"كوب 27".. الخسائر والأضرار تعرقل اتفاق الأطراف

17 نوفمبر 2022
لا بدّ من التوصّل إلى اتّفاق طموح وموثوق به في نهاية "كوب 27" (محمد عابد/ فرانس برس)
+ الخط -

غداً الجمعة في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تنتهي أعمال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 27) التي كانت قد انطلقت في السادس من هذا الشهر في مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء شرقي مصر. وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، اليوم الخميس، للتوصّل إلى اتفاق "طموح وموثوق به" بشأن تعويض "الخسائر والأضرار" التي تكبّدتها الدول النامية من جرّاء تداعيات الاحترار المناخي.

وقال غوتيريس: "انتهى وقت الكلام عن تمويل الخسائر والأضرار وأتى وقت التحرّك"، مؤكداً أنّ "أحداً لا يمكنه إنكار حجم الخسائر والأضرار التي نشهدها في العالم. فالعالم يحترق ويغرق أمام أعيننا"، لافتاً إلى أنّه "من الواضح أنّ الثقة مفقودة بين دول الجنوب ودول الشمال".

من جهة أخرى، شدّد غوتيريس على أنّ "الطاقة الأحفورية تأخذ البشرية رهينة"، وبالتالي من غير الممكن تخفيض انبعاثات الوقود الأحفوري من دون التوسّع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة. كذلك طالب غوتيريس الأطراف بمعالجة قضية انبعاثات غازات الدفيئة، شارحاً أنّ هدف حصر الاحترار المناخي بـ1.5 درجة مئوية هو أكثر أهداف اتفاق باريس للمناخ (2015) طموحاً، و"لا يقتصر فقط على إبقاء هذا الهدف على قيد الحياة بل إبقاء الناس على قيد الحياة". وتابع: "أدرك أنّ إرادة المحافظة على هدف 1.5 درجة مئوية موجودة، لكنّه علينا التحقق من أنّ هذا الالتزام واضح في نتائج كوب 27".

كوب 27/أنطونيو غوتيريس/سامح شكري (محمد عابد/فرانس برس)
غوتيريس: من الواضح أنّ الثقة مفقودة بين دول الجنوب ودول الشمال (محمد عابد/ فرانس برس)

الخسائر والأضرار

وبينما تُسجَّل نقاط خلاف عدّة تبدو أنّها تعرقل التوصّل إلى اتفاق نهائي بين الدول، توجّه رئيس الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ سامح شكري إلى المندوبين، قائلاً في خطاب نُشر اليوم الخميس إنّ "الوقت ليس في صالحنا. دعونا نتّحد الآن ونُصدر (المسوّدة) بحلول يوم الجمعة".

ولعلّ تعويض الخسائر والأضرار في البلدان المتضررة بفعل المناخ يبقى العائق الأكبر في محادثات هذا العام، علماً أنّه المطلب الأساسي للدول النامية. وعلى الرغم من أنّ جدول الأعمال هذا العام تضمّن موضوع هذا التمويل للمرّة الأولى في مؤتمر للمناخ، فإنّ أسبوعَين من المفاوضات لم يسجّلا تقدّماً يُذكر نحو تقريب وجهات النظر.

وفيما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والاقتصادات الصناعية الأخرى أنّها مستعدّة لمناقشة توجيه مثل هذا التمويل عبر البرامج والمؤسسات القائمة، فإنّها لا ترغب في إنشاء صندوق خاص بهذا الغرض في إطار "كوب 27". يأتي ذلك في وقت تصرّ البلدان النامية على الاتفاق فوراً على إنشاء الصندوق. يُذكر أنّه حتى وإن وافقت الدول على إنشاء صندوق خاص، فسوف يترتّب على ذلك إطلاق عملية تستمرّ عاماً أو عامَين للاتفاق على تفاصيل آلية التمويل ومقداره والجهات المموّلة.

وطالبت الدول الناشئة والنامية، اليوم الخميس، بإنشاء صندوق لتعويض الخسائر والأضرار اللاحقة بها من جرّاء تغيّر المناخ. وصرّحت وزيرة البيئة الباكستانية شيري رحمن متحدّثة باسم مجموعة 77+الصين التي تضمّ 134 دولة، في مؤتمر صحافي، بأنّ "تأخير إحقاق العدالة المناخية هو إنكار للعدالة".

وكانت هذه المجموعة قد عرضت، أمس الأربعاء، مشروع قرار ينصّ على الإنشاء الفوري لآلية مالية مكرّسة لتعويض "الخسائر والأضرار". أضافت رحمن أنّ هذه الدول تريد "إعلان نوايا سياسياً بالحدّ الأدنى" بشأن هذا الصندوق. وشارك في المؤتمر الصحافي ممثلون عن مجموعات دول نامية أخرى هي أقلّ الدول تقدّماً وتحالف الدول الجزرية الصغيرة والتحالف المستقل لأميركا اللاتينية والكاريبي.

وقد استبعدت رحمن الانسحاب من المفاوضات التي تُختتم رسمياً غداً الجمعة لكنّها سوف تمدّد في الغالب، مشدّدة على أنّ "الأوان لم يحن لذلك". وأوضحت: "نحن لا ننسحب بل نحاول دائماً إيجاد حلول"، مضيفة: "ونحافظ دائماً على الأمل إلا أنّ الأمل لا يشكّل خطة".

من جهته، رأى وزير البيئة السنغالي أليون ندوي متحدّثاً باسم كتلة أقلّ الدول تقدماً، أنّ "الخسائر والأضرار حلقة مفرغة يجب أن تُحطّم. هذا هو المكان المناسب للقيام بذلك، هنا في كوب 27". أمّا وزير التغيّر المناخي في جزر فانواتو رالف ريجينفانو، فقال للصحافيين: "نفد وقتنا ونفدت أموالنا ونفد صبرنا"، مشدّداً على ضرورة "إنشاء آلية الخسائر والأضرار" خلال "كوب 27".

ويستمرّ الانقسام بشأن إقرار هذه الآلية سريعاً، ما بين دول الشمال ودول الجنوب المتضرّرة كثيراً من تغيّر المناخ، فيما مسؤوليتها فيه محدودة. وفيما تتحفّظ الولايات المتحدة الأميركية وكذلك الاتحاد الأوروبي على إنشاء آلية تمويل منفصلة، فقد أظهر الأخير انفتاحاً، أمس الأربعاء، بإعلانه تخصيص أكثر من مليار يورو (نحو مليار و33 مليون دولار أميركي) لتمويل تكيّف الدول الأفريقية مع تغيّر المناخ، من بينها 60 مليون يورو (نحو 62 مليون دولار) للخسائر والأضرار.

واقترح نائب رئيسة المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس، إنجاز المباحثات حول الخسائر والأضرار في غضون عام (2023) بدلاً من عام 2024، لافتاً إلى أنّه في حال اتُّخذ قرار بإنشاء صندوق خاص، فإنّه يتوجّب على الصين أن تكون من بين المساهمين، علماً أنّها أكبر ملوّث في العالم وثاني أكبر اقتصاد عالمي. وشدّد في مؤتمر صحافي، اليوم الخميس، على أنّه "في حال فشل المؤتمر الحالي، سوف نخسر كلّ شيء".

ومع تكاثر الظواهر المناخية القصوى من فيضانات وموجات حرّ وجفاف وحرائق الغابات الضخمة، تكتسي قضية الخسائر أهمية أكبر. لكنّ المفاوضات حول الشقّ المالي تُجرى في جوّ من التشكيك الكبير، إذ إنّ الدول الغنية لم تفِ بتعهّد قطعته في عام 2009 بزيادة المساعدات للدول النامية على صعيد التحرّك المناخي إلى 100 مليار دولار سنوياً ابتداءً من عام 2020. وتتعثّر المفاوضات كذلك حول تمويل التكيّف مع تغيّر المناخ الذي تعهّدت الدول الغنية بمضاعفته. والمبالغ المطروحة حتى الآن في المجالات المختلفة ما زالت زهيدة، مقارنة بالاحتياجات التي تقدّر عموماً بآلاف مليارات الدولارات.

"سوء تفاهم"

وراح المحللون يعلّقون على ما قيل إنّها "مسوّدة أولى" لاتفاق يناقشه مؤتمر "كوب 27"، منتقدين أنّها تترك قضايا عديدة للجدال في المحادثات من دون حلّ فيما تقول بالحدّ من الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية. كذلك انتقدت الدول النامية "المسوّدة" ووصفتها بأنّها غير طموحة لأنّها لا تلبّي حاجتها إلى المال من أجل التعامل مع الأضرار التي خلّفتها بالفعل ظواهر ناجمة عن تغيّر المناخ مثل العواصف والجفاف والفيضانات.

لكنّ نائب رئيسة المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس أوضح أنّ "سوء تفاهم" وقع حول نصّ وزّعته الرئاسة المصرية وعُدّ "مسوّدة". وأكّد أنّه "لم يكن اقتراحاً... كان مجرّد تجميع لكلّ ما تلقّوه، ثمّ أُرسل إلى كلّ الأطراف". أضاف: "ما زلنا ننتظر اقتراحهم الأوّل الحقيقي" لمناقشته.

وذكر تيمرمانس أنّ الحفاظ على الهدف الرئيسي بعدم ارتفاع الاحترار عن 1.5 درجة مئوية يجب أن يكون "نقطة البداية"، لكنّه لفت إلى وجوب أن تحرز الدول تقدّماً في قضية تعويض الدول المتضرّرة من تغيّر المناخ، وهي القضية المعروفة باسم الخسائر والأضرار. وتابع: "نحن مستعدون للمضي قدماً في قضية الخسائر والأضرار، وآمل أن يكون ما اقترحناه مقبولاً من الأطراف الأخرى كذلك".

التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري

ومن نقاط الخلاف كذلك، اقترحت الهند التي تعتمد على الفحم فكرة تغيير صياغة اتفاق غلاسكو للمناخ (2021) الذي يدعو إلى تقليل استخدام الفحم تدريجياً لتشمل كلّ أنواع الوقود الأحفوري، وهو الأمر الذي سوف يشكّل مزيداً من الضغط على الدول المعتمدة على النفط والغاز.

وفي مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 26) التي عُقدت في مدينة غلاسكو الاسكتلندية في العام الماضي، نجحت مساعي الهند والصين ودول أخرى في تخفيف الصياغة لتصير "التقليص التدريجي" بدلاً من "التخلص التدريجي". ومن المقترح أن يشتمل اتفاق هذا العام كلّ أنواع الوقود الأحفوري، بدعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية ودول معرّضة للتأثّر بكوارث تغيّر المناخ، بما في ذلك دول جزرية. لكنّ الدول المنتجة للنفط ما زالت تعارض هذه الصياغة.

برنامج احتواء مخاطر عدم تحقيق أهداف المناخ

ويمثل برنامج العمل المتعلق بالتدقيق الواجب أن تخضع له الإجراءات التي تتّخذها كلّ دولة للتأكد من أنّها تحقق أهداف المناخ، نقطة خلاف كذلك. في "كوب 26"، أقرّ المفاوضون بضرورة تقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري عالمياً بحلول عام 2030 بنسبة 45% عمّا كانت عليه في عام 2010، وذلك للحدّ من متوسّط ارتفاع درجة حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية. ويقول العلماء إنّ الحدّ البالغ 1.5 درجة مئوية مهمّ لتجنّب أسوأ آثار تغيّر المناخ. وقد ارتفعت درجات الحرارة بالفعل 1.1 درجة مئوية. ولكن مع استمرار زيادة الانبعاثات عالمياً، اقترح المفاوضون ما يسمّى "برنامج عمل للتخفيف"، وهو عبارة عن عملية فنية لمراجعة مستوى التقدّم بصورة دورية.

ويريد الاتحاد الأوروبي عملية طويلة الأمد تركّز على قطاعات معيّنة كثيفة التلويث، لكنّ أطرافاً أخرى مثل الصين تريد عملية أقصر أجلاً وأوسع نطاقاً لتتبّع مستوى التقدم. وتعارض الهند ودول نامية أخرى أي محاولة لتطوير مثل هذا البرنامج الذي لا يصاحبه دعم مالي وتقني يساعدها على تخفيض انبعاثاتها. من جهة أخرى، تواجه الدول ضغوطاً لتعزيز أهدافها المناخية قبل دورة العام المقبل من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 28) التي تستضيفها الإمارات.

(فرانس برس، أسوشييتد برس، رويترز، العربي الجديد)

المساهمون