يعتبر كعك العيد من الطقوس الرمضانية التي تُعد للاحتفال بمناسبة انتهاء شهر الصوم، ولكن بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي تمر على لبنان عموماً والمخيمات الفلسطينية خصوصاً، تحوّل الطلب على تلك الحلويات من المحال إلى تلك المعدة داخل المنازل، فهي تُعَدّ بأسلوب تقليدي، وبأسعار منخفضة مقارنة بأسعار المحلات.
لصناعة كعك العيد طقوسه أيضاً، وهو ما تتحدث عنه رباب، النازحة من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سورية، والمقيمة في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت. تقول إنّ "كعك العيد من الطقوس التي كنا نهتم بها في مخيم اليرموك، فقد كان الأهالي يبدأون بإعداده قبل نحو أسبوع من نهاية شهر رمضان. وبحسب العادات الفلسطينية، فإنّ الكعك تجهّزه النساء في المنازل، اللواتي يجتمعن في واحد منها، بينما يساعد الصغار في إعداده من خلال ترتيبه في الصواني قبل خبزه. وبعد الانتهاء من العمل، يأتي دور الشبان الذين يحملون صواني الكعك إلى فرن المنطقة لخَبزه على الحطب، وهو ما يعطيه نكهة مميزة. ورائحته المنتشرة داخل أرجاء الحيّ تعطي نكهة خاصة لأجواء العيد".
بدورها، تتحدث صاحبة مطبخ "زيتونة" وسام محمد يوسف، التي أسسته في منزلها بمخيم برج البراجنة، عن كعك العيد. تقول: "في الأسبوع الأخير من شهر رمضان أبدأ بإعداد الكعك للزبائن. هذا العام زاد الطلب على الكعك المنزلي كثيراً، نظراً لارتفاع الأسعار في محال الحلويات. ورغم حلول عيد الفطر، فأنا لم أحدد بعد أسعار دزينة الكعك، بسبب ارتفاع أسعار الزيت والسمن، والفستق الحلبي، وهي من المواد الأساسية في صناعة الكعك. ورغم ذلك، أتلقى طلبات كثيرة، ولا أعلم إن كنا سنتمكن من تلبيتها جميعاً، خصوصاً أنه لا يساعدني في العمل إلا سيدتان. ومع اقتراب عيد الفطر في الأيام الأخيرة، ارتفعت وتيرة العمل بطريقة ملحوظة".
أسست وسام يوسف مطبخها في مخيم برج البراجنة، بعد نزوحها من مخيم اليرموك عام 2012، وكانت تعتقد أن رحلتها إلى لبنان ستكون قصيرة، لتعود سريعاً إلى سورية. لكن سنوات التهجير طالت، وهو ما دفعها إلى العمل، وخصوصاً أنها تنقلت بين مناطق عدة في لبنان، وعملت في السنوات الأخيرة في إحدى المؤسسات قبل أن يحجز المصرف على أموالها بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان، وانهيار سعر العملة اللبنانية أمام الدولار الأميركي. وبعدما تركت العمل مع رفاقها في المؤسسة، فكّرت في مشروع يقوم على إعداد الوجبات الشامية والفلسطينية واللبنانية، مثل الكبة (البرغل مع اللحم)، والشيش برك (معجنات) والرقاقات (معجنات) والمناسف، وغيرها من الوجبات الجاهزة. حتى إنها أعدّت هذا العام المونة المنزلية من الزيتون والمكدوس (الباذنجان)، مستفيدة من تطبيق واتساب لتسويق منتجاتها، إضافة إلى علاقاتها بالجمعيات والمؤسسات. وكانت يوسف تفكر في البداية ببيع الملابس "أونلاين"، بإحضارها من تركيا من خلال أحد أقاربها، ولكنها تخلّت عن هذه الفكرة "لكون الناس يمكن أن يستغنوا عن الملابس، ولكن لا يمكنهم الاستغناء عن الأكل".
وتتحدث يوسف عن بداية عملها في المطبخ: "في البداية، كانت الطلبات محصورة بإعداد ورق العنب، ومن ثم تطورت فكرة المشروع، حتى شملت أنواعاً عدة من الأطعمة. لم أكن أتوقع أن تكون نسبة الطلبات كبيرة إلى هذا الحد، وعملت معي في المشروع بداية ثلاث سيدات. بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا أنوي افتتاح محل لبيع الأطعمة الجاهزة، فحلمي اليوم هو تطوير عملي، خصوصاً أنّ لدي زبائن من خارج المخيم أيضاً، حيث يوصل عامل الطلبيات إلى المنازل". وتشرح يوسف قائلة إنّ المردود المادي للمطبخ ليس بالكبير، وهو ما دفع السيدات اللواتي ساعدنها في بداية مشروعها إلى البحث عن عمل آخر، لتساعدها في الوقت الحالي سيدتان، إحداهما موظفة، والثانية إحدى قريباتها. تضيف: "لم أحصل على أي تمويل لتجهيز المطبخ، ولكنني تلقيت مساعدة من إحدى الطبيبات التي أمّنت لي ثلاجة وعجانة للعمل، وبعض المواد الأولية. كذلك فإنّ المساعدات المادية التي أحصل عليها أدفع منها إيجار المنزل وبعض المصاريف اليومية الأخرى".