قبل 73 عاماً، وفي مثل هذه الأيام من شهر يوليو/تموز، احتلت مدينة اللد الفلسطينيّة قواتٌ إسرائيلية يقودها موشيه دايان ويغئال ألون، واللذان أصبحا من رجال السياسة لاحقاً. احتلال اللد دُرس وخُطط له في شهر مايو/أيّار 1948.
كانت الخطّة تهدف إلى احتلال أربعة مواقع، وهي اللد، والرملة، واللطرون، ورام الله. فشل "جيش" الاحتلال في نصف المهمّة، لكنه حقق النصف الأوّل، إذ حوّل سكّان مدينة اللد وقراها إلى لاجئين بين ليلة وضحاها، وقتل ما يقارب ألف فلسطيني في الفترة بين 10 و18 يوليو/تموز 1948، وهجّر الآلاف إلى رام الله.
قبل سقوط مدينة اللد، شهدت قرى يافا نكبة قاسية، وتشتّت عشرات الآلاف من سكانها، ووصل أغلبهم إلى اللد، لتتحوّل إلى مدينة مكتظة، يصل عدد سكانها إلى ما يقارب خمسين ألفا بين شهري مايو ويوليو.
استغل "جيش" الاحتلال الهدنة التي عيّنها مجلس الأمن، في العاشر من يونيو/حزيران 1948، من أجل تعزيز قوّاته، وتجنيد أكبر عدد لاستكمال القتال، وتشريد الفلسطينيين العُزّل الذين تُركوا وحدهم في الميدان من دون حماية عربيّة أو أجنبيّة. بعد انتهاء الهدنة الأولى، شنّ الاحتلال هجمات عدة على مدينة اللد وقراها، وطوّق المدينة في 11 يوليو، وفي اليوم التالي أعلن حظر التجوّل في المدينة التي كان أهلها يقاومون بضراوة، الأمر الذي دفع الاحتلال إلى ارتكاب مجازر في المدينة، ولا سيما في مسجد "دهمش".
ونظّمت جمعيّة "ذاكرات" التي تعمل على تخليد ذكرى النكبة الفلسطينيّة، جولة ميدانيّة في مدينة اللد، بالتزامن مع ذكرى سقوط المدينة، وانطلقت الجولة من "سبيل صبيح"، وشرح المسؤول عن الجولات الميدانيّة، عمر الغباري، تاريخ اللد القديم والحديث، قبل الانتقال إلى شارع الملك فيصل، وتحديدا موقع بيت عائلة المناضل جورج حبش، والذي لم يتبق منه حجر واحد، وذكر الغباري أن جورج حبش كان عمره 18 سنة أثناء احتلال اللد، وساعد الطواقم الطبيّة قبل سقوط المدينة، وتشريد غالبيّة أهلها، وهو منهم.
ووقف الغباري في ساحة فارغة ليشرح للمشاركين أن "أغلب الظن بأن هذه الساحة هي مقبرة جماعيّة دُفن القتلى فيها بشكل سريع من قبل أهالي اللد، ويُعتقد أن ما يقارب مئتين وخمسين شخصاً ممن قتلهم الاحتلال متعمداً أثناء الاعتداء على المدينة، وذلك من أجل ترهيب السكّان، وإجبارهم على المغادرة بأسرع وقت ممكن".
ووقف الغباري أمام مبنى بلديّة اللد الفلسطينيّة المهجّرة، والذي ما زال قائما، وسرد واقعة زيارة الأمير عبد الله بن الحسين، عام 1946، وعدم رضا أهالي اللد عن هذه الزيارة بسبب موقف الأمير من القضيّة الفلسطينية، وهتاف الأهالي بشعارات مناصرة للحاج أمين الحسيني، ممّا أزعج الأمير الأردني، وجعله يترك البلديّة غاضبًا.
وبالقرب من المكان هناك كنيسة مار جرجس للروم الأرثوذكس، ويحدّها الجامع العمريّ الذي بني في عام 1260، من قبل السلطان الظاهر بيبرس، وهذه المنطقة شهدت النكبة بحذافيرها، إذ يحدّها المستشفى الكبير الذي حاول طواقمه إسعاف المصابين في المعارك التي سبقت احتلال المدينة، وبعدها سُمح لبعضهم بالبقاء لمعالجة الجرحى والمرضى، ومع الوقت، رفض الاحتلال استمرار عمل المستشفى، وأُغلق كي لا يبقى أي أثر فلسطيني في المدينة المنكوبة.
محو البلدة القديمة
وسكن أهالي اللد الذين لم يُهجروا بعد سقوط المدينة في منطقة كنيسة مار جرجس والجامع العمري، ومن وقتها سميّت المنطقة بـ"الغيتو" لأن "جيش" الاحتلال فرض عليهم حكمًا عسكريًا قاسيًا ومذلاً مثلما حصل في سائر المدن الفلسطينيّة التي جرى احتلالها.
منذ خمسينيات القرن الماضي، حاولت بلدية اللد أن تطمس كل أثر فلسطيني في المدينة، وبالفعل هُدمت غالبية المعالم القديمة، ولم يتبق سوى بضعها، مثل الجامع، والكنيسة، والدير، وخان الحلو، ومصبنة الفار، وبعضها يعود تاريخه إلى مئات السنوات، الأمر الذي يزعج الاحتلال الذي ينكر الوجود الفلسطيني، ويسعى دائمًا إلى طمس معالمه لكي يعزز كذبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
يذكر أن المصبنة والخان في حالة مزرية، ولا يمكن ترميمهما بسبب الإهمال المتعمّد من قبل بلدية اللد على مدار السنوات الماضية، والموقعان حاليا محاطان بسياج، ولا تجري صيانتهما.
مجزرة مسجد دهمش
حصل هذا العمل الوحشيّ حين أشاع "جيش" الاحتلال أن أحد المجاهدين ألقى قنبلة على إحدى دورياته، ممّا أدّى إلى دخول جنود الاحتلال إلى المسجد، وقتل جميع من كانوا بداخله، ويقارب عددهم 160 شهيدا، وبعدها لم يسمح الاحتلال بدفن الضحايا إلا بعد أن تأكّد أن المدينة خالية من المقاومين، كما أُغلق المسجد لـ49 سنة، وحتى يومنا هذا لم يعتذر الاحتلال عن ارتكاب هذه المجزرة، على غرار عدم اعترافه بالمجازر التي قام بها في سائر البقاع الفلسطينيّة أثناء التطهير العرقي للشعب الفلسطينيّ.