بكلمات يقطعها البكاء المرير على فقدان ابنها البِكر، تعيش عائلة الفتى الشهيد عطا الله محمد ريان (17 عاماً)، من بلدة قراوة بني حسان، غرب سلفيت، شمالي الضفة الغربية، في فلسطين المحتلة، صدمة لم تستوعبها بعد حول ما جرى لعطا الله، الذي قتلته قوات الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء الماضي، بدم بارد، قرب مستوطنة "أرائيل" المقامة على أراضي سلفيت.
تقول الأم ماهرة ريان لـ"العربي الجديد": "الله يرضى عليه، ماذا فعل لهم؟ قتلوا حلمه بحياة واعدة... هو أول فرحتي، دوماً كان متفاعلاً ويضحك ويلاعب أشقاءه الصغار، لا أصدق أنّه لن يعود". تؤكد والدة الشهيد أنّ همّ ابنها عطا الله كان تجاوز مرحلة الثانوية العامة، حتى أنّه كان يخطط للمكان الذي سينظم فيه حفلة نجاحه، كما كان حلمه الأكبر السفر لإكمال تعليمه الجامعي.
انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي ورقة امتحان التكنولوجيا الذي قدمه الشهيد قبيل ساعات من قتله على أيدي جنود الاحتلال، إذ استبدل المعلم صفة الطالب بالشهيد، إلى جانب اسم عطا الله، وأضاف عبارة "رحمه الله". والشهيد عطا الله ريان أحد تلاميذ الصف الثاني عشر، في مدرسة ذكور قراوة بني حسان الثانوية، بمديرية تربية سلفيت، وكان قد أدّى قبل استشهاده أحد الامتحانات النهائية للفصل الأول، ثم توجه لمساعدة والده في عمله، وفق بيان لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
الوزارة أكدت أنّ القتل العمد للتلاميذ واعتقالهم والتنكيل بهم والاعتداء على مدارسهم، هي من أشكال حرب الاحتلال على أطفال فلسطين وعلى حقهم في الحياة والتعليم، وهذه الانتهاكات والاعتداءات الإجرامية لا تبالي بكلّ المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والطفل والحق في التعليم وغيرها. وطالبت الوزارة المجتمع الدولي ومؤسساته الرسمية والمدنية بإعلان موقف صريح يشجب هذه الأعمال الإجرامية ويضغط على دولة الاحتلال لوقف جرائمها، مؤكدةً أنّ مواصلة هذه الجرائم بحق الشعب الفلسطيني هي نتيجة للصمت الدولي تجاهها.
الثلاثاء الماضي، شهد المرة الأخيرة التي يسلك فيها الفتى عطا الله ريان الطريق الذي اعتاد المرور منه بشكل شبه يومي، قاصداً نابلس، ليساعد والده في عمله بقصّ الحجر والرخام، بعد انتهاء دوامه المدرسي وتقديم الامتحانات، إذ قتله جنود الاحتلال بحجة محاولته تنفيذ عملية طعن.
كان عطا الله يبدأ يومه بالذهاب إلى المدرسة، ثم يعود إلى البيت ليستريح قليلاً، قبل أن يواصل مشواره نحو مدينة نابلس، شمالي الضفة، لمساعدة والده، ليعودا معاً في المساء. ونظراً لعدم توفر مواصلات مباشرة بين بلدة قراوة بني حسان ونابلس، يضطر السكان للركوب مرتين، من البلدة إلى دوار حارس وهو موقف حافلات نابلس، ومن هناك لا يحتاج الراكب بعد نزوله من الحافلة التي جاء فيها من قراوة إلّا لقطع الطريق للجهة المقابلة، ليستقل حافلة أخرى تمضي به إلى نابلس. لكنّ رحلة عطا الله كانت الأخيرة له.
يقول محمد ريان، والد عطا الله، لـ"العربي الجديد": "الشهود الذين كانوا في المكان، أبلغونا بأنّ ابني عطا الله قطع الطريق بسرعة مستغلاً توقف الشارة الضوئية، نحو الجهة المقابلة، حيث توجد نقطة يتمركز فيها جنود الاحتلال، لقربها من مستوطنة أرائيل، وما أن اقترب عطا الله من جنود الاحتلال حتى صرخوا عليه للتوقف، لكنّه على ما يبدو لم يفهم ما يريدونه، بسبب ضجيج السيارات، فأطلق أحدهم عليه النار وأصابه بشكل مباشر، لكنّه واصل الركض حتى وصل إلى الرصيف فوقع على الأرض".
يتابع نقلاً عن الشهود: "تجمع جنود الاحتلال حوله وضربوه بأعقاب البنادق، وتركوه ينزف، ولم يسمحوا لأحد من المارة بمساعدته. حتى عندما وصلت الطواقم الطبية منعوها من تقديم العلاج له، إلى أن فارق الحياة". يعلق الوالد: "إنّه إعدام بدم بارد، وتصفية مباشرة... فتى لا يشكل أيّ خطر على الجنود المدججين بالسلاح يقتلونه بهذه الفظاعة، ماذا فعل لهم؟ وإذا فرضنا أنّه كان يحمل بيده شيئاً ما، ألم يكن بالإمكان اعتقاله؟ لكنّهم متعطشون للقتل، وهناك من يحميهم ويبرر لهم ما يفعلون".
لم تكتفِ قوات الاحتلال بجريمتها، فبعد احتجازها جثمان الشهيد الفتى عطا الله، اقتحمت بلدته وداهمت منزل العائلة وأجرت تحقيقا مع سكانه، ثم أخذت مقاسات البيت، واستولت على جزء من مقتنيات عطا الله، كبطاقته الشخصية وهاتفه وبعض ملابسه وساعاته وشهاداته المدرسية وصوره. يقول والده: "جاءني اتصال من ضابط احتلال، أبلغني بكلّ برودة أعصاب بأنّهم قتلوا ابني، فعدت فوراً إلى البيت، وإذ بهم قد سبقوني إليه. نفيت روايتهم بشدة وأكدت لهم أنّ ابني شاب مقبل على الحياة وهو مثقف وواعٍ لما يقوم به، ولديه طموح كبير باستكمال دراسته العليا".
من جهته، يقول الباحث في شؤون الاستيطان خالد معالي، لـ"العربي الجديد"، إنّ حادثة قتل عطا الله ريان "جزء من مسلسل معاناة طويل لم ينتهِ بعد، يمرّ به الشعب الفلسطيني عموماً، وسكان محافظة سلفيت خصوصاً، إذ تحيط بها المستوطنات من كلّ مكان. هذا الوضع حوّل جميع شوارع المحافظة، تحديداً الخارجية، إلى كمائن للفلسطينيين، إذ ينتشر جنود الاحتلال في كلّ ركن وزاوية لحماية المستوطنين". يتابع معالي: "دوماً، ترى جنود الاحتلال مستعدين لإطلاق النار على الفلسطيني، الذي يعتبر هدفاً مشروعاً لهم لمجرد الاشتباه، فإذا مرّ من جانبهم أو ركض نحوهم بات في عداد الشهداء".