عنصرية الدنمارك: أقلية الإنويت تواجه التمييز والتجاهل

كوبنهاغن
5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
04 مارس 2023
عنصرية الدنمارك: أقلية الإنويت تعاني سياسة التمييز
+ الخط -

تُتّهم الدنمارك بالصمت عن التمييز والعنصرية اللذين يتعرض لهما شعب الإنويت أو الإسكيمو الذي يعيش في جزيرة غرينلاند، وخصوصاً في ما يتعلق بعلاقته مع مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى التربية ورعاية الأطفال.

الممارسات نفسها التي كانت تطبق في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تطبق اليوم لقياس ما إذا كانت أسر الإنويت قادرة على رعاية أطفالها، من خلال تطبيق النماذج الغربية ونقلهم قسراً إلى أسر أخرى. كذلك وجّهت الأمم المتحدة انتقادات إلى السلطات الدنماركية لسكوتها عن التمييز البنيوي بحق تلك الأقلية على أرضها. 
ويبدو أن الصورة النمطية لشعب جزيرة غرينلاند لم تتغير كثيراً طوال العقود الماضية. فهذا الشعب الذي انتقل إلى كوبنهاغن وبقية المدن الدنماركية، وبعضه قسراً، يُنظر إليه على أنه غير مندمج في المجتمع، ويشرب الخمور طوال الوقت.

ولأن شكله ليس كغالبية البيض الدنماركيين، عانى من العنصرية والتمييز من الشعب الذي يفترض أنهم جزء منه، أو جزء من "أراضي المملكة" كما يسمي الدنماركيون بلدهم وغرينلاند مع جزر فارو الواقعة على بعد آلاف الكيلومترات من البر الدنماركي الرئيسي. 
وعلى الرغم من تلك الشكاوى، ظل الساسة والمشرّعون في كوبنهاغن يرفضون الاعتراف بوجود تمييز بحق عائلات الإنويت التي تعيش على أرض جزيرتهم، أو في مناطق مختلفة من الدنمارك.
خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، طرأ تغيّر على مستوى النقاش في المجتمع الدنماركي حول الإجحاف الذي يتعرّض له هذا الشعب، وخصوصاً بعد انكشاف ما عاناه خلال القرن الماضي لناحية تبني الأطفال من قبل أسر دنماركية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والتي يسميها شعب الإنويت "عمليات سرقة الأطفال"، وإجبار النساء على عدم الإنجاب.

ومنذ 2020، دخلت كوبنهاغن في نقاش وتحقيقات ما زالت مستمرة حول التبني غير المشروع لأطفال غرينلاند، وشكاوى التمييز التي يتحدث عنها أصحابها، والذين يعتبرون دنماركيين قانونياً. 
في 12 فبراير/ شباط الماضي، أقرّ محققون من الأمم المتحدة "تعرض سكان غرينلاند للتمييز والعنصرية إلى حد كبير لدى  مراجعة السلطات الدنماركية"، أي أن العنصرية التي اشتكى منها الشعب الأصلي في الجزيرة الجليدية الكبيرة لم تكن فقط في الشارع الذي نمّط صورة هؤلاء، بل هو "عنصرية بنيوية" ومؤسساتية. ويقول المقرر الخاص المعني بحقوق الشعوب الأصلية، خوسي فرانسيسكو كالي تزاي، بعد زيارته إلى غرينلاند والدنمارك، إن "أكثر ما يقلقني هو العنصرية البنيوية التي يواجهونها. على الرغم من كونهم مواطنين دنماركيين، إلا أنهم يواجهون درجة عالية من التمييز العنصري في جميع الخدمات العامة التي يحتاجونها". 

تعيش وطفلها في غرينلاند (أود أندرسون/ فرانس برس)
يتهم السكان الأصليين السلطات بسرقة الأطفال (أود أندرسون/فرانس برس)

أمضى كالي تزاي المتحدر من غواتيمالا عشرة أيام للتحقيق في كيفية قيام الدنمارك وغرينلاند بإدخال حقوق الشعوب الأصلية، التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2007، معرباً عن قلقه حيال الأمر في حديث للإذاعة الدنماركية "بي 1 مورغن" يوم 12 فبراير/ شباط الماضي.

وكشفت التحقيقات أن "شعب غرينلاند يحتل الإحصائيات بشكل كبير في ما يتعلق بالتشرد والإبعاد القسري. كما أن الاختبارات النفسية المستخدمة لتقييم ملاءمة الوالدين لا تأخذ في الاعتبار الاختلافات الثقافية بين الجزيرة والدنمارك، وغالباً ما تُجرى بلغة دنماركية من دون فهم كثيرين لما يحدث".
ويؤكد كالي تزاي أن "الحكومة الدنماركية تدعي أن دولة الرفاهية تقوم على المساواة. لكن عملياً، يواجه الإنويت عقبات إدارية ومؤسساتية كبيرة، بالإضافة إلى العنصرية والتمييز العرقي".

وتقول مديرة معهد حقوق الإنسان الدنماركي لويزا هولك، رداً على ما كشفته الأمم المتحدة، إن هناك "مسؤولية واضحة عن تقصيرها بالالتزام بحماية السكان الأصليين من التمييز". وترى أن "السؤال هو ما إذا كان يتم عمل ما يكفي في الدنمارك"، مشيرة إلى أنه "لا يتم القيام بما يتوجب لمواجهة العنصرية والتمييز الهيكلي. من دون شك، هناك مشكلات عندما يتعلق الأمر بعلاج أوضاع الإنويت في الدنمارك" .
وعلى الرغم من أن شعب غرينلاند يحظى بحكم ذاتي، إلا أن تسيير شؤون الجزيرة يقع بصورة رئيسة على عاتق المؤسسات الدنماركية، بما في ذلك القوانين الاجتماعية بحسب تلك المعتمدة في الدنمارك.

وعلى مدى عقود، ارتفعت أصوات الشعب الأصلي تشكو طمس هوية وثقافة الإنويت لمصلحة "تمدين غرينلاند"، ونُزِع كثيرون من أسرهم وتم تحويلهم إلى البر الدنماركي بحجة "تأهيل جيل جديد لخلق التحضر في غرينلاند". وتسبب ذلك في مآسٍ مستمرة حتى اليوم لمئات الحالات التي وجدت نفسها بلا جذور، كما يذكر هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم وسط عائلات دنماركية بالتبني. 

وتتحدّث هولك عن بعض الأخطاء التي تنتهجها الدنمارك في مسألة الأطفال، قائلة: "كما تذهب لجنة الأمم المتحدة، يبدو واضحاً أن الاختبارات الدنماركية لتقييم قدرة الوالدين في غرينلاند طورت في سياق غربي كان يستهدف العائلات الغربية". وينتقد الحقوقيون والغرينلانديون المهتمون باستقلال جزيرتهم "طمس ثقافة الشعب الأصلي". 
صحيح أن كثيرين من هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم في كوبنهاغن قسراً حققوا نجاحات مهنيّة واجتماعية، لكن الصورة ليست كذلك بالنسبة للغالبية الساحقة التي انتهى بها المطاف إلى التشرّد وباتت تعاني من اضطرابات نفسية، بالإضافة إلى الإدمان على الخمور والمخدرات وارتكاب مخالفات قانونية.

وترى مسؤولة مؤسسة "مينتور ايماونيل"، كارين بانك بيترسن، التي تساعد سكان غرينلاند في الدنمارك على التعامل مع النظام، أن تصرف السلطات الاجتماعية في بلدها (وزارة الشؤون الاجتماعية في كوبنهاغن) أنتج هذا التشوه والتمييز والنظرة الدونية لشعب الجزيرة، إن على أرضهم غرينلاند أو في الدنمارك نفسها.

الأمر نفسه ما يزال يطبق لدى الأسر الغرينلاندية على الأراضي الدنماركية، بحسب تصريحات بيترسن بعد تقرير الأمم المتحدة، التي تعتبر أن "الأمر محبط للغاية حين لا يتم تكييف الاختبارات مع ثقافة وخلفية شعب الإنويت"، وحين تقوم البلديات بتقييم قدرات الوالدين على رعاية الطفل والتعامل معه، وتكون النتيجة في معظم الأحيان نقلاً قسرياً للطفل إلى أسرة دنماركية لرعايته.
وإذا كانت قصص العنصرية والتمييز التي تشكو منها الأقليات من أصول مهاجرة في الدنمارك قد وجدت صدىً أحياناً في البرلمان الدنماركي، وخصوصاً بعد رفع قضايا مختلفة أمام المحاكم الأوروبية، فيبدو أن قضية شعب الإنويت لم تحظ بنفس القدر من الاهتمام على طاولة المشرعين.

أمر يؤكده كالي تزاي، إذ يقول إن ما يحصل "عنصرية بنيوية لم تؤخذ على محمل الجد سياسياً". ويشير في تقريره الأولي إلى أنه "لا توجد إدانة للتمييز، وهذا يعني أن الناس يتوقفون عن الثقة بالسلطات. أعتقد أن الحكومة (الدنماركية) يجب أن تظهر الإرادة السياسية لحل مشكلة التمييز العنصري ضد الإنويت". تدعو هولك إلى "مزيد من التركيز على التزام الدولة بحماية السكان الأصليين".
في السياق، تشير عضوة البرلمان الدنماركي عن غرينلاند، آكي ماتيلدا هيغ دام، إلى أن التقرير ليس مفاجئاً لها. "يومياً، أتلقى استفسارات من الإنويت في الدنمارك وغرينلاند". وترى أن التقرير الأممي معزز لمطالب حزبها الاعتراف بالإنويت كأقلية محمية في الدنمارك "من أجل المزيد من الحقوق"، كما تذكر للتلفزيون الدنماركي الرسمي (دي آر).

ذات صلة

الصورة

مجتمع

تعهّدت السلطات الهندية، السبت، باتخاذ إجراءات بعد أن أمرت معلمة مدرسة ابتدائية تلاميذها بالتناوب على صفع زميل مسلم لهم، وأثارت لقطات الحادث غضباً على الإنترنت.
الصورة

مجتمع

أمرت محكمة تركية في مدينة إسطنبول بسجن سائق أجرة تركي لتسببه في مقتل المواطن المغربي جمال دومان (57 عاماً).
الصورة

منوعات

يشتكي فنانون سود مما وصفوه بـ"عنصرية" الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ أشاروا إلى أن البرامج المستندة إلى هذه التقنيات تعرض أصحاب البشرة السوداء بصور نمطية مسيئة أو تشوه أشكالهم.
الصورة

مجتمع

ينتظر الملايين من المهاجرين الفقراء من المكسيك تحديداً، اليوم الخميس، الحادي عشر من مايو/ أيار الحالي، للعبور إلى الولايات المتحدة الأميركية، بعد نهاية العمل رسمياً بقانون يُعرف باسم المادة 42.
المساهمون