"تعيشون نعمة لا تشعرون بها"، يقول السائح السعودي أسامة المدني الذي كان موجوداً مع أسرته في حديقة "أفجلار". يضيف: "هنا جنان الله على الأرض، في ظل الخضرة والهواء العليل وحرية السياح والزوار المطلقة. وحتى من يريد شيّ اللحوم، فقد أمنت البلدية أماكن مخصصة لذلك، بالإضافة إلى مسارات للمشي وممارسة الرياضة وألعاب للأطفال".
يتابع المدني أنه منذ أن ألغت بلاده حظر السفر على تركيا أخيراً سافر وعائلته ليتمتع بجمال وطقس تركيا، مشيداً باتساع حدائق وغابات إسطنبول. ولا يفوت الكثير من السياح والمقيمين فرصة لزيارة غابات إسطنبول، وقد يخصصون بعض الوقت لقضاء عطلة نهاية الأسبوع فيها وأحياناً التخييم، وفي مقدمتها غابة بلغراد التي تزيد مساحتها عن 5300 هكتار، ويعتبرها التركي سيرين أوراك رئة إسطنبول الأوروبية والآسيوية، لأنها تمتد على شطري المدينة وتسمى بالقسم الآسيوي غابة "ألم داغ". ويشير في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى محمية "البحيرات السبع" الشهيرة وتقع في ولاية بولو شمال غرب تركيا، في منطقة تغطي الغابات 65 في المائة من مساحتها. وتبعد المحمية 45 كيلومتراً عن مركز الولاية، واستقت اسمها من البحيرات السبع التي توجد فيها، وهي موزعة على هضبتين تعلو إحداهما الأخرى بـ 100 متر، ما أتاح الفرصة لتكوّن شلالات ذات منظر بديع.
يشار إلى أن المساحات الخضراء في تركيا تراجعت بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل عقدين من الزمن، أي قبل أن تشهد الولاية النهضة العمرانية والمشاريع الكبرى والتوسع إلى ما يسمّى إسطنبول الأولى والثانية والثالثة. وبنيت الضواحي الجديدة على حساب المساحات الخضراء والغابات.
ومنذ عام 1994، ومع وصول رجب طيب أردوغان إلى رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى أعلن عن مشروعه البيئي والعمراني والاقتصادي والمالي. وأحد أهم المشاريع تحويل خليج "القرن الذهبي" من مكب للنفايات إلى البقعة الأجمل والأكثر استقطاباً للسياح والمقيمين في الشطر الأوروبي من المدينة الساحرة.
ويقول الخبير البيئي يهري ايت إنّ التوسع العمراني غيّر وجه إسطنبول الأخضر خلال السنوات الأخيرة. وأظهر تقرير فقدان الولاية ربع أراضيها الزراعية وخمس مساحات الغابات خلال السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تراجع مساحات الغابات في المدينة من 285 ألف هكتار عام 1990 إلى 238 ألف هكتار عام 2021، ليتراجع نصيب الفرد من الأراضي الصالحة للزراعة في إسطنبول بنحو 35 في المائة (2.67 متر مربع للفرد).
يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "المشاريع الكبرى، وعلى أهميتها، أثرت على حقوق الأتراك والسياح. على سبيل المثال، فإن مطار إسطنبول الجديد وجسر يافوز سلطان وطرق مرمرة الشمالي بنيت على مساحة 100 كيلومتر من الغابات و9 كيلومترات من الأراضي الزراعية. أما قناة إسطنبول، وهو اسم مشروع تركي لممر مائي اصطناعي على مستوى سطح البحر، خططت له تركيا على الجانب الأوروبي، ويتراوح طوله ما بين 40 و45 كيلومتراً، فسيمر بمناطق خضراء. لكن "القناة ستغيّر وجه تركيا بعدما تصل البحر الأسود ببحر مرمرة، وبالتالي ببحري إيجة والمتوسط بقناة موازية للبوسفور".
في الوقت نفسه، يلفت إلى توجه تركيا خلال السنوات الأخيرة إلى استعادة ما فقدته من المساحات الخضراء، وخصوصاً إسطنبول. وعام 2020، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام يوماً وطنياً للتشجير في تركيا، ولم يكن الهدف استعادة المساحات المحترقة فقط، بل زيادة المساحات الخضراء ضمن مشروع "الوطن الأخضر" ليكون متمماً لمشروع "نفس المستقبل". وخلال العام الماضي، زُرعت 603 ملايين شجرة جديدة في البلاد، وكانت لإسطنبول منها حصة وفيرة. ورغم ما يقال عن انحسار المساحات الخضراء، ما زالت بالمقارنة مع المدن الكبرى أكثرها خضرة. ومن بين الغابات الشهيرة في البلاد:
غابة "بلغراد"
أنشئت عام 1949 على مساحة تتجاوز 345 هكتاراً، وتضم 2000 نوع من النباتات والأشجار النادرة، وتصنف بكونها أجمل المنتزهات في تركيا، وتمتاز بأشجارها المتنوعة التي قلما يمكن رؤيتها في أي غابة أو حديقة أخرى، وتعد مقصداً للمقبلين على الزواج والطلاب من مختلف الجامعات التركية والدولية، وخصوصاً أولئك الذين يجرون أبحاثاً عن النباتات والأشجار النادرة.
غابة "علم داغ"
تقع في الطرف الآسيوي من المدينة وتتبع لمنطقة "تشكمِه كوي"، هي غابة واسعة تمتد شرقاً وغرباً وتشرف بشكل مواز على الساحل الشمالي لبحر مرمرة، كما أنها قريبة من سد وبحيرة "عُمرلي". تتميز باتساعها وارتفاعها، وتعتبر من أعلى مناطق إسطنبول وتعرف بـ"القلعة"، وتشير بعض الروايات إلى أن السلاجقة وصلوا إلى حدودها وبنوا فيها قلعة من أجل فتح إسطنبول.
وتبلغ مساحة الغابة الخضراء 2000 دونم، وتحوي أنواعاً عديدة من الأشجار، منها أشجار قديمة، وتعتبر الغابة منبعاً مائياً مهماً، ويبلغ ارتفاعها 442 متراً.
حديقة "يلدز"
تمتد الحديقة على مساحة 36 هكتاراً وتعتبر غابة صغيرة داخل مدينة إسطنبول، وتحوي مئات أنواع الأشجار والنباتات والأزهار، لكن وجود قصر يلدز التاريخي ووقوعها على ضفة البوسفور من الطرف الأوروبي (حي بشكتاش) يعطيانها ميزات فريدة.
وكانت حديقة يلدز عبارة عن غابة صغيرة في العصر البيزنطي تسمى "غابة الغار"، وبقيت كذلك حتى العهد العثماني وتحولت إلى أرض صيد للسلاطين العثمانيين، قبل أن يبني السلطان عبد المجيد الثاني قصر يلدز لتتحول إلى حديقة أمامية للقصر يتم من خلالها استقبال ضيوف الدولة العثمانية والشخصيات المهمة. وأول مرة أطلق عليها اسم "حديقة يلدز" كانت في عهد السلطان سليمان القانوني.
وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني، أجريت إصلاحات واسعة، منها وضع نوافير مائية وشق أنهار اصطناعية واستحداث بحيرة داخل الحديقة.
وهناك الكثير من الغابات المهمة في إسطنبول، منها غابة "آيدوس" التي تقع على الجانب الآسيوي من إسطنبول، وتتبع منطقة "كارتال" في الجزء الشمالي للمنطقة، وتضم بحيرة جميلة. وهناك غابة "آيهان شاهنك سيفغي" الواقعة على الجانب الآسيوي من إسطنبول على ساحل البحر الأسود، وتمتد على مساحة 15 هكتاراً.
وتقع غابة "كَنْتْ أُورمَاني" على الجانب الآسيوي في منطقة "بيكوز" وصولاً إلى "أوسكودار"، كما تصل إلى حدود سد "إلمالي" ويمر في وسطها طريق جسر السلطان محمد الفاتح، الجسر المعلق الثاني الرابط بين شطري المدينة الآسيوي والأوروبي.
وهناك حديقة "بيبك"، وتعد إحدى أروع حدائق إسطنبول الواقعة على ضفاف البوسفور في "بيبك". وتضم ملاعب ومقاهي ومطاعم وعديداً من المحال التجارية التي تبيع الهدايا التذكارية للزوار والسياح. ولا يمكن نسيان غابة "أميرجان" التي تعرض فيها زهور الخزامى وتُقام فيها مهرجانات التوليب، وتتمتّع الحديقة بطبيعة خياليّة ذات إطلالات على مضيق البوسفور، وتحتوي على أكثر من مائة وعشرين نوعاً من الأشجار والنباتات النادرة، وتتحول في الربيع إلى مقصد سياحي مهم بسبب أزهار التوليب، كما باقي حدائق إسطنبول المهمة.
وتقع حديقة أميرجان في حيّ أميرجان التابع لبلديّة سارير، وتُعدّ مقصداً ترفيهيّاً للسّيّاح والمواطنين في إسطنبول قرب مجمع "استنيا بارك". وكان يطلق عليها في العصر البيزنطي غابة السرو، وقد بني داخل الحديقة ثلاثة أجنحة خشبية ما تزال موجودة حتى الآن، وهي الجناح الأصفر، والجناح الزهري، والجناح الأبيض.