قادة الصين... شعر أسود في التسعين

29 يوليو 2021
قادة الصين وهيبة الشعر الأسود (غريغ بايكر/ فرانس برس)
+ الخط -

في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، اجتمع قادة الصين في قاعة الشعب الكبرى في العاصمة بكين، من أجل تكريم جهود بذلها أعضاء بارزون في الحزب الشيوعي في مجالات مختلفة. وتقدم الحاضرين الرئيس شي جين بينغ، ورافقه أعضاء اللجنة الدائمة في الحزب التي تعد أعلى سلطة في الدولة. بعيداً عن المناسبة التي تزامنت مع احتفالات الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وترافقت مع خطابات وعروض ونشاطات متنوعة على مدار ثلاثة أيام، كان لافتاً ظهور ممثلي النخبة السياسية بحلة متشابهة ليس فقط في الملامح والملابس، بل أيضاً في لون الشعر الأسود الداكن، رغم تجاوزهم جميعهم سن الـ60. وباعتبار أن الحزب الشيوعي الصيني أحد أكثر الكيانات السياسية انضباطاً، لا يمكن أن يكون ذلك مجرد صدفة بحتة، إذ يعتبر مراقبون أن إطلالة الشعر الأسود لأعضاء الحزب التزام سياسي بالدرجة الأولى يهدف إلى إظهار قوته وحيويته، علماً أن الشعر في الثقافة الصينية يرمز إلى السلطة باعتباره يوجد في أعلى الرأس. واللون الأبيض يشير إلى الكهولة، والأسود إلى الهيبة والتماسك والصلابة. واللافت أن الحزب الشيوعي الصيني يطبق تقليد حرمان أعضاء سابقين أدينوا بقضايا فساد وجرّدوا من رتبهم ومناصبهم من صبغة الشعر، وظهورهم بالتالي أمام عامة الشعب بشعر أشيب، والذي يمثل أيضاً عقوبة تعادل المشي عارياً. في المقابل، يرى مراقبون آخرون أن حرص قادة الحزب على صبغ شعرهم باللون الأسود ليس ظاهرة عامة، باعتبار أن معظم الرجال في المجتمع الصيني يهتمون بمكافحة الصلع أكثر من الشيب، وأن عادة صبغ الشعر تقتصر على النساء، لذا يستنكر هؤلاء تصرف القادة، ويسألون عن أسبابه.

قضايا وناس
التحديثات الحية

رسائل سياسية
تقول الخبيرة في مجال البروتوكول، تسان لي يوان، لـ "العربي الجديد"، إن "قادة الحزب الشيوعي يطبقون تقليداً قديماً بدأ خلال عهد الزعيم الراحل ماو تسي تونغ الذي كان يحرص دائماً على ارتداء بدلة رمادية اللون اعتبرها البعض حينها رمزاً ماركسياً لمناهضة الإمبريالية". وتتابع: "هناك حاجة اليوم لاستخدام رموز في توجيه رسائل داخلية. والتدقيق في مظهر القادة يوصل هذه الرسائل، ولون الشعر الأسود الواحد أحد هذه المظاهر، على غرار الوزن المتقارب وشكل البدلات الرسمية ولونها وربطة العنق الموضوعة". وتوضح أن مسألة الاهتمام بلون الشعر الأسود لدى القادة ظهرت في شكل واضح خلال ولاية الرئيس الحالي شي، ما جعله أشبه بالتزام سياسي يفسر أيضاً إطلالة الرئيس السابق جيانغ زيمين، في مناسبة حزبية، بشعر أسود بالكامل رغم أنه تجاوز سن التسعين. وفي شأن تفسيرات هذه الظاهرة، ترى تسان أن "الأمر قد يرتبط برغبة القادة في الظهور بمظهر الشباب القادر على الإدارة والضبط والمتابعة، والتي يرتكز عليها عمل حزب يقود 1.4 مليار نسمة. كما قد يعكس ذلك مبادئ الانضباط والتوافق والتكافؤ المهمة في القيم الاشتراكية التي يتبناها الحزب ويدعو الشباب إلى الاقتداء بها. أما السبب الأكثر منطقية فهو محاولة إظهار الحزب كمؤسسة جماعية موحدة تخلو من أي تمييز، ولا تعمل لتكريس وتركيز السلطة في يد رجل واحد". 

الشعر الأسود للرئيس الصيني أحد رموز تحدي الإمبريالية (آدم بيري/ Getty)
الشعر الأسود للرئيس الصيني أحد رموز تحدي الإمبريالية (آدم بيري/ Getty)

من جهته، يقول الطالب في جامعة بكين للدراسات الأجنبية، تشو وانغ، لـ "العربي الجديد": "أفهم حرص النخبة السياسية على الظهور بشعر أسود، من أجل منح الشعب مزيداً من الثقة بالقيادة، علماً أنني لا أتخيل رؤية الرئيس الصيني بشعر أبيض يشبه رجلاً عاجزاً وغير قادر على إدارة الدولة". ويستبعد تشو "علاقة مظهر الشعر بترف السياسيين ومزاجهم العام، بل يهدف إلى نقل صورة الدولة القوية وهيبة القيادة". ويتطرق إلى فكرة متطرفة يرددها البعض تفيد بأن "القادة استثنائيون، ولا يجب أن يظهروا كأنهم يواجهون مشكلات مثل أي شخص عادي، ما يحتم تمييز مظهرهم، وتجنبهم القواسم المشتركة بين البشر، وأحدها الشيب".

زوال النعمة
ومثلما يدل لون الشعر الأسود على الهيبة، يتحول الحرمان من صبغة اللون نوعاً من عقوبة تطبق داخل الحزب. وفي عام 2013، تفاجأ الصينيون بظهور عضو اللجنة الدائمة في الحزب وزير الأمن العام السابق يو يونغ كانغ الذي أدين بقضايا فساد وحكم عليه بالسجن المؤبد بشعر أبيض خلال محاكمته، ما خالف الصورة التي اعتادوا أن يروه فيها.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتكرر ذلك مع مسؤولين آخرين أدينوا بقضايا فساد في إطار حملة شنها الرئيس الصيني شي عام 2013 من أجل تطهير الحزب. وكان أبرزهم عضو المكتب السياسي بو شيلاي الذي ظهر أيضاً أثناء المحاكمة بشعر أبيض. ويقول مراقبون إن "هذا الإجراء مقصود بهدف نزع الهيبة والسلطة ممن ثبت تورطهم بقضايا اختلاس ورشوة، ما يعني أن الشعر الأبيض بات يدل على تراجع المكانة وزوال النعمة، وخروج المسؤولين الصينيين من مظلة الحزب، وهو ما ينطبق على المتقاعدين أيضاً". 

المساهمون