن قتلت الشابين محمد وفؤاد عابد، وهدمت منزلي الشهيدين أحمد وعبد الرحمن عابد، توقفنا عن العمل حتى يمروا. وقفت متكئاً على سيارة على طرف الطريق أشاهد دوريات الاحتلال المارّة. مرّ نحو عشرين آلية وأنا في مكاني، غير أن جندياً كان في الآلية الأخيرة فتح بابها الجانبي ورمى تجاهي قنبلة صوت وقنبلة غاز، فتطايرت الشظايا ودخلت إحداها في عيني لتفتّتها كلياً".
بدأ عبد الله الصراخ والدماء تنزف من عينه، فهبّ شقيقه عبادة لنجدته، لكنه لم يستطع، إذ أصيب بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، وفقد الوعي، ليستيقظ داخل سيارة الإسعاف. لكنه كان قد تمكن من توثيق المشهد، إذ كان يصور بهاتفه مرور آليات الاحتلال.
نُقل عبد الله رواجبة إلى مشفى ابن سينا في مدينة جنين، ومن هناك حُوِّل إلى مركز بصريات خاص، ثم إلى مشفى النجاح في مدينة نابلس، وأظهرت الفحوص أن عينه اليسرى متفجرة، واستؤصِلَت العين كاملة في عملية جراحية خضع لها في اليوم التالي لإصابته، فضلاً عن وجود رضوض وجروح في أنحاء متفرقة من جسده.
في بيته ببلدة عصيرة الشمالية، يجلس عبد الله على أريكة محاطاً بأفراد عائلته، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "لم يكن هناك أي شيء يدعو الجندي الإسرائيلي إلى رمي القنابل تجاهنا، إنه فقط الحقد على كل ما هو فلسطيني. في ثوانٍ معدودة فقدت عيني من دون سبب، أين العدل في ذلك؟".
يواظب رواجبة على تناول أدوية ووضع مراهم، وسيواصل فعل ذلك لفترة طويلة لتخفيف الألم الناتج من استئصال عينه، وتخفيف الانتفاخات المحيطة بجحرها، لكنه لا يزال يعيش هول الصدمة. يقول: "ذهبت صباحاً إلى عملي سليماً معافى، وعدت مساءً من دون عيني اليسري بسبب جندي إسرائيلي أراد أن يتسلى بما يحمل من قنابل عبر إلقائها تجاه المدنيين العزل".
ويؤكد والده محمد رواجبة، لـ"العربي الجديد"، أن العائلة لن تسكت، وستلاحق الجندي الذي ارتكب الجريمة: "صدّع قادة الاحتلال رؤوسنا وهم يروجون أنفسهم للعالم على أن لديهم جيشاً نظامياً، ونظاماً ديمقراطياً، فأي ديمقراطية هذه التي تحمي جندياً تعمد مع سبق الإصرار والترصد إلحاق الأذى بشاب مسالم لم يشكل عليه أي خطر. نحن أسرة مسالمة، وهمّي وهمّ أبنائي كسب قوتنا بعرق جبيننا، لكن هذا لا يعني السكوت عن حق عبد الله، وسنتحرك في كل الاتجاهات لمقاضاة الجندي الذي سبّب لنا هذه المأساة".
يضيف الأب الفلسطيني: "سنقيم قضايا في المحافل كافة. نعلم أن القضاء الإسرائيلي غير منصف، وهو أداة في يد سلطات الاحتلال، ومع هذا لن نستسلم، لن تعود عين عبد الله، ولا يوجد مال يعوضها، لكننا سنواصل طرق كل الأبواب".
من جهته، يوضح مدير الإسعاف والطوارئ في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أحمد جبريل، أن جنود الاحتلال الإسرائيلي يتعمدون استهداف الأجزاء العلوية من أجساد الفلسطينيين، وتحديداً العيون، ويقول لـ"العربي الجديد": "الأحداث الميدانية والمواجهات المتكررة بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال تشهد دائماً وقوع إصابات في العيون، وهذا ليس مصادفة أو عشوائياً، فجنود الاحتلال مدربون، ولديهم قناصة محترفون، وهم يطلقون الرصاص على العيون بدقة، ما يؤدي في الغالبية العظمى من الإصابات إلى استئصالها".
ويلفت جبريل إلى أن "هذا الأمر يمكن ملاحظته بوضوح في المواجهات الأسبوعية ضد الاستيطان التي تندلع في بلدات مثل بيتا، وبيت دجن جنوب نابلس وشرقها، فنسبة كبيرة من الجرحى تكون إصاباتهم في العين، وقد تؤدي الإصابة في العين أحياناً إلى استشهاد المصاب، فالعين جزء من الرأس، وهي جزء حساس جداً، والعيار الناري في العين قد يخترق تجويف الرأس ويصل إلى الدماغ، ما يعني الوفاة في كثير من الحالات".
ولا توجد إحصائيات دقيقة توثق أعداد المواطنين الفلسطينيين الذين فقدوا عيونهم برصاص الاحتلال الإسرائيلي خلال المواجهات والاشتباكات المتكررة، لكن يمكن القول إن أعداد هؤلاء تقدَّر بالمئات، وتزايد تركيز جنود الاحتلال على استهداف العيون بشكل ملحوظ منذ اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية في عام 2000.