يأخذ العنف بكل أشكاله منحى تصاعدياً في تونس، فيُسجَّل في كل المساحات الخاصة والعامة، بما في ذلك البرلمان، وذلك وفق تقرير أصدره أخيراً منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول مؤشّرات العنف في البلاد.
ويبيّن التقرير أنّ العنف الإجرامي تصدّر مختلف أشكال العنف التي أُحصيت بنسبة سنوية ناهزت 59 في المائة، علماً أنّها بلغت 88 في المائة في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2020. لكنّ القائمين على المنتدى يرون أنّ خطورة العنف في تونس لا تظهرها النسب فقط، بل كذلك "هول" الحالات التي سُجّلت في العام الماضي، وذلك في جرائم قتل مروّعة هزّت الرأي العام التونسي وتمّ تداولها على نطاق واسع.
ولاحظ التقرير نفسه تقارباً في نسب العنف بين شكلَيه الفردي والجماعي، إذ بلغت نسبة العنف الفردي السنوية 50.2 في المائة، أمّا نسبة العنف الجماعي السنوية فبلغت 49.8 في المائة، علماً أنّها تخطّت 60 في المائة في خلال أشهر يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول ونوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2020. يُذكر أنّ العنف في تونس ذكوري بامتياز، إذ إنّ 87.3 في المائة من المعتدين هم من الذكور و6.8 في المائة من الإناث.
وعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية، كانت قضايا العنف تمثل أكثر من ربع القضايا المسجّلة، غير أنّ عام 2020 كانت استثنائية بكل المقاييس، أي كماً ونوعاً، بحسب المنتدى. وقد تصدّر العنف الإجرامي أبرز أنواع العنف المسجلة بتونس للعام الثاني على التوالي، مع نسبة سنوية ناهزت 59.3 في المائة. ولاحظ تقرير المنتدى أنّ حوادث الإجرام المستجدة من سرقات واعتداءات وتحويل وجهة وجرائم قتل وتعنيف تزداد خطورة يوماً بعد يوم. ومنذ عام 2011، نتيجة الصراع السياسي، يُسجَّل عنف سياسي في أروقة المؤسسات السياسية وعنف في الخطاب الرسمي وحتى في تصريحات المسؤولين.
تعليقاً على تنامي العنف في البلاد، يقول المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس رمضان بن عمر، لـ"العربي الجديد"، إنّه "نتيجة طبيعية للخطابات والسلوكيات العنيفة في الفضاء السياسي ودوائر القرار التي كان يفترض أن تسخّر كل إمكانياتها لمعالجة كل أشكال العنف والجريمة".
ويشرح بن عمر أنّ "العنف في تونس أخذ منحى تصاعدياً منذ عام 2011، لكنّه تفاقم بشكل لافت في الفترة الأخيرة، نتيجة الصراع السياسي وتأثر المجتمع بتلك الخطابات والسلوكيات إلى جانب غياب الإرادة السياسية لمكافحة الجريمة". يضيف أنّ "الحضور الأمني المكثّف في مجابهة الاحتجاجات الاجتماعية لا يقابله الحضور ذاته في مكافحة الجرائم وحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم، ما يثير تساؤلات حول جدية السلطات في خفض منسوب العنف في البلاد".
ويرى بن عمر أنّ "الأزمة الاقتصادية الاجتماعية باتت تلقي بظلالها على سلوك التونسيين، وهو ما يفسر السلوك العدواني لعدد منهم، والذي تظهر آثاره في أنواع الجرائم الجديدة المسجلة أو الخطاب في الشارع وحتى على وسائل التواصل الاجتماعي".
وفي ما يخص ترتيب أشكال العنف، أوضح تقرير منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّه بعد العنف الإجرامي، يحلّ العنف الانفعالي في المرتبة الثانية، يليه العنف الجنسي ثمّ العنف الأسري والعنف في المساحات التربوية، علماً أنّ ضحايا مختلف هذه الأشكال هم من النساء والأطفال بالدرجة أولى. وسجّل المنتدى، بحسب تصريحات جمعيات مهتمة بشؤون النساء والأطفال، تضاعف الاعتداءات على النساء ثماني مرات في مقابل زيادة في العنف المسلط على الأطفال بنسبة أربعة في المائة مقارنة بعام 2019، وهي في الأغلب اعتداءات جنسية واقتصادية.
ويحذّر الباحث في علم الاجتماع محمد الجويلي من "تغيّرات كبيرة بدأت تطرأ على المجتمع التونسي تحتاج إلى دراسات معمّقة من أجل كبحها والسيطرة عليها، منها العنف"، مشدداً على "خطورة خلق جيل جديد من الجرائم لا يُعَدّ قاصراً على ذوي الخبرة في الإجرام".
يضيف الجويلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّه "في العنف الانفعالي، قد يتحوّل شجار بسيط إلى جريمة قتل"، موضحاً أنّ "الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها التونسيون تُترجم في سلوكياتهم، وهو ما يفسّر تنامي ظواهر العنف المترتبة عن ردود الفعل المتسرّعة وغير محسوبة العواقب في أكثر الأوقات". ويرى الجويلي أنّ "النمط الاستهلاكي للمجتمع يؤثّر بصورة كبيرة على تنامي ظواهر العنف الناتج عن الرغبة في الحصول على متطلبات الحياة بأيّ ثمن"، لافتاً إلى "أهمية القيام بمراجعات شاملة في مؤسسات التنشئة الاجتماعية لتقويم السلوكيات المفرطة في العنف، إلى جانب أقلمة التعاطي الأمني مع هذه القضايا على وقع نمط الحياة الجديد في البلاد".
وحول أشكال العنف المستجدة، سجّل المنتدى أحداث عنف جرت في خلال دفن ضحايا فيروس كورونا الجديد، بعد وقوع اشتباكات بين الأهالي وأمنيين نتيجة رفض دفن جثث موتاهم في المقابر العادية. من جهة أخرى، رأى المنتدى أنّ مجلس نواب الشعب لم يعد مساحة آمنة للنقاشات السلمية، بعدما شهد عام 2020 أحداثاً غير مسبوقة تعلقت باستخدام عنف جسدي وخطابات عنيفة تنشر ثقافة الكراهية فجعلت من البرلمان مثالاً لتشريع العنف والتنظير له.