بعدما تفاءل نحو 3.5 ملايين سوري في تركيا، لأيام معدودة فقط، بإعلان قنصلية النظام السوري في إسطنبول اعتماد مراكز مؤسسة "بي تي تي" للبريد والشحن في تركيا، أصيبوا بخيبة من تراجع القنصلية عن القرار الذي يسهّل إيصال أوراقهم إلى القنصلية في سبيل تنفيذ معاملات تصديقها، ثم تسلمها، ويمنع بالتالي سلوكهم طرق الالتفاف والسماسرة التي دأبوا عليها خلال السنوات السابقة.
وأفاد بيان أصدرته القنصلية السورية في إسطنبول التي لم تغلق أبوابها أو تتوقف عن "خدمة السوريين" خلال سنوات الحرب، وفترة العلاقات السيئة بين سورية وتركيا: "منذ الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني لا يعتبر تسليم أي شخص أوراقه إلى مؤسسة البريد بمثابة حجز موعد، ولا بدّ من استباق تسليم الأوراق بالحصول على موعد عبر رقم على تطبيق واتساب الذي خصصته القنصلية سابقاً".
وألغى القرار طريقة تنفيذ معاملات السوريين الخاصة بالتصديق واستصدار أوراق، وذلك بعد أيام قليلة على اعتمادها، فيما ترك إمكان تسليم الأوراق المصدقة فقط عبر مؤسسة البريد التركية، بعد إحضار طابع.
يشرح حسن محمد، مدير شركة "يارا كروب" المتخصصة في تسيير المعاملات، في حديثه لـ"العربي الجديد"، طريقة التعاون بين قنصلية النظام السوري ومؤسسة البريد التركية بأنها "باتت محصورة بتسليم المؤسسة أوراق المعاملات بعد إنجازها، لتحقيق هدف اتفقت القنصلية مع السلطات التركية على تنفيذه، ويقضي بتقليل الازدحام أمام القنصلية باعتبار أن منتظري تسلم الأوراق يصلون إلى مئات يومياً، ويصطفون في الشارع تحديداً في ظل عدم توفير مكان للانتظار".
يضيف: "تعاون القنصلية مع مؤسسة البريد التركية كان سيلغي دور السماسرة في عمليات حجز المواعيد، لكنها تراجعت وطالبت بحضور المُراجِع إلى القنصلية ومعه طابع بقيمة 400 ليرة (21.5 دولاراً) لتوفير المعلومات المطلوبة في الاستمارة وتقديمها، ثم انتظار إنجاز إجراءات التصديق التي تمهد لإرسال مؤسسة البريد التركية المعاملة إلى العنوان المحدد، في خطوة لا تقدم ولا تؤخر لأن الاستلام أسهل الخطوات، علماً أن المُراجِع كان يذهب عصراً لتسلم أوراقه، في حين تبقى المشكلة في حجز الدور، والسماح للمُراجِع بدخول القنصلية من أجل تقديم أوراقه".
ويؤكد محمد أن حجز الموعد على "واتساب" مستحيل، ولا يمكن أن يؤخذ إلا عبر اللجوء إلى سماسرة يتعاونون مع القنصلية، ويتواجدون أمام باب القنصلية حيث يتقاضون مبلغاً يتراوح بين 300 و500 دولار لتأمين حجز موعد.
وحول جوازات السفر، يشير محمد إلى أن "سعر معاملة جواز السفر المستعجل يبلغ 800 دولار بالقنصلية، والبطيء 300 دولار. ويوجد سماسرة يوصلون جواز السفر إلى البيت بعد أن يأتي الشخص مرة واحدة إلى القنصلية التي يدخلونه مباشرة إليها، وذلك في خدمة كلفتها 1500 دولار".
وفيما حاول مراسل "العربي الجديد" على مدى أيام التواصل بلا جدوى مع القنصلية على رقم "واتساب" المحدد، يخبر المُراجِع حسن إسماعيل أن "القنصل الجديد أوس مرهج لا يرضى بطرق السمسرة، ويوصي من يلتقيهم بعدم اللجوء إلى طرق ملتوية، ما قد يشير إلى أنه لا يملك سلطة في مواجهة السماسرة".
يضيف: "القنصل مرهج رجل متعاون، لكنه محاط بسماسرة وموظفين مفروضين من النظام بدمشق. وهو يقف أحياناً منذ السابعة صباحاً أمام باب القنصلية ليسمع معاناة المراجعين، لكن الموظفين والسماسرة يحاولون إبعاده بحجج الحرص على أمنه".
ويخبر الطالب السوري معاذ بكور "العربي الجديد" أنه حاول بلا جدوى على مدى شهرين حجز موعد عبر "واتساب". ويقول: "احتجت إلى تصديق جواز سفري القديم والمنتهي الصلاحية والذي كنت حصلت عليه من خارج سورية، واضطررت إلى اللجوء إلى سمسار لحجز الدور كي أتسجل في الجامعة".
ويبدي اعتقاده بأن "طريقة التعاون مع البريد التركي رائعة لو استمرت لأنها تلغي الإتاوات وتحصل بعلم وإشراف السلطات التركية، لكنها تقطع أيضاً أرزاق السماسرة. وأنا أتساءل لماذا لا تشرف تركيا على عمليات القنصلية، وتبعد السوريين عن وسائل الابتزاز".
إلى ذلك تؤكد فاطمة دعبول من محافظة إدلب استحالة حجز موعد عبر "واتساب"، ما اضطرها إلى اللجوء إلى سماسرة لتصديق شهادة ولادتها لتقديم أوراق الحصول على الجنسية التركية، وتقول لـ"العربي الجديد": "اضطررت إلى فعل ذلك لأن زمن تقديم أوراق الجنسية محدد، ما دفعني إلى دفع 300 دولار لحجز الدور فقط".
ويجمع سوريون في تركيا على أن رقم "واتساب" المخصص للحجز الذي أعلنته القنصلية في يونيو/ حزيران الماضي لتخفيف الازدحام أمام باب القنصلية، لا يوفر أي رد، "ما يهدف بالتالي إلى إعادة السماسرة، ومواصلة ابتزاز السوريين المضطرين لاستصدار أوراق وجوازات سفر، أو إجراء معاملات تصديق، في وقت تفرض تركيا إجراءات التصديق، وتلزم التعامل مع القنصلية السورية".