وسط أزمات العراق الاقتصادية، تتزايد أعداد الفقراء فيه. إلى جانب ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في مقابل الدينار العراقي، يؤدّي تعطّل المصانع المحلية منذ عام 2003 إلى ارتفاع مستمر في أعداد العراقيين العاطلين من العمل. كذلك تؤثّر الأزمات السياسية والأمنية على واقع العراقيين المعيشي كذلك. لكنّ المفارقة تكمن في أنّ الفقراء أنفسهم يشاركون في حملات تكافل تقدّم الدعم للفقراء في مختلف مناطق البلاد.
تفيد بيانات الحكومة العراقية بأنّ نسبة الفقر في عام 2022 ارتفعت إلى 25 في المائة من بين إجمالي عدد السكان، لكنّ مراقبين يشكّكون في هذه النسبة ويرون أنّ الرقم المعلن أقلّ من الواقع، لا سيّما في المدن المنكوبة شمالي البلاد وغربيها التي شهدت معارك طاحنة في الأعوام الماضية لطرد مسلحي تنظيم داعش، بالإضافة إلى مدن الوسط والجنوب التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة، والحال نفسها في إقليم كردستان العراق بالشمال حيث تزداد الحياة صعوبة نتيجة الوضع المعيشي المتردّي.
ويوفّر العراق رواتب مالية ومعونات شهرية للعاطلين من العمل والأرامل والأيتام، علماً أنّ قيمة الراتب الواحد لا تزيد على 80 ألف دينار عراقي (نحو 120 دولاراً أميركياً)، وهو مبلغ لا يغطّي معيشة الفرد العراقي لمدّة أسبوع، الأمر الذي يدفع منظمات المجتمع المدني وحراكات إغاثية يقودها ناشطون إلى جمع المساعدات من الميسورين لتوفير سلال غذائية وملابس واحتياجات للنساء والأطفال، فيما يساهم بعض الفقراء في التبرّع بما يتوفّر لديهم من ملابس قديمة وفرش على سبيل المثال، أو يقتسمون بعضاً من المواد التي توفّرها البطاقة التموينية (المواد الغذائية المدعومة من الدولة).
يقول عبد العزيز علاء العضو في جمعية "الرحمة" التي تُعنى بمساعدة الفقراء، ومقرّها بغداد، إنّ "المساعدات الحكومية التي توفّرها الدولة لهؤلاء لا تكفيهم، وهي تساوي قيمة مواد غذائية قد تكفي لخمسة أيام أو أسبوع في أفضل الأحوال". ويشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "منظمات المجتمع المدني، تحديداً تلك المتخصصة في الإغاثة والتنمية، كانت قد طالبت بصفتها الرسمية، إذ إنّها مسجّلة في دائرة المنظمة التابعة لرئاسة الوزراء، بضرورة زيادة المبالغ المخصصة للفقراء، لكنّ الحكومات لا تستمتع لهذه المناشدات".
يضيف علاء أنّ "من المفارقات الغريبة التي تدفعنا إلى التعاطف كثيراً مع الفقراء أنّ ثمّة عائلات متعففة تساهم في التبرّع عندما نعمد إلى جمع تبرّعات. فتقدّم معونات بسيطة، من قبيل قليل من زيت الطبخ الموزّع في الحصص التموينية، أو الأرزّ والطحين، أو الملابس القديمة". ويبيّن علاء أنّ الفقراء يحتاجون إلى كلّ شيء، لذلك يعلمون ما يحتاجه سواهم، وهو "ما يجعلنا أمام موقف إنساني استثنائي".
من جهتها، توضح هبة الكتبي، المسؤولة عن مجموعة تطوعية لمساعدة الفقراء والنازحين، أنّ "الموظفين وذوي الدخل المتوسط هم الأكثر تبرّعاً للفقراء، وفي إمكاننا أن نعدّهم أساس مساعدة الفقراء. وفي بعض الأحيان، تتخطّى تبرّعاتهم تلك التي يقدّمها ميسورو الحال أو الأغنياء". تضيف الكتبي لـ"العربي الجديد" أنّ "الفقراء يقدّمون بعضاً ممّا يملكون، ويكون ذلك في العادة أشياء بسيطة جداً لكنّها تمثّل فارقاً كبيراً في التبرّعات".
وتلفت الكتبي إلى أنّ "الفقر في العراق أمر معيب، وحتى حملات التبرّع التي نروّج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تساهم في إيصال رسائل غير محبّبة عن بلادنا الغنية. وثمّة أفراد عرب وأجانب يوجّهون لنا رسائل يعبّرون فيها عن استغرابهم من كون العراقيين فقراء، على الرغم من الخيرات وكميات النفط الكبيرة فيه"، وتقول إنّ "الفقراء في العراق في تزايد مستمر بسبب المشكلات السياسية التي تترك آثاراً كارثية على شرائح كثيرة في البلاد".
بدوره يؤكد العضو المستقل في البرلمان العراقي هادي السلامي "تزايد فقراء العراق"، شارحاً أنّ "حملات التبرّع تكشف لنا الاحتياجات الأساسية لهذه الشريحة التي لم تعد تطلب خدمات من قبيل الكهرباء والسكن، بل وصلت إلى مرحلة، حاجتها الأساسية فيها هي الطعام". ويشدّد السلامي لـ"العربي الجديد" على أنّ "فقراء العراق في حاجة إلى وقفة جادة من قبل الحكومة والبرلمان مع تمكين المنظمات الداعمة، بالإضافة إلى إيجاد حلول جذرية لمشكلاتهم وليس ترقيعية من خلال الرواتب الضئيلة".
وفي منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، أطلق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حملة وُصفت بـ"الكبرى" للبحث الاجتماعي الميداني، بمشاركة ألفَي باحث من هيئة الحماية الاجتماعية في وزارة العمل، تستهدف مليوناً و746 ألفاً و86 عائلة تقدّمت بطلبات إلكترونية لاشتمالها بمخصصات الإعانة الاجتماعية.
وبحسب بيان رسمي صادر عن الحكومة العراقية، فإنّ "الحملة جاءت في سياق التزام حكومة السوداني ببرنامجها الحكومي الذي يتضمّن "دعم الفئات الهشّة والفقيرة من المجتمع، والتخفيف من معاناتها، وتوفير سبل العيش الكريم لها، والحدّ من الفقر، ومعالجة آثار الأزمات الاقتصادية".
وفي سياق متصل، يتوقّع المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي "ارتفاع نسبة الفقر في البلاد، مع أكثر من 10 ملايين مواطن في عام 2023 الجاري"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أنّ "أزمة كورونا الوبائية ما زالت تؤثّر على الفقراء، بالإضافة إلى مشكلات اقتصادية المرتبطة بتراجع قيمة الدينار العراقية".
لكنّ خبراء ومراقبين عراقيين يشيرون إلى أنّ "سوء الإدارة والفساد وإخفاق الحكومات المتعاقبة في جلب الاستثمارات وتوفير فرص العمل المناسبة لأعداد متزايدة من الشباب الذين يمثلون النسبة الكبرى من تعداد السكان، وغير ذلك، ساهمت في زيادة الفقر".
وعلى الرغم من أنّ العراق يُعَدّ من البلدان الغنية بالنفط، فإنّه يعاني في الوقت نفسه من ارتفاع مستمرّ في نسب الفقر، وسط وعود حكومية باتخاذ إجراءات للمعالجة، إلا أنّها لم تحقّق أيّ نتائج تذكر. وكان آخر إحصاء حكومي عراقي في هذا السياق قد كشف أنّ تسعة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر، فيما يستفيد نحو ثلاثة ملايين فقط من المعونات المادية التي تقدّمها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وبحسب بيانات برنامج الأغذية العالمي، فإنّ مليونين و400 ألف شخص في العراق في حاجة ماسة إلى الغذاء.