بات يسهل عثور الغزيين على هاتف خلوي من أي نوع عبر مواقع للتواصل الاجتماعي تعرض تفاصيل ميزاته وآليات شرائه والأسعار، وتتحدث أيضاً عن عيوبه أو تقارن مواصفاته بأخرى من أنواع مختلفة أو أكثر حداثة. ويتولى إدارة هذه المواقع شبان يعرضون هواتف مستعملة على مجموعات وصفحات على موقع "فيسبوك" أو أخرى متعددة، وغالبيتهم حديثو التخرج من الجامعات، وبعضهم حرفيون يعانون من البطالة.
ورغم ظروف الإغلاق والحصار الذي اشتد أخيراً، يجد شبان عاطلون من العمل في غزة وخريجون في بيع واستبدال وشراء هواتف خلوية على مواقع التواصل الاجتماعي فرصة جيدة لهم من أجل تحقيق مكاسب مالية. وقد أمضوا ساعات طويلة في البحث عن هواتف مستعملة، وتصميم إعلانات لعرضها وبيعها عبر مجموعات (غروبات) تضم أعضاءً كُثراً يبحثون عن شراء هذه الهواتف.
بعض الذين سلكوا طريق هذه المهنة المستحدثة احتاجوا إلى رأس مال بسيط ثمن أجهزة خلوية، بينما قرر آخرون العمل بنظام السمسرة عبر ترويج هواتف يحصلون عليها من أشخاص في محيطهم، وبيعها مقابل نسبة من قيمة البيع. لكنّ الملاحظ اليوم أنّ عدداً من المجموعات يبيعون أيضاً إكسسوارات هواتف، ويتبادلون الخبرات في التعامل مع برامج الهواتف الخلوية، وشرائها واستبدالها.
تخرج مهيب أبو سمعان (27 عاماً) قبل أربع سنوات في إدارة الأعمال والاقتصاد من جامعة "القدس المفتوحة" بغزة، وعمل بنظام عقد مؤقت مع حكومة غزة لمدة أقل من عام، ثم بقي عاطلاً من العمل لمدة ثلاث سنوات، لكنّ شغفه بالهواتف الخلوية قَاده بالصدفة إلى الاتجار بها، بعدما اشترى من أقاربه ثلاثة أجهزة من نوع "آيفون" مستعملة في حال جيدة عبر مجموعات بيع، ووجد طريقة مقنعة لجلب هواتف استناداً الى الطلب.
يقول أبو سمعان لـ "العربي الجديد": "اقتنعت بالكامل بفكرة الاتجار بالهواتف المستعملة بعدما اشتريت هاتفين حديثين من نوع سامسونغ من شخصين أرادا بيعهما لحاجتهما إلى المال، وبعتهما بسعر جيد بعد ثلاثة أيام. ثم أنشأت مجموعة خاصة بالهواتف المستخدمة على الإنترنت، حيث استطعت بيع وشراء عشرات من الهواتف الخلوية خلال عامين، بعضها في حالة جيدة وأخرى جديدة. وأعتقد بعد ممارستي هذه التجارة بأنّ الغزيين يحبون التكنولوجيا الحديثة بجنون، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة".
وفي بحث سريع أجرته "العربي الجديد" لمواقع بيع وشراء الهواتف الخلوية المستعملة، تبين وجود 25 مجموعة وصفحة على "فيسبوك" في غزة تنشر صوراً للهواتف ومنتجات ملحقة بها، وتتحدث عن الميزات والعيوب التي قد تكون خدشاً بسيطاً على الشاشة أو غيره. وتشهد المجموعات تفاعلاً كبيراً مع المنتجات والمعلومات التي تعرضها، وقد تتحوّل إلى مزادات تجري فيها مفاوضات على الأسعار.
إبراهيم أبو عطية (30 عاماً) الذي كان أوقف عمله في السباكة قبل ثلاثة أعوام بسبب الظروف الاقتصادية وسُرح من شركة مقاولات، قبل أن يعود أخيراً للعمل بمعدل يوم أو يومين أسبوعياً، يمضي غالبية وقته في البحث عن هواتف مستعملة قد يبيعها بصفته وسيطاً بين الشاري وصاحب الهاتف.
يقول أبو عطية لـ"العربي الجديد": "يتاجر شبان كُثر اليوم بالهواتف الخلوية، في حين استطاع قليلون فقط افتتاح محال، لكن الانفتاح على مواقع التواصل زاد الإقبال على هذه التجارة، وأصبحت مهنة بالنسبة إلى كُثر، وبات بعض ممارسيها معروفين. وأنا أتلقى طلبات من مكان سكني في حي الشيخ رضوان، وأماكن أخرى".
من جهته، يدير هاني أبو لطيف (36 عاماً) مجموعة على "فيسبوك" باسم "هواتف مستعملة للبيع أو الاستبدال" والتي أصبحت عالمه الخاص، وشجعت شقيقه محمد (25 عاماً) على دخول التجارة التي يستهدف فيها مع شقيقه زبائن من مخيم البريج والنصيرات وسط غزة، علماً أن هاني يقدم أيضاً نصائح عن مواصفات أحدث الهواتف المتوافرة وأكثرها استخداماً.
والى جانب البيع والاستبدال، يتاجر هاني بإكسسوارات هواتف يوصلها إلى مشترين في محيطه بمخيم البريج. وقد وجد في هذه التجارة مصدر رزق له بعدما ترك مهنة النجارة قبل ست سنوات، لكنه لا ينكر تعرضه لخسائر من عدم قدرته على إصلاح هواتف بسبب إغلاق المعابر ما يمنع توافر قطع غيار لها، علماً أن لا وكلاء لشركات الهواتف الخلوية العالمية في غزة بسبب الحصار الإسرائيلي.
يقول هاني لـ"العربي الجديد": "تجارة الهواتف المستعملة أوجدها الحصار الإسرائيلي الذي جعل الناس تميل إلى شراء كل شيء مستعمل في ظل تدهور الظروف الاقتصادية وتدني الرواتب".