استمع إلى الملخص
- الطفل آصف أبو مهادي أصيب بجروح خطيرة أثناء لعبه كرة القدم في غزة. نُقل مع والدته إلى فرنسا للعلاج، لكن الأم تعيش في قلق دائم على أبنائها الخمسة المتبقين في غزة.
- ماجد أبو شملة فقد والده في ضربة إسرائيلية على رفح. يعيش الآن في فرنسا مع والدته وأشقائه، لكنهم يشعرون بالقلق الدائم على الأهل والأصدقاء في غزة.
انقلبت حياة طارق أبو عيطة رأساً على عقب خلال ثوان قليلة عندما استهدفت غارات جوية إسرائيلية في بداية الحرب الحي الذي يقطن فيه في قطاع غزة. في 14 أكتوبر/تشرين الأول، بعد أسبوع واحد على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تسبّب قصف إسرائيلي بتدمير منزله العائلي المؤلف من طابقَين ومقتل والده حامد (77 عاماً)، وزوجته منتهى (37 عاماً)، ونجلهما إلياس (11 عاماً)، وابنتَي شقيقه ميرا (ثمانية أعوام)، وتالا (14 عاماً).
يقول أبو عيطة (42 عاماً) بينما تنهمر دمعة على خدّه وهو يستعيد على هاتفه المحمول صوراً لزفافه ولابنه في مدينة رين الفرنسية: "كلّ شيء راح". وأبو عيطة وابنه الثاني فارس (14 عاماً)، الذي نجا أيضاً من ذلك القصف، من الفلسطينيين القلائل الذين نُقلوا إلى فرنسا لتلقّي العلاج جراء إصابتهم خلال الحرب.
يضيف: "ليسوا مجرد أرقام، كلّ واحد من هؤلاء لديه أحباء وعائلة وذكريات". أُصيب أبو عيطة وابنه فارس بإصابات خطيرة أمام منزلهما حين طاولت الضربات مخيم جباليا للاجئين في وسط القطاع. وأصيب فارس بكسر كبير في الجمجمة أدخله في غيبوبة أكثر من ثلاثة أسابيع.
أولاد يلقون بالنار
بعد قرابة عشرة أشهر وفيما لا تزال القوات الإسرائيلية تقصف قطاع غزة، يتعافى كلاهما في فرنسا بعد تلقيهما علاجاً طبياً مكثّفاً. إلا أن الرعب لا يفارق أبو عيطة الذي اضطرّ إلى ترك ابنَين آخرين، هما جود البالغ عشرة أعوام وأحمد البالغ 15 عاماً، في القطاع المحاصر. ويقول: "ستكون كارثة إذا حدث لهما شيء. لم تعد لدي طاقة للتحمّل".
ويشير إلى أنه تلقّى وعداً بأن يتمكّن من التقدّم بطلب لإحضار ابنَيه إلى فرنسا بمجرّد حصوله على وضع لاجئ. غير أن الانتظار وألم القرار الذي اتخذه بتركهما في القطاع الفلسطيني المدمّر يقضيان عليه تدريجياً. ويقول أبو عيطة: "كان فارس يحتضر. لو بقيت في غزة لخسرته".
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أُصيب نحو تسعين ألف شخص في غزة في القصف الإسرائيلي، بحسب السلطات في غزة. ومن بين المصابين يومياً نحو عشرة أطفال يخسرون ساقاً أو اثنتين، بحسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول، كان آصف أبو مهادي (12 عاماً) يلعب كرة القدم أمام منزله في مخيم النصيرات للاجئين حين قُصفت المنطقة. ويقول وهو جالس على كرسي متحرّك ويضع وشاح كرة قدم فلسطيني على كتفيه قرب مستشفى يتلقّى فيه العلاج في ضواحي باريس: "اعتقدت أن هناك حجراً على رجلي. أردت رفعه فوجدت رجلي مقطوعة". وانتقل آصف مع والدته رجاء عبد الكريم أبو مهادي إلى فرنسا لتلقّي العلاج. غير أن الأمّ، التي فقدت زوجها حين كان آصف رضيعاً، لم تتمكّن من اصطحاب أبنائها الخمسة الآخرين، وهم إيناس (13 عاماً) وعائشة (15 عاماً) وأحمد (17 عاماً) ومؤيد (18 عاماً) ومحمد (20 عاماً).
تقول السيدة التي فقدت ثلاثة من أبناء أشقائها في الحرب إن القلق ينهشها في انتظار الحصول على وضع لاجئة. وتوضح: "أرى أولاداً يلقون بالنار وأخاف أن أسمع خبراً عن فقدان أولادي". وتشير إلى أن ابنها آصف الذي يعاني اكتئاباً شديداً لن يشفى بشكل كامل من دون إخوته.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها أجلت نحو 300 شخص من غزة منذ اندلاع الحرب، بينهم 15 طفلاً فلسطينياً مصابون ومرافقوهم، مشيرة إلى أن عدم تمكّن بعض أفراد العائلات من الذهاب إلى فرنسا غير مرتبط بطلبات اللجوء. وأوضحت أن ذلك يعود إلى كون "السلطات الإسرائيلية لم تسمح بذلك"، أو إلى أن معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر مغلق منذ مايو/ أيار الماضي.
لم يعد الناس يستغربون
كان ماجد أبو شملة (26 عاماً) خارج القطاع حين اندلعت الحرب التي تابعها عن بعد خلال الأشهر الأولى بينما كانت عائلته تحاول الخروج من القطاع الفلسطيني. تمكّن مذاك الحين من اللقاء بوالدته وأشقائه السبعة وابنة أحدهم البالغة ثلاثة أعوام في فرنسا. غير أن ضربة إسرائيلية على مدينة رفح بجنوب قطاع غزة قتلت، في 13 ديسمبر/ كانون الأول، والده أحمد أبو شملة الذي كان موظفاً قنصلياً في المعهد الفرنسي في غزة.
ويُظهر ماجد مقطع فيديو يتضمن رجالاً يُخرجون جثة والده من تحت الركام وبدا رأسه مجروحاً. وكان أحمد أبو شملة قد حصل في الشهر السابق للضربة على إذن بمغادرة غزة مع جزء من عائلته، لكنه أراد البقاء حتى السماح لأربعة من أبنائه بالخروج أيضا.
وتمكّن الأربعة، بينهم اثنان أُصيبا في الضربة نفسها التي قتلت والدهما، من المغادرة في نهاية ديسمبر الماضي. وتقيم العائلة اليوم في منطقة باريس، غير أن ماجد أبو شملة يؤكد أن المضي قدماً في الحياة أمر بغاية الصعوبة. ويقول مهندس البرمجيات: "نعيش جسدياً في فرنسا ونحاول التعايش مع ذلك، لكننا مسمّرون أمام نشرات الأخبار طوال اليوم". ويشير إلى أن الحرب خطفت منه أيضا زوج خالته وأبناء عمته الثلاثة، فيما توفيت جدّته لوالده قبل ثلاثة أسابيع تقريبا بسبب شحّ الأدوية في قطاع غزة. ويقول إنه فقد الاتصال بمعظم أصدقائه في المدرسة والجامعة. ويعتقد أن نحو 20 منهم قد قتلوا. يضيف: "لم يعد الناس يستغربون إن كنتَ ميتا أم حيا. الوضع سيئ لهذه الدرجة".
(فرانس برس، العربي الجديد)