في وقت يشكو فيه الليبيون من غلاء أسعار الأضاحي، كثرت أسواق الأغنام قبيل عيد الأضحى في ميادين العاصمة وعلى طرقاتها وكذلك في مدن ومناطق البلاد المختلفة. لكنّ الإقبال على الشراء بدا خجولاً، فيما يؤكد ليبيون اختفاءً تدريجياً لعدد من التقاليد المرتبطة في الاحتفال بهذا اليوم. وليبيا تعيش عامها الأول من الاستقرار، بعد أكثر من ستّة أعوام من الحرب والفوضى اللتين طاولتا معظم مناطقها، لا سيّما في المدن الكبيرة، وتسبّبتا في موجات نزوح كبيرة، إلى جانب غياب القانون والأمن وانتشار المجموعات المسلحة التي مارست أشكالاً مختلفة من الانتهاكات في حقّ المواطنين، الأمر الذي خلّف مئات المفقودين والمختطفين والمغيّبين في سجون سريّة.
يصرّ سالم عزوزة على الاحتفال بالعيد مع أسر إخوته في مسقط رأسه في مدينة يفرن الجبلية، غربي البلاد. وعلى الرغم من أن يفرن ليست من المدن التي شهدت معارك، فإنّ عزوزة يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "آثار الفوضى والحرب طاولت حتى المدن التي لم تشهد حرباً". يضيف: "نحن ثلاثة أشقاء اضطرتنا ظروف العمل إلى السكن في مدن كبيرة، فباعدت الأوضاع بعضنا عن بعض. لذا حرصنا على الاجتماع في عيد الفطر الماضي، وكذلك في عيد الأضحى هذا، مع أسرنا على إعادة التواصل ما بيننا بعد أعوام من التباعد".
ويحكي عزوزة عن عادات عيد الأضحى في الجبل الغربي، خصوصاً خبز العيد الذي يُعرف بين سكان جبل نفوسة باسم "غروم يمضرز". ويؤكد أنّ الأسر بمعظمها ما زالت تحافظ عليه، مشيراً إلى أنّ "النساء يحرصنَ على إعداد هذا الخبز فيتناوله أفراد الأسرة قبل التوجّه إلى أداء صلاة العيد وذبح الأضحية". يضيف عزوزة أنّ "الأسر الليبية تحرص بمعظمها، على قيام أكبر أفراد الأسرة سناً بذبح أضاحي إخوته، في ما يمثّل تقديراً له. وبعد ذلك يكون حفل شواء جماعي يُظهر التكافل وفرحة اللقاء".
والتمسّك بتقاليد عيد الأضحى ليس محصوراً بمنطقة أو أخرى، وهذا ما يؤكده عدد من قدامى سكان حيّ الأباعيش في العاصمة طرابلس. فيقول أحمد عمار لـ"العربي الجديد": "نحرص على اللقاء في المسجد وتبادل المعايدات إمّا أمام المسجد وإمّا في زيارات معايدة خاصة بكبار السنّ". يضيف عمار أنّه "على الرغم من أنّ سكان الحيّ خليط من أسر تختلف في أصولها، فإنّ ذلك لم يمنعها من إعانة بعضها البعض في ذبح أضاحي العيد".
أمّا فضيل البدين، وهو من كبار السنّ في منطقة تيكة غربي بنغازي، فيعبّر عن استيائه من اختفاء عادات كثيرة مرتبطة بالأعياد، لكنّه في الوقت ذاته يشيد بتمسّك الأسر الليبية بما تبقى من تلك العادات وبتوريثها لأبنائها. ويقول البدين لـ"العربي الجديد" إنّ "اجتماع الأسر في العيد كان من أهمّ وسائل التعارف بين الأبناء، لكنّ الأمر تغيّر اليوم إذ يقبل الناس على الاحتفال بالعيد في المصايف وكلّ أسرة لوحدها، فيما اللقاءات بين الإخوة تكون عارضة بهدف المعايدة وإلقاء التحية". هذا الأمر تؤكّده نعيمة الشويشين، الموظفة في قرية العطايا السياحية شرقي طرابلس، إذ تقول إنّ "المصايف والاستراحات الخاصة على البحر حُجزت لأيام العيد الثلاثة قبل أسبوعَين وأكثر" مشيرة إلى أنّ "الاحتفال بالعيد على شاطئ البحر ظاهرة جديدة بدأت تبرز قبل أربعة أعوام على حدّ أقصى".
ويواصل البدين حديثه عن تراجع العادات الليبية في أيام العيد، مشيراً إلى "ظاهرة جديدة حدّت من مظاهر الفرح المترسّخة في الثقافة الليبية. فأسر كثيرة، لا سيّما في المدن، صارت تحمل أضاحيها إلى الجزّارين وتعود بلحومها في أكياس". وهو ما يعدّه "تراجعاً في العلاقات الأسرية والتكافل". ويتابع البدين أنّ "ثمّة أسراً صارت تكتفي، في خلال السنوات الأخيرة، بشراء كميات صغيرة من اللحوم لحفلة شواء، بدلاً من شراء أضحية وذبحها". وهو ما يؤكّده كذلك عمار، الذي يقول: "شاهدت ذلك في السنوات الأخيرة، لكنّه يرتبط بمشكلة غلاء الأسعار التي تواجها الأسر حديثة النشأة" وسط استمرار أزمة السيولة وتردّي الوضع المعيشي.
وتبدو العادات الخاصة بيوم عيد الأضحى أكثر حضوراً واستمرارية في الجنوب الليبي، لا سيّما التمسّك بوجبة "الفتات" التي تحرص على تناولها أسر أهل الجنوب بمعظمها، جماعياً في بيت الأب على مائدة الغداء. هذا ما يشير إليه الحبيب القايدي من مدينة سبها، علماً أنّ وجبة الفطور تؤجّل إلى ما بعد الذبح عادة. ويقول لـ"العربي الجديد": "أتناول وجبة فطور خفيفة قبل الالتحاق بصلاة العيد. ثمّ ننتظر إمام المسجد ليذبح أضحيته قبل أن نذبح نحن أضحيتنا، وتكون وجبتنا منها". يضيف أنّ "وجبة الفطور تكون القلاية بحسب التسمية المحلية، وهي تقوم على طهي قلب الأضحية ورئتَيها وكبدها معاً". ويتابع القايدي أنّ "الأضحية تُترك بعد ذلك معلّقة حتى اليوم الثاني، فتُقطَّع ويترك الأبناء أكتاف أضاحيهم للأب والأم، فيما تتجمّع زوجات الأبناء لتشريح اللحم وتجفيفه في الشمس بهدف صنع القديد". وهكذا يمتدّ اجتماع الأسرة في العيد على يومَين.
وفي مدينة زليتن، إلى شرق طرابلس، يُعَدّ يوم "المزار" الذي يُحتفل به في أكبر زاوية لتحفيظ القرآن في البلاد في ثاني أيام العيد، يوم عطلة رسمية، إذ يزور أهل المدينة الزاوية في خلاله وسط الأذكار والأدعية التي تقيمها الزوايا الصوفية من داخل المدينة وخارجها. وعلى الهامش، يُقام سوق لبيع لعب الأطفال.