على مدار 12 يوماً، تستضيف مدينة شرم الشيخ المصرية، مؤتمر المناخ "كوب 27"، بمشاركة نحو 140 دولة؛ بينما تواجه مصر تحديات مناخية وبيئية كبرى، تضعها ضمن قائمة موضوعات القمة العالمية.
انطلقت مساء أمس الأحد، فعاليات الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ، والتي تستمر حتى 18 نوفمبر/تشرين الثاني. وكانت الجلسة الأولى إجرائية، سلّم فيها رئيس مؤتمر "كوب 26"، ألوك شارما، رئاسة المؤتمر إلى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، باعتباره رئيس "كوب 27"، على أن تعقد ظهر اليوم الاثنين، الجلسة الأهم، وهي "قمة الزعماء".
وحسب بيان اللجنة الإعلامية للمؤتمر، ستتضمن "قمة الزعماء" عقد 3 موائد مستديرة، وسيلقي المشاركون كلمات تتناول جهود بلادهم في مواجهة تداعيات التغيرات المناخية، كما ستعقد 3 موائد مستديرة للزعماء المشاركين يوم غد الثلاثاء. ويناقش المؤتمر تحديات عدة، منها الحد من الاحتباس الحراري عبر تقليص انبعاثات غازات الدفيئة، والتكيف مع آثار تغيّر المناخ، ووفاء الدول الغنية بالتزامات تمويل العمل المناخي في البلدان النامية.
وتعتبر مصر من البلاد شديدة التأثر بتغير المناخ، مع زيادة موجات الحر والعواصف، إذ تم توثيق زيادة الاحترار على مدار الثلاثين عاماً الماضية، وحلت العاصمة القاهرة كثاني أكثر مدن العالم تلوثاً للهواء المحيط، وفق دراسة لمنظمة الصحة العالمية في عام 2016.
ووفقاً للمنظمة، يفقد كلّ مواطن مصري نحو عامين من عمره الطبيعي بسبب الاعتلال أو الإعاقة الصحية من جراء تلوث الهواء، ويترتب على ذلك ضغوط على مرافق الصحة، وتراجع مؤشرات إنتاجية العمال وتركيز تلاميذ المدارس، فيما سجلت 12600 وفاة ناتجة عن تلوث الهواء في منطقة القاهرة الكبرى وحدها خلال عام 2017، ولا توجد بيانات رسمية حول أوضاع التلوث خارج القاهرة الكبرى (تضم ثلاث محافظات هي القاهرة والجيزة والقليوبية).
ويشير تقرير للبنك الدولي في عام 2019، إلى أن تكلفة المرض والوفيات المبكرة الناجمة عن تلوث الهواء، وصلت إلى نحو 47 مليار جنيه (نحو ملياري دولار) في منطقة القاهرة الكبرى وحدها. في المقابل، تؤكد وزارة البيئة المصرية، أنها شرعت في تحسين الظروف البيئية من خلال مبادرات حكومية مختلفة.
وتقول السلطات إنه منذ تقدمت مصر بطلب استضافة المؤتمر، ووقع الاختيار عليها باعتبارها الدولة الأفريقية الوحيدة التي أبدت رغبتها في استضافته، شرعت في دعم جهود المناخ الدولية، فأطلقت مبادرة "تحضر للأخضر" لنشر الوعي البيئي، وتغيير السلوكيات، وحث المواطنين على المشاركة في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية.
وكشف بيان حكومي، أن الحملة تتضمن الترويج لـ13 محمية طبيعية، والعمل على إعادة ربط السائحين بالمواقع البيئية في مصر، بهدف إعادة اكتشاف الطبيعة، وتعزيز أهمية الحفاظ على البيئة، إلى جانب تسليط الضوء على جميع أنواع الحياة البرية والتنوع النباتي والمناظر الطبيعية.
وانطلقت "المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية"، والتي تقول الحكومة إنها مبادرة رائدة في مجال التنمية المستدامة والذكية للتعامل مع آثار التغيرات المناخية، من خلال وضع خريطة على مستوى المحافظات للمشروعات الخضراء الذكية، وجذب الاستثمارات اللازمة لها.
كما تم إطلاق مبادرة "الرئة الخضراء" التي تقوم على تحديد 9900 موقع في كل المحافظات تصلح لتكون غابات شجرية، أو حدائق، وتوفير الشتلات الزراعية وشبكات الري لها.
تكررت مجازر الأشجار في العديد من مدن مصر
في مقابل المبادرات الحكومية التي انطلقت قبل أشهر من استضافة مؤتمر المناخ، تتكرر الانتقادات الحادة من منظمات ومبادرات مجتمعية، محلية أو دولية، والتي تستهجن إزالة مساحات واسعة من المتنزهات والحدائق العامة، وقطع أعداد كبيرة من الأشجار لصالح إقامة مشروعات استثمارية ومحطات وقود ومطاعم ومقاه في غالبية المدن الكبرى، خصوصاً في القاهرة والجيزة والإسكندرية.
وتداولت العديد من المنظمات المحلية مئات من شكاوى الأهالي حول قطع الأشجار في أحياء تاريخية، وإتاحة إنشاء مراسٍ للسفن بالمخالفة للقانون، فضلاً عن قضايا بيئية في شبه جزيرة سيناء، وفي المحميات الطبيعية.
ويركز تقرير صادر عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، بعنوان "حتى لا يزول الأخضر" على قطع الأشجار وإزالة الحدائق في مدن مصر من منظور العدالة البيئية، ويرصد ما جرى خلال السنوات الأخيرة من قطع للأشجار كظاهرة متكررة تصاحب مشروعات بناء وتطوير المرافق الخدمية في المدن، بما لا يراعي الوظيفة البيئية للأشجار والمساحات الخضراء، باعتبارها حلاً فعّالاً منخفض التكلفة لعلاج مشاكل تلوث الهواء والضوضاء، وتوفير الظل في الشوارع، وتبريدها في ظل الزيادات القياسية لدرجات الحرارة.
وأشار التقرير إلى أن أشجار الريف لم تَسْلَم بدورها من الانتهاكات، إذ تم اقتلاع آلاف الأشجار أثناء تنفيذ مشروع تبطين الترع والمصارف، من دون الإعلان عن أي دراسات أثر بيئي لإزالة تلك الأشجار، أو تحديد منهجية واضحة للإزالة، أو تخفيف عمليات القطع إلى أقل درجة ممكنة.
إنشاء مبانٍ في مدينة سانت كاترين التاريخية بالمخالفة لقواعد اليونسكو
قبل انعقاد "كوب 27"، حذرت منظمات مدنية وشخصيات معنية بالبيئة والمناخ، من مخاطر ترقى إلى حد الكوارث في عدد من المدن المصرية. واعتبر "المنبر المصري لحقوق الإنسان"، أن مشروع "التجلي الأعظم" في مدينة سانت كاترين، يعد "كارثة بيئية ومجتمعية في سيناء".
وفي ورقة موقف، أشارت المنظمة الحقوقية إلى وثيقة حكومية صادرة في مارس/آذار 2021، بعنوان "تطوير سانت كاترين. موقع التجلي الأعظم على أرض السلام"، تضمنت تفاصيل خطة بناء مشروع سياحي ضخم داخل وحول موقع التراث العالمي ومحمية سانت كاترين الطبيعية الواقعة في محافظة جنوب سيناء، إذ تم خلال العام الماضي، إنشاء مئات المباني داخل وحول مدينة سانت كاترين التاريخية، في خرقٍ واضحٍ لقواعد منظمة اليونسكو المنظمة للتعامل مع مناطق التراث العالمي، وبالمخالفة للقوانين المصرية المنظمة لشؤون المحميات الطبيعية.
وفي وقت سابق، أطلق "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" حملة بعنوان "سكة السلامة" للتوعية بتأثيرات تغير المناخ على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ركزت على خطورة مخلفات البلاستيك في مصر، واستعرضت الأرقام الصادمة في هذا الملف، ومنها تقرير صادر في سبتمبر/أيلول 2021، أوضح فيه عضو المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة، عمرو نصار، أن قيمة الاستثمارات التي يتم ضخها في صناعة البلاستيك في مصر تصل إلى 7.2 مليارات دولار، بقيمة إنتاجية سنوية تصل إلى نحو 16.6 مليار دولار.
ووفقا لمركز تحديث الصناعة التابع لوزارة التجارة والصناعة المصرية، فإن عدد المصانع "الرسمية" في مجالات البلاستيك تبلغ نحو 7500 مصنع. وعلى الرغم من ذلك، انخفضت نسبة الصادرات المصرية من البلاستيك من 2.2 مليار دولار في 2019، إلى 1.7 مليار دولار في 2020، لتحتل مصر المركز 38 في قائمة الدول المصدرة للبلاستيك.
وفقاً لدراسات أعدتها وزارة البيئة، فإن مصر تنتج نحو 16.2 مليون طن من النفايات سنوياً، وتشكل مخلفات البلاستيك نحو 6 في المائة منها، ويبلغ الاستهلاك المحلي السنوي نحو 12 مليار كيس بلاستيكي أحادي الاستخدام، وكلها تهدد الحياة البرية والبحرية، ويتم تدوير نحو 45 في المائة من مخلفات البلاستيك، وإعادة استخدام 5 في المائة منها، فيما يُحرق نحو 50 في المائة من النفايات البلاستيكية في الهواء الطلق، ما يمثل خطراً محدقاً بالبيئة المحيطة، ويخلف زيادة في أمراض السرطان، والأمراض التنفسية.
كشف تقرير سابق للبنك الدولي، أنّ مصر تحتل المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تلويث البحار بالبلاستيك، والمركز السابع على مستوى العالم، وأنّها مسؤولة عن نحو ثلث إجمالي المخلفات البلاستيكية التي تتدفق إلى البحر المتوسط، وتليها الجزائر، ثم المغرب.
وتعد وسائل النقل والمواصلات القطاع الأكثر تلويثاً للبيئة في مصر. وأوضح تقرير صادر عن وزارة البيئة، أنّ نسبة تلوث الهواء تجاوزت الحد المسموح في القانون، وأنّ سكان المدن الكبرى يتعرضون لمستويات مرتفعة من التلوث بالجسيمات الدقيقة العالقة.
ووفق تقرير للبنك الدولي، فإنّ نحو 40 في المائة من انبعاثات قطاع النقل في مصر صادرة عن منطقة القاهرة الكبرى، والتي تضمّ نحو نصف إجمالي المركبات في البلاد. كما كشفت دراسة لمنظمة الصحة العالمية، أنّ العاصمة القاهرة كانت ثاني أكبر مصدر لتلوث الهواء خلال الفترة من عام 2011 إلى 2015.