مع انطلاق الأسبوع الثاني من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 27)، فإنّ كثيراً من العمل ما زال مطلوباً لتجاوز الانقسامات بين الدول الغنية المسؤولة عن الاحترار والدول الفقيرة المطالِبة بمساعدات لمواجهته، على الرغم من وجود إجماع شبه تام على الضرورة الملحة لتخفيض الانبعاثات.
وقال رئيس "كوب 27" سامح شكري (وزير الخارجية المصري)، في مؤتمر صحافي مقتضب مع دخول مفاوضات المناخ مرحلتها النهائية في مدينة شرم الشيخ المصرية على البحر الأحمر: "لقد انتهينا من بعض المسائل، لكن يبقى كثير من العمل إذا أردنا الحصول على نتائج مهمّة وملموسة نفتخر بها جميعاً. يجب أن نزيد السرعة الآن".
وعدد شكري نقاط الخلاف التي تتعلق كلها بالملفات الرئيسية، وهي تخفيف المخاطر (تخفيض الانبعاثات) والتكيّف مع التداعيات المتوقعة لتغيّر المناخ والجانب المالي لا سيّما "الخسائر والأضرار" التي بات لا مفرّ منها وهي تضرب غالباً أفقر دول العالم ذات المسؤولية المحدودة عن الاحترار.
من جهته، شدّد مدير اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ سيمون ستيل، في تغريدة على "تويتر"، على أنّ "الشعوب والكوكب ينتظران أن يفي هذا المسار بوعوده"، ودعا "إلى مدّ جسور للتقدّم على صعيد حصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية والتكيّف والتمويل والخسائر والأضرار".
As week 2 of #COP27 begins, let me remind negotiators that people & planet are relying on this process to deliver. Leaders asked for action.
— Simon Stiell (@simonstiell) November 14, 2022
Let’s use our remaining time in Egypt to build the bridges needed to make progress on 1.5, adaptation, finance and loss & damage.
وفي مؤتمر الأطراف السابق "كوب 26" في مدينة غلاسكو الاسكتلندية قبل عام، تعهّدت نحو 200 دولة بالمحافظة على أكثر أهداف اتفاق باريس بشأن المناخ (2015) طموحاً والذي يتمثّل بحصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وذلك من خلال زيادة التزاماتها على صعيد تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بحلول "كوب 27" الحالي. لكنّ أقلّ من ثلاثين دولة عمدت إلى ذلك، الأمر الذي يضع العالم على مسار احترار قدره 2.4 درجة مئوية.
ولم يشهد الأسبوع الأول من "كوب 27" الذي انطلق في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إعلانات كثيرة بهذا الشأن، باستثناء المكسيك وأستراليا. وقد أفاد مراقبون عديدون بأنّ الصين والسعودية أبلغتا حتى عن تحفّظهما الذي سبق أن عبّرتا عنه، على ذكر هدف 1.5 درجة مئوية في الإعلان الختامي، مشدّدتَين على أنّ الهدف الرئيس لاتفاق باريس بشأن المناخ هو إبقاء الاحترار بوضوح دون درجتَين مئويّتَين.
وكان المبعوث الأميركي الخاص للمناخ جون كيري قد شدّد في وقت سابق، في خلال المؤتمر، على أنّ "غالبية الدول هنا لا تنوي العودة إلى الوراء" إلا أنّ القرارات تُتّخذ بالإجماع ويمكن لدولة واحدة أن تعطّل مسار الأمور.
وفي إطار دفعه المتواصل في اتّجاه تعزيز الأهداف والطموحات، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عشية قمّة مجموعة العشرين في بالي الإندونيسية، اليوم الإثنين، البلدان المسؤولة عن 80% من الانبعاثات العالمية إلى وضع "خطة مشتركة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050". يُذكر أنّ ثمّة مراقبين تفاءلوا بلقاء بين الرئيسين الصيني شي جي بينغ والأميركي جو بايدن.
وقال رئيس معهد "وورلد ريسورسيز إنستيتوت" أني داسغوبتا إنّ إعلان البيت الأبيض استئناف التعاون لتعزيز "الجهود" على صعيد المناخ بين البلدَين المسؤولين عن أعلى مستوى من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم، "يجعلنا نتنفّس الصعداء".
وقد طلب شكري من الوفود إنجاز الأعمال التقنية غداً الثلاثاء، لتسليم الملفات بعد ذلك إلى الوزراء الذين يُنتظر وصولهم إلى شرم الشيخ. وفي هذا الإطار، قال المحلل في مركز الدراسات "إي 3 جي" ألدن ميير إنّ الإعلان الختامي "يجب أن يتضمّن عناصر معيّنة تقول للناس: أصغينا إليكم. الوضع ملح. الجميع مشارك. وسوف نستخدم كلّ الوسائل المتاحة لنزع الكربون في العالم".
ومع الفيضانات العارمة غير المسبوقة في باكستان قبل أشهر قليلة، والخطر المحدق بجزر المحيط الهادئ الصغيرة المهدّدة بارتفاع مستوى مياه البحر، تطالب الدول النامية من جهتها بمزيد من الأموال من الدول الغنية التي لم تحترم وعودها بتقديم 100 مليار دولار أميركي سنوياً على شكل مساعدات لتخفيض الانبعاثات والتكيّف مع تداعيات تغيّر المناخ.
وتطالب هذه الدول أيضاً بآلية منفصلة لمواجهة "الخسائر والأضرار" التي تتعرّض لها، إلا أنّها تصطدم بتحفّظ دول غنية، خصوصاً دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وقد تجنّب بايدن بعناية لدى توقّفه القصير في شرم الشيخ، يوم الجمعة الماضي، التطرّق إلى هذه المسألة، داعياً إلى حشد طاقات القطاع الخاص. من جهته، قال مصدر أوروبي لوكالة فرانس برس: "هل استحداث آلية مخصصة لهذا الغرض هو الحلّ المناسب؟ لا نظن ذلك"، مفضّلاً اللجوء إلى هيئات قائمة في الأساس مثل الصندوق الأخضر للمناخ.
في سياق متصل، أطلقت الرئاسة الألمانية لمجموعة السبع ونحو 60 دولة ضعيفة إزاء تغيّر المناخ، اليوم الإثنين، "درعاً" مناخية تعتمد خصوصاً على التأمين لمساعدة المواطنين في تمويل تداعيات الاحترار. لكنّ منظمات غير حكومية تلقّت هذه المبادرة بحذر. وعلّقت وزيرة البيئة في جزر المالديف أميناث شونا قائلة إنّ "المشكلة الكبرى تتمثّل في غياب الإرادة السياسية"، رافضة أيّ "تسوية" حول "الخسائر والأضرار".
(فرانس برس)