خرجت فايزة صياح من بلدة السميرية في فلسطين مع عائلتها على أمل العودة، لينتهي بها المطاف تعيش حياة كاملة في مخيم للاجئين في لبنان.
هُجّرت من فلسطين وهي في السابعة من عمرها، واليوم تشارف على الثمانين وهي ما زالت لاجئة في لبنان. لم تتعلّم، لأنّها عندما خرجت من فلسطين كانت صغيرة، وعندما استقرّت في لبنان مع عائلتها كان قد فاتها قطار التعلّم.
الحاجة فايزة يوسف صياح، من بلدة السميرية بفلسطين، تقيم اليوم في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، جنوب لبنان. تقول فايزة: "لقد خرجت من السميرية وأنا في السابعة من عمري، مع أختي التي تكبرني بخمسة أعوام وأختي التي كانت تبلغ حينها شهرين من العمر، وأبي وأمي". تتابع: "كانت لنا أراضٍ زراعية واسعة كنّا نعتاش منها، وخيول. فقد كان يتم حينها نقل البضائع على الخيل، من عكا إلى حيفا".
تروي الحاجة فايزة قصة لجوئها، فتقول: "لقد كان أبي وأمي من الأشخاص الذين تسلّحوا في زمن الحرب ضدّ العدو الصهيوني، وشاركوا في العمليات العسكرية ضدّه، لكن لم تكن الأسلحة متوفّرة بشكل كافٍ، فكان كلّ شخصين أو ثلاثة يستعملون بندقية واحدة". وتضيف: "اشتدّت المناوشات وبدأ الصهاينة يستولون على البلدات الفلسطينية، عندها قال أبي: (لم يعد باستطاعتنا البقاء في هذا البلد). حملنا أغراضنا، وأمتعتنا، وملابسنا، وتوجّهنا نحوعكا. مكثنا في عكّا حوالي الشهرين، وهناك تركنا والدي وذهب مع الفدائيين للمشاركة في المقاومة ضد العدو الصهيوني، وظلّ يقاوم مع رجال المقاومة حتى آخر طلقة كانت بحوزتهم. بعد نفاد ذخيرتهم، توجّهوا نحو لبنان، ولم نكن نعلم بالأمر، إلى أن أتت سيدة إلى مكان وجودنا وأخبرت أمي بأنّ والدي مع الفدائيين في لبنان. صرنا نبكي جميعاً، وكثر الكلام، فالبعض كان يطلب منّا البقاء في عكا، وآخرون طلبوا منّا تركها والتوجه إلى لبنان لنجتمع بأبي.
تتابع الحاجة فايزة قائلةً: "كنّا في ذلك الوقت في بيت جدي الكائن في عكا، فحدّثت أمي عمي بأمر ترك فلسطين، فطلب منها اللّحاق بأبي، لكننا وأمي كنّا نرفض هذا الأمر لأننا أردنا البقاء في بلادنا. لكن في نهاية الأمر، قرّرت أمي اللّحاق بأبي، وكان معها الكارة (ما يُجمَعُ ويُشَدُّ ويُحمَلُ على الظهر من طَعام أَو ثِياب)، وحملتنا عليها، وحملت معها ذهبها ونقودها. وفي ذلك الوقت كان اليهود يفتشون النساء، وحتى لا ينفضح أمر الذهب والمال ويسلبوننا إياهما، وضعتهما أمي في إزار وربطته على خصر أختي التي كانت تبلغ من العمر شهرين، وتركنا عكا مع خالتي وعائلتها".
وتقول: "أنا وأختي وعائلة خالتي نزلنا في بلدة كفرياسيف ونمنا فيها. طيلة الليل كنت أبكي أريد اللحاق بأمي، وقد نمنا وقتها على الأرض، في مكان صخري. في اليوم التالي تأكدّت من الإزار الملفوف حول خصر أختي، وتوجّهنا بعدها نحو جنوب لبنان. عندما وصلنا إلى الحدود اللبنانية كان أبي موجوداً هناك، فاصطحبنا معه إلى صور. لم نأتِ بملابسنا من عكا، لأننا كنّا نظنّ أننا سنعود إلى بيوتنا. وقد كان عندي فستان وصندل أحمر، رحت أبكي عليهما، لأنني لم أستطع إحضارهما معي".
وتواصل رواية القصة: "عندما وصلنا إلى لبنان، مكثنا في صور حوالي الشهر، ومن ثم انتقلنا إلى مخيم الرشيدية، وبعدها رحّلونا إلى مدينة صيدا، جنوب لبنان، إلى منطقة التعمير المحاذية لمخيم عين الحلوة. في بداية الأمر لم تكن هناك شوادر لنسكنها، فجمعونا في الساحة، وبعدها أحضروا الشوادر وبدأوا بنصبها. عشنا في الشوادر، وفي إحدى السنوات تساقط الثلج بكثرة فغرقت الأرض بالمياه، وطارت الشوادر. في تلك الفترة كانت الأونروا توزّع الإعاشات على الناس. حالنا المادي كان أفضل من الآخرين، لأنّ أمي استطاعت تهريب النقود والذهب، لكن على الرغم من ذلك، بدأ أبي آنذاك بالبحث عن عمل. عمل أبي حينها في استلام ورش البناء والزراعة. كان يعمل مقاولاً، وأرسل أبي البنات إلى العمل، وكانت أجرة الواحدة منّا ليرة لبنانية واحدة في ذلك الوقت. اِشتغلنا، وأنا واحدة منهن بالزبل، والزراعة، وبالرمل. وكنا نعيش على قدر استطاعتنا. وعندما بلغت التاسعة عشرة من عمري، تزوّجت، وأنجبت ستة صبيان وأربع بنات". وتختم الحاجة صياح قائلةً: "بنينا في المخيم، وعشنا فيه حياتنا بعدما تركنا وطننا وبيوتنا وأرضنا ليحتلّها المحتلّون ويعيشوا بأملاكنا".