بالنسبة إلى أحد المعلمين الفلسطينيين الذي اكتفى بالإشارة إلى اسمه بحرفي ب. ح.، وهو موظف في وزارة التعليم الفلسطينية بالقدس، يحل العيد بلا نكهة في ظل تقاضيه نسبة 80 في المائة فقط من إجمالي راتبه.
يشبه حال هذا المربي حال فلسطينيين كُثر في الضفة الغربية بينها القدس، خاصة في الضفة وضواحي القدس، فرواتبهم بالكاد تكفيهم، قبل أن تقرر الحكومة برئاسة محمد اشتية الاكتفاء بدفع هذه النسبة من رواتب موظفيها بسبب ما تقول إنها "أزمة مالية مستفحلة جعلتها في عجز". وما يزيد قسوة الظروف الاقتصادية إجراءات الاحتلال في القدس والاعتداءات على المصلين في المسجد الأقصى منذ بداية شهر رمضان، وعقوباته على أهالي الضفة الغربية.
حين حلّ شهر رمضان لم يجد هذا المربي قوت الإفطار لعائلته، واستغاث بأهل الخير كي يعينوه في مواجهة أعباء الحياة وتكاليفها ومتطلبات أبنائه الجامعيين، واضطر إلى تأجيل دراسة إحدى بناته بسبب عجزه عن دفع قسطها الجامعي، وكرر الأمر ذاته مع أحد أبنائه.
أيضاً، يعجز هذا المربي عن تأمين متطلبات التخرج لابن ثالث أنهى دراسته وتطالبه إدارة الجامعة بتسديد مستحقات أقساط تراكمت خلال سنوات الدراسة وتناهز 1800 دولار، إلى جانب ديون أخرى، علماً أنه كان حصل على مساعدة رمزية من الجامعة، وأخرى من أهل الخير.
ومع تراكم الديون، باتت عائلة هذا المربي في وضع معيشي صعب أفقدها القدرة على تأمين احتياجاتها اليومية خلال شهر رمضان وقبله. ويستمر الوضع على حاله على أبواب العيد. وقد توجه رب العائلة إلى أكثر من جهة فعرض بعضها عليه طرداً غذائياً، وبعض آخر دعماً مادياً لم يحصل منه على شيء حتى اللحظة. ويعلّق لـ"العربي الجديد" بالقول: "كلها وعود يكتفون بتقديمها فقط، في حين لا تقدم الحكومة لمعلميها في القدس ما يعينهم على مواجهة أعباء الحياة".
رواتب لا تكفي
إلى ذلك، تقطن عائلة المربي حسن محمد في بيت مستأجر بمبلغ 700 دولار تشكل الجزء الأكبر من راتب 1450 دولاراً الذي يتقاضاه من السلطة الفلسطينية. ربما يكون هذا الراتب كافياً لمن يقيم في الضفة الغربية، أما في القدس فيكفي بالكاد لتسديد أجرة البيت وفواتير الماء والكهرباء وضريبة "أرنونا" التي تتقاضها بلدية الاحتلال في القدس سنوياً من المنازل التي يقيم فيها المقدسيون.
يقول بحرقة لـ"العربي الجديد": "البيوت أسرار ربنا يستر عليكم، نحن المعلمين في القدس تجوز علينا الصدقة، وهذه فتوى أصدرها الشيخان عكرمة صبري ومحمد حسين. لدي 3 فتيات يحق لهن أن يحتفلن بالعيد، وأنا لا أقدر على تلبية طلباتهن. أحتاج إلى شراء ملابس العيد، وتسديد ديون".
لم تشفع لهذا المربي سنوات اعتقاله خلال الانتفاضتين الأولى والثانية حيث أمضى ثلاث سنوات في سجون الاحتلال، وإصابته بجروح حيث مازال يحتفظ برصاصتين في قدمه. وهو يجد نفسه اليوم عاجزاً على عتبة عيد الفطر في مواجهة ما تتطلبه تحضيرات العيد وتجهيزاته، وتخنقه العبرات من مأساة عائلته التي تشبه مأساة كثير من العائلات المستورة والمتعففة في القدس.
وفي الضفة الغربية، تمكن محمود أبو العيش (44 عاماً) الذي يسكن في بلدة بنابلس، بشق النفس، من توفير مستلزمات عيد الفطر الضرورية لعائلته المكونة من خمسة أفراد، بعد أن تسلم راتبه الحكومي.
يقول لـ"العربي الجديد": "بعد 15 عاماً من العمل بالقطاع الثقافي لا يزيد راتبي عن ثلاثة آلاف شيكل (923 دولاراً) يحسم منه نحو 20 في المائة قيمة قرض بنكي، ومثلها رسوم فواتير الاتصالات والماء والكهرباء، فلا يبقى إلا الجزء اليسير، لكن لا مجال لعدم شراء ملابس لأطفالي، وجلب الكعك الذي سنقدمه للضيوف. أما الأمور الأخرى مثل الفواكه أو الحلويات أو المكسرات فلا مكان لها عندنا".
وأثر صرف الحكومة الراتب قبل يومين إيجاباً على تلبية احتياجات أبو العيش الذي يقول: "أبلغت زوجتي بوضعنا المالي الذي تولت شرح تفاصيله للصغار، وأعلمتهم أنني قد لا أتمكن حتى من شراء ملابس جديدة لهم أسوة بأقرانهم".
ركود في الأسواق
بالانتقال إلى الأسواق، تدير سائدة عوني محلاً متواضعاً لبيع الأدوات المنزلية في مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية، وتتولى مسؤولية رعاية أسرتها بعد وفاة زوجها قبل عقد من الزمن، وتقول لـ"العربي الجديد": "حركة البيع والشراء كانت ضعيفة قبل أيام معدودة من العيد".
تضيف: "كان الله في عون الناس الذين أعيش بينهم وأعلم ظروف معظمهم. الأولوية اليوم لتوفير الطعام والشراب، ومن يبقَ معه القليل من المال يشترِ به ملابس وأحذية، لكن لا أحد يغامر في شراء أدوات منزلية"، علماً أن عدم الإقبال على محلها يعني أنها ستفتقد المال لشراء احتياجات أسرتها في العيد.
ويشاركها هذا الرأي الشاب رائد سلامة، وهو صاحب بسطة لبيع أحذية للأطفال وسط مدينة نابلس، لكنه يأمل في أن تتحسن حركة الزبائن.
ويخبر رائد "العربي الجديد" أنه كان يعمل بتشطيب الشقق داخل فلسطين المحتلة، والتي كان يصل إليها عبر ما يعرف بـ "الفتحات" الموجودة على جدار الفصل العنصري، ويقول: "إنني ممنوع من الحصول على تصريح من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ومع إغلاق الفتحات والتشديد عليها من قوات الاحتلال قبل نحو شهرين، لم أجد إلا حل العمل على بسطة لأجني المال".
يتابع: "صحيح أنني غير متزوج، لكنني معتاد منذ سنوات على توفير العيدية لوالدتي وعماتي وخالاتي وشقيقاتي الأربع، وأساعد أبي في تأمين كسوة العيد لهن، لذا أضع يدي على قلبي في حال استمر الركود التجاري، لكن صرف الحكومة الرواتب والهدوء الأمني العام وعودة الزوار من الداخل المحتل سينعش الأسواق. هذا ما نأمل به".
وأغلقت قوات الاحتلال مع بدء شهر رمضان المبارك الفتحات المنتشرة في جدار الفصل العنصري، والتي كان العمال يصلون إلى أعمالهم في الداخل عبرها، ولاحقت العمال واعتدت عليهم بعد سلسلة عمليات في العمق الإسرائيلي قتل فيها عدة إسرائيليين، فيما فرضت إجراءات عقابية خاصة على محافظة جنين، لم تدم طويلاً.