ما زالت حصيلة ضحايا قارب طرطوس الذي غرق قبالة شاطئ المدينة السورية ترتفع، من بينها عائلات بكامل أفرادها. وقد حاول "العربي الجديد" التعرّف إلى بعض من قصص عائلات سورية قضى أفرادها في عرض البحر وهم يبحثون عن حياة لائقة، بعدما انطلقوا على متن واحد من قوارب الموت من شاطئ لبنان الشمالي.
لم يكن أمام المرأة السورية هند عبد الحميد من بلدة جرجناز في ريف إدلب الجنوبي، شمال غربي سورية، وزوجها وأولادهما الثلاثة إلا ركوب أحد قوارب الموت أملاً في إيجاد علاج لمرضها في أوروبا بعد فقدان الأمل. هذا ما أكّده شقيقها أسامة لـ"العربي الجديد"، قائلاً إنّ الوضع المعيشي الصعب في لبنان (حيث هم لاجئون) ووضع هند الصحي كانا السببَين الرئيسيَّين في تلك المخاطرة.
وأوضح أسامة: "شقيقتي مريضة سرطان، وقد انتقلت إلى مدينة حماة (وسط غرب) حيث بقيت مدّة من الزمن بهدف تلقّي العلاج. وبعد ذلك عادت إلى لبنان، ليعاود المرض ظهوره". أضاف أسامة أنّ "تكاليف مستشفيات بيروت مرتفعة ووضع العائلة صعب جداً، لذا قرّروا بيع ما لديهم والسفر إلى أوروبا على أمل أن تتلقّى شقيقتي علاجاً يشفيها من مرضها".
ولأنّ خوض رحلة مماثلة ليس بأمر سهل، قصدت العائلة مهرّبي بشر للوصول إلى أوروبا. وأخبر أسامة أنّه "عند اكتمال عدد المهاجرين الذين ينوون خوض البحر، أُبلغت عائلة هند بموعد الانطلاق وبالمكان على شاطئ الشمال اللبناني. ثمّ توجّه الجميع إلى البحر عند الساعة الثالثة والنصف فجراً، وأُعلموا بأنّ القارب يتجّه من لبنان إلى اليونان".
بالنسبة إلى أسامة، فإنّ الإشارة إلى غرق القارب نتيجة ظروف طبيعية أمر مشكوك فيه، ويتّهم "النظام السوري أو جهات تابعة له بالوقوف خلف ذلك". تابع: "وصلت إلينا أخبار تفيد بأنّ ثمّة من تسبّب في غرق القارب عندما كان في المياه السورية"، مشدّداً على ضرورة فتح تحقيق في الحادثة.
عائلة عمار طه من بلدة شنان في ريف إدلب (شمال غرب) من العائلات السورية اللاجئة إلى لبنان التي خاضت كذلك رحلة الموت تلك وغرقت في عرض البحر. وأوضح محمد طه، ابن خال عمار، لـ"العربي الجديد" أنّ "الظروف المعيشية في لبنان دفعتهم إلى ركوب قارب الموت ووجهتهم إيطاليا". ومن دون أن يتمكّن من إخفاء حزنه على ما حلّ بقريبه وعائلته، قال محمد إنّ "السلطات اللبنانية أبلغت أهل عمار المقيمين في لبنان بغرقه مع زوجته وأطفاله".
ولفت محمد إلى أنّ "قارباً آخر انطلق بالتزامن مع ذلك الذي غرق والذي كان يحمل على متنه 160 شخصاً". أضاف أنّ "عملية دفع المال لمهرّبي البشر في لبنان تتمّ قبل ركوب القوارب، وعمار دفع سلفاً للمهرّب 6.500 دولار أميركي"، لافتاً إلى أنّ "الأسعار تتفاوت بين مهرّب وآخر".
أمّا أنس طه، شقيق محمد، فأفاد "العربي الجديد" بأنّ "عملية الدفن سوف تكون في خان شيخون (شمال غرب) بعد نقل الجثث من طرطوس (على الساحل السوري)، نظراً إلى صعوبة إيصالها إلى بلدة شنان". وأشار أنس إلى أنّ "عمار كان قد أبلغ ذويه بنيّته التوجّه إلى أوروبا يوم الإثنين الماضي، ليغادر يوم الأربعاء (بعد يومَين)".
صورة تخبر مأساة
من جهته، تحدّث الناشط حسام الجبلاوي لـ"العربي الجديد" عن قصّة الشابة سوزان تتلو، "واحدة من القصص المأساوية لحادثة الغرق" الأخيرة. وأوضح أنّ "كلّ طرق لمّ الشمل بينها وبين زوجها فشلت، لذا لم يكن أمامها سوى سلوك طريق الموت هذا بهدف الوصول إليه. لكنّ المطاف انتهى بها غارقة في البحر، على بعد كيلومترات قليلة من مدينتها اللاذقية الساحلية". ولفت إلى أنّ صورة وحيدة لها، هي صورة من حفل زفافها، بقيت في القارب الغارق لتخبر عن مأساتها.
وأفاد جبلاوي بأنّ "سلطات النظام السوري لم تكن هي المسؤولة بداية عن عمليات الإنقاذ، وقد عثر صيّادون من جزيرة أرواد على جثّة عقب هذه الحادثة بداية، ثمّ راحوا يعثرون تباعاً على جثث أخرى للغرقى، ليكتشفوا أمر الحادثة في وقت لاحق". وأكّد جبلاوي أنّ "استجابة وحدات خفر السواحل التابعة للنظام السوري تأخّرت في عمليات البحث والإنقاذ، وما تمّ تداوله عن مروحيات تابعة للنظام ساهمت في عمليات البحث والإنقاذ أمر غير صحيح".
ناجون في خطر
وفي سياق متصل، نشرت "شبكة أخبار طرطوس" على صفحتها على موقع فيسبوك أسماء 19 شخصاً نجوا من حادثة غرق القارب الأخير، من بينهم ستّة أشخاص من محافظة إدلب. وهؤلاء بحسب الشبكة هم فؤاد أحمد حبلص (30 عاماً - لبنان) ومحمد حسن بلال (52 عاماً - حلب) وحسن قليح (57 عاماً - إدلب) وحميده قليح (20 عاماً - إدلب) ورؤى حبوش (20 عاماً - اللاذقية) وراما حبوش (22 عاماً - اللاذقية) ووسام تلاوي (37 عاماً - لبنان) ومحمود عثمان (36 عاماً - إدلب) وأمجد غبو (17 عاماً - إدلب) وزين الدين محمد (24 عاماً - لبنان) ودعاء عبد المولى (22 عاماً - طرابلس) وصالح أركيل (32 عاماً - إدلب) وأحمد غنجو (27 عاماً - اللاذقية) وفادي خرفان (36 عاماً - اللاذقية) ومحمد إسماعيل (40 عاماً - مخيم نهر البارد في طرابلس) وخالد حسن بديوي (45 عاماً - اللاذقية) وأحمد البكور (21 عاماً - إدلب) وجهاد بشلاوي (35 عاماً - لاجئ فلسطيني في لبنان) وصالح رزوق (35 عاماً - طرابلس).
وبعد نشر الأسماء، راحت ترد تعليقات تشير إلى ضرورة سوق الشبّان السوريين الناجين من إدلب إلى الأفرع الأمنية أو اقتيادهم إلى أقرب شعبة تجنيد. وفي هذا الإطار، شدّد الناشط مصطفى المحمد لـ"العربي الجديد" على أنّ "حياة الناجين في خطر، إذ إنّه من غير الممكن ضمان أمنهم أو ضمان عدم اعتقالهم من قبل النظام السوري. أضاف الناشط أنّ "مصير هؤلاء الناجين مجهول طالما لم تتدخّل أيّ جهة دولية لحمايتهم"، لافتاً إلى أنّه "لا يمكن استبعاد أيّ شيء من قبل النظام السوري، ولا بدّ من عدم الاستهانة باحتمالات ما قد يحدث للناجين".