كبيرة هي معاناة مرضى الفشل الكلوي في السودان وتتضاعف يومياً، ولعلّ ما تعيشه إسلام (15 عاماً) دليل على ذلك. يخبر والدها عثمان أبو إسلام، من مدينة عطبرة، شمالي السودان، أنّ ابنته أصيبت بالفشل الكلوي نتيجة ضمور في الكليتَين، وقد تلقت جلسات غسل كلى بواقع مرتين في الأسبوع، قبل أنّ يقرر الأطباء لاحقاً إجراء عملية زرع كلية لها. أبرز العقبات التي واجهها عثمان وابنته ضعف الخدمات الطبية المقدمة لمرضى الفشل الكلوي في مدينتهما، ما دفع العائلة إلى تغيير مكان الإقامة والانتقال إلى العاصمة الخرطوم بغية تأمين علاج أفضل لابنته، على الرغم من غلاء المعيشة هناك. وبالفعل وجد خدمات علاجية أفضل في المرحلة الأولى لكنّ الأمور ما لبثت أن تغيّرت إلى الأسوأ.
تفيد الإحصاءات الأخيرة الخاصة بمرضى الفشل الكلوي والصادرة عن المركز القومي لأمراض وجراحة الكلى، وهو مركز يتبع لوزارة الصحة السودانية، بأنّ إجمالي عدد المصابين في خلال الربع الأول من العام الجاري بلغ 12 ألفاً و500 مريض، أي ما يعادل 250 مريضا لكل مليون نسمة، وهو رقم مماثل للمتوسط العالمي. توضح الإحصاءات نفسها أنّ 800 مريض من العدد الكلي يخضعون إلى علاج عبر الاستصفاء الدموي (غسل الكلى) و80 مريضاً يعالجون بغسل الكلى الصفاقي (نوع من أنواع غسيل الكلى الذي ينطوي على استخدام الصفاق أو بطانة البطن في تصفية الدم والتخلص من الفضلات والأملاح والماء الزائد، ويمكن إجراؤه في المنزل أو مقرّ العمل أو خلال السفر)، في حين يعيش نحو أربعة آلاف و300 مريض معتمدين على كلية مزروعة.
ويؤكّد القائمون على المركز أنّه وعلى الرغم من التحديات والصعوبات التي تمرّ فيها البلاد، فإنّه يضطلع بالدورالمنوط به في العناية بمرضى الكلى، وذلك من خلال تقديم خدمات غسل الكلى وغسل الكلى الصفاقي وزرع الكلى وتوفير أدوية المناعة للمصابين بالتهاب كبيبات الكلى، متعهّدين العمل مع بقية الولايات لاستكمال بعض النواقص في المراكز التي لم تبدأ العمل بعد. يُذكر أنّ في السودان 98 مركزاً لغسل الكلى، مع ألف و282 ماكينة و98 محطة عاملة، فيما يقتصر عدد مراكز الزرع على ثلاثة فقط كلها في الخرطوم، وتحديداً في مستشفى سوبا الجامعي ومستشفى أحمد قاسم ومركز الشهيدة دكتورة سلمي.
في سياق متصل، تصل تكلفة عملية زرع كلية واحدة إلى نحو ثلاثة آلاف دولار أميركي، وخلال الربع الأول من العام الجاري أجريت 84 عملية زرع، في حين يوفر المركز القومي لأمراض وجراحة الكلى الأدوية للمرضى الذين خضعوا لزرع الكلى وللمصابين بأمراض الكلى المناعية، ويقدّم الأدوية المثبطة للمناعة ومستلزمات غسل الكلى ومستلزمات غسل الكلى الصفاقي. ويحذّر المركز من نقص بعض الأدوية، ما يشكل خطراً على المرضى.
من جهته، حسن هو والد طفل مصاب بالفشل الكلوي، وقد فضّل عدم الكشف عن اسمه كاملاً. يشكو لـ"العربي الجديد" من أنّ "المسافة التي يقطعها المرضى إلى مراكز العلاج تشكّل هاجساً بالنسبة إلى العائلات"، مطالباً بـ"إمداد المراكز بسيارات هدفها نقل المرضى، خصوصاً مع ارتفاع تعرفة المركبات العمومية". يضيف أنّ "ثمّة أعباء إضافية على العائلات التي يُصاب أحد أفرادها بالفشل الكلوي، لا سيّما الفقيرة منها، إذ يفرض الطبيب على المريض نظاماً غذائياً مكلفاً مادياً"، ويطالب بالتالي بـ"توفير مساعدات مالية من قبل الدولة، خصوصاً أنّ منظمات خيرية كانت تتكفل بذلك لكنّها تواجه في الفترة الحالية انخفاضاً في أعداد المتبرعين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد".
تجدر الإشارة إلى أنّ الدولة تتحمّل تكلفة عملية زرع الكلى، إلا أنّ المستفيدين يواجهون في المقابل عقبات في إجراء الفحوصات التي تطلب منهم مثلاً قياس مستوى تركّز دواء "تاكروليموس" (بروغراف) الذي يُستخدم بعد إجراء عمليات زرع الأعضاء بهدف خفض مناعة جسم الإنسان الذاتية وتقليل رفض الأعضاء المزروعة. بالإضافة إلى ذلك يُطلب من العائلة تجهيز شقة معقّمة لمدّة تتراوح ما بين ثلاثة وستّة أشهر للمريض الخاضع لعملية زرع، حتى لا يتعرّض إلى أيّ مضاعفات، علماً أنّ بدل إيجار شقة لا يقلّ عن 80 ألف جنيه سوداني (نحو 210 دولارات أميركية) في المناطق القريبة من المستشفيات، وهو ما يمثل عبئاً إضافياً على العائلات الفقيرة.