بالنسبة إلى طلاب المرحلة النهائية للثانوية العامة في غزة كان عام 2021 الدراسي الأسوأ طوال مشوار 12 عاماً من التعليم، بعدما واجهوا الموجة الثانية لانتشار فيروس كورونا، وتعطيل المدارس وتقيّدهم بالتعليم الإلكتروني، وسط ظروف اقتصادية سيئة، وانقطاع التيار الكهربائي والإنترنت، وصولاً إلى اختتامه بعدوان إسرائيلي.
واجه خريجو الثانوية العامة موسماً دراسياً شكّل صدمة نفسية لهم، خصوصاً أنهم اضطروا إلى التوجه إلى قاعات الامتحانات بعد أسبوعين فقط من انتهاء العدوان الإسرائيلي، مع تجاهل مناشداتهم بتأجيلها بسبب حال الدمار والأزمة النفسية.
وبعد تخرّجهم زاد إحباط كُثر من مواجهة خيارات التخصصات التي تطرح مشكلات عدة، بينها انعدام فرص العمل في بعضها بعد التخرج في غزة، وعدم القدرة على دخول كليات محددة بسبب الرسوم المرتفعة، وهو حال آية حميد، التي نالت معدل نجاح بنسبة 91.4 في المائة، لكنها لن تستطيع تحقيق طموحها في التخصص بطب الأسنان في جامعة الأزهر، لأن معدل النجاح محدد بـ 92 في المائة، في حين أن أسرتها غير قادرة على دفع رسوم دخولها كلية أخرى.
وقد أصيبت حميد بإحباط بسبب سوء الظروف الاقتصادية وتوقف عمل والدها في مصنع خفّض عدد عامليه خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وافتقدت الحماسة الكبيرة التي يفترض أن تشعر بها بعد تخرّجها تمهيداً لدخول عالم الدراسة الجامعة الذي يعتبر هدفها الأساس، علماً أنها حصلت أيضاً على قبول في كلية الصيدلة في جامعة الأزهر بغزة، لكنها لا تملك رسوم الفصل الأول التي تشترط الجامعة دفعها ومقدارها 650 ديناراً أردنياً (916 دولاراً)، ما جعلها تجلس حزينة في البيت.
تقول حميد لـ "العربي الجديد": "اصطدمنا بمطبات ما بعد التخرج، وزالت فرحة الليلة الأولى لإعلان النتائج ومعرفتنا بإمكان التخصص في مجال مناسب لنا. نعيش مراحل سيئة؛ حيث لا ملامح لمستقبل لنا في غزة. انتشار صور العاطلين عن العمل في الشارع يجلب الإحباط، وما زلنا نواجه الحصار الخانق والفقر، ويضاف إلى ذلك مسألة تأمين رسوم الجامعات، بلا أي مراعاة للطلاب حتى من قبل المؤسسات الرسمية".
أمنية الخروج
من جهته، حصل سمير نايف على معدل نجاح 96 في المائة، الذي يسمح له بدراسة الطب في جامعات غزة، لكنه يشعر بإحباط شديد من تجربة شقيقه بشار الذي درس الطب في تونس، وعاد للعمل في غزة، حيث وجد واقعاً صعباً أجبره على قبول عقد عمل حكومي مؤقت مقابل 1200 شيكل (380 دولاراً) شهرياً، يعتبر أقل من الحد الأدنى في فلسطين، لكنه يعكس الوضع الخاص المتأزم في غزة والظروف الاقتصادية السيئة.
وينتظر سمير حالياً الحصول على منحة دراسية خارج غزة التي لا يرغب في العمل فيها إذا بقيت الظروف على حالها. كما لا يملك ثمن أقساط الفصل الدراسي الأول البالغة 1100 دينار أردني (1551 دولاراً)، وبات يشعر بقلق وخوف من عدم تحقيق حلمه بالدراسة في الخارج.
يصرح سمير لـ"العربي الجديد": "عدد كبير من المتخرجين بتخصصات مختلفة في صفوف العاطلين عن العمل. وأعتقد أننا سنكون مجرد رقم سيزيد على هذا العدد، ولن نضيف شيئاً إلى السوق المحلي. المشكلة أن الوضع لا يتغير، ننتقل من حصار إلى آخر، فكيف ندرس ويطلب منا المجتمع أن نكون جيلاً منتجاً، في حين أن الجيل الذي سبقنا منهار ويتخبط في البطالة. كل الظروف تجعلنا محبطين في اختيار تخصص منطقي لمستقبلنا، من هنا أرغب في الدراسة خارج غزة".
"كلنا محبطون"
أما إسراء اليماني فتشعر بأنها تائهة، إذ تعيش في منزل يضم خمسة متخرجين من جامعات عاطلين عن العمل، هم شقيقان نالا شهادات في اللغة الإنكليزية وكلية العلوم (قسم فيزياء)، وثلاث شقيقات تخصصن في التعليم التأسيسي واللغة الإنكليزية وتكنولوجيا المعلومات. ورغم رغبتها في دراسة هندسة البرمجيات بعد حصولها على معدل نجاح 89 في المائة، لكنها تشعر بإحباط كبير.
لم تغمر إسراء سعادة عارمة، كما حال شقيقها الأكبر نضال الذي نال معدل نجاح 85 في المائة قبل 11 عاماً، حين عمّت الفرحة حي تل الهوا، بل تشعر بضيق كلما ذكر أقاربها أو أحد جيرانها أن منزلها يضم خمسة خريجين جامعيين لا يعملون، في حين لا تخفي أن العدوان الإسرائيلي الأخير زاد من إحباطها. تقول لـ"العربي الجديد": "كلنا محبطون. أملك الحماسة لخوض تجربة الحياة الجامعية والخروج من تقاليد المدرسة والتنزه في أرجائها، لكن لا أمل كبيرا بعد انتهاء تخصصي في الهندسة. وشخصياً أتمنى أن يحصل أشقائي على عمل".