أرقام الإصابات اليومية بفيروس كورونا في الأردن تفاقم مشاعر الخوف لدى المواطنين، رغم محاولة الحكومة طمأنتهم لناحية قدرة المستشفيات على استقبال مرضى كورونا، وزيادة عدد الأسرة، بالإضافة إلى الأمل بقرب إنتاج اللقاح المضاد للفيروس. في مقابل هذه التطمينات، يتناقل مواطنون أخباراً عن حالات وفاة أو ينشرون أوراق نعي لأشخاص توفوا نتيجة إصابتهم بالفيروس، الأمر الذي يزيد شكوكهم. ويقول البعض إن المطلوب في الوقت الحالي هو التوازن وعدم إيهام الناس بآمال زائفة تتعلق باستقرار وضع الوباء، خصوصاً وأن الحديث عن قرب التوصل إلى لقاح ما زال غير دقيق. وفي حال توفره بداية علم 2021، فسيقتصر على نحو 20 في المائة من السكان مع نهاية العام المقبل في أحسن الأحوال.
وقبل أيام، أعلن وزير الصحة الأردني نذير عبيدات، أن الحكومة ستوفر لقاح كورونا مجّاناً للأردنيين والمقيمين على أراضي المملكة، استناداً إلى مجموعة من الأولويّات، مشيراً إلى وجود خطة وطنية متكاملة لتوفير اللقاح للفئات الأكثر حاجة (لن يكون إجبارياً)، الأمر الذي سيساهم في حماية المجتمع.
وقال إن الوضع في الأردن ما زال دقيقاً ويستدعي الالتزام بكافة إجراءات السلامة والوقاية من الفيروس، وخصوصاً وضع الكمامة والحفاظ على التباعد الاجتماعي، لافتاً إلى أن نسبة الأسرّة المخصّصة لمرضى كورونا ما زالت تستوعب الحالات التي تتطلّب العلاج داخل المستشفيات والعمل جارٍ على زيادتها، معتبراً أن ثبات أعداد الإصابات خلال الأسبوع الماضي مؤشر جيد.
ويقول الأستاذ المشارك في كلية الطب في جامعة العلوم والتكنولوجيا، والخبير في علم الأمراض المنقولة، محمد عبد الحميد القضاة لـ "العربي الجديد"، إنه "بعد الثغرة التي حصلت في يوليو/ تموز الماضي، ومع دخول مصابين بكورونا عبر الحدود، وخصوصاً السورية، وبدء ظهور بؤر في مختلف مناطق المملكة، ونتيجة عدم القدرة على السيطرة عليها وإقناع المواطنين بأهمية التباعد ووضع الكمامة، وصل الأردن اليوم إلى مرحلة التفشي المجتمعي، وصار يسجّل ما معدله 5 آلاف حالة مكتشفة يومياً، ما يعني أنه يوجد أضعاف من الإصابات غير المكتشفة".
يضيف: "ما زال الجميع ينتظرون الوصول إلى قمة المنحنى الوبائي (الذروة)، علماً أننا لن نستطيع معرفة وصولنا من عدمه إلا بعدما يبدأ بالانخفاض". ويرى أنه في مرحلة الترقب والانتظار، لا بد من التأكيد على أن المخرج الوحيد لمنع تدهور الأحوال هو التباعد والالتزام بوضع الكمامة إما طوعاً أو بإلزام من الأجهزة الرسمية، لافتاً إلى أن هذا التباعد والالتزام بالكمامات سيقلل من سرعة تفشي العدوى، وعدد الحالات الحرجة التي قد تحتاج إلى دخول المستشفيات وربما أقسام العناية المركزة. ويقول إن الحكومة استجابت، ولو متأخرة، لنداءات فرض التباعد الاجتماعي ووضع الكمامات، وعينت المزيد من الأطباء والممرضين في وزارة الصحة، وبدأت بإنشاء مستشفيات ميدانية لتخفيف الضغط على المستشفيات الرئيسية لضمان استمرار تقديم الخدمات الصحية.
ويُشير القضاة إلى أن الخوف لدى الناس والقطاع الخاص هو نتيجة الحظر الشامل أكثر من الخوف من الجائحة نفسها، معتبراً أن الحظر هو الخيار الأخير، والحلول موجودة وأهمها التباعد الجسدي ووضع الكمامة بشكل صحيح، لأنهما كفيلان بالحد من تسارع تفشي الوباء والخروج من الأزمة. ويقول إن الفيروس سيبقى موجوداً طالما لم يتم إيجاد لقاح جيد أو علاج فعّال أو الوصول إلى مناعة مجتمعية (مناعة القطيع). وهذا يعني أن هناك احتمال موجة جديدة عالمياً، في حال انخفض مستوى الالتزام بالإجراءات الوقائية، ولم يعط اللقاح نتائجه المتوقعة.
الوضع في الأردن ما زال دقيقاً ويستدعي الالتزام بكافة إجراءات السلامة
بدوره، يقول الخبير في حقوق الإنسان وحقوق المرضى والأخلاقيات الطبية، مستشار الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان، لـ "العربي الجديد"، إن المجتمعات المحلية تعدّ الجهات الرئيسية والأكثر فاعلية للوقاية من الآثار الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية للأوبئة. يضيف أن وباء كورونا يُعدّ حدثاً استثنائياً تتطلّب مواجهته موارد مالية وبشرية إضافية، وهو ما لم يدرج في ميزانية الحكومة أو استراتيجيات وزارة الصحة، كما يتطلب الأمر تعاوناً وتنسيقاً مع قطاعات ووزارات ومؤسسات خارج القطاع الصحي.
ويُشير إلى أن استجابة القطاعات الصحية للوباء تتركز حول خفض أعداد المصابين والوفيات، ومنع انهيار القطاع الصحي، وتجنب الآثار السلبية على القطاعات الأخرى، وحماية مقدمي الخدمات الصحية من العدوى والوفاة. ويُشدّد على أهمية دراسة الوضع الراهن في ظل تسجيل آلاف الإصابات وعشرات الوفيات يومياً، وتوقع خبراء سيناريوهات أكثر سوءاً، لافتاً إلى ضرورة تسليط الضوء على الإخفاقات والفجوات خلال فترة تفشي الوباء في شهر مارس/ آذار الماضي وحتى الآن.
ويقول جهشان: "فشلت الوزارة في وضع خطة مالية وإدارية طارئة توفر الموارد الكافية للتعامل مع الوباء، ولم يكن هناك شفافية في التعامل مع صناديق التبرعات لوزارة الصحة وصندوق صحة وطن. وحتى الآن، هناك عوائق عدة في تعيين الأطباء والممرضين وفنيي الخدمات المساندة، بالإضافة إلى فوضى الإحصائيات والمعلومات والحقائق حول الجائحة، وخلط واضح بين الإحصائيات المتعلقة بأعداد الإصابات والمعلومات حول التدخلات والاستجابة الطبية ومخرجاتها.
ويرى أن زيادة أعداد المصابين والوفيات أمر حتمي، لافتاً إلى أن الوباء ينتشر بسرعة بين المجموعات السكانية خلال فترة زمنية قصيرة. وعادة ما ترافق هذه الأرقام انتشاراً سريعاً للإشاعات والمعلومات غير الموثقة، أو ما يمكن تسميته بـ "وباء المعلومات".
ويقول: "مع تفشي الأوبئة تكثر الشائعات. من هنا، يتوجب على الخبراء تصحيح المعلومات المغلوطة". ويذكر أن توقعات معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME) في كلية الطب في جامعة واشنطن، أظهرت ارتفاعاً حاداً في أعداد الوفيات المتوقعة في الأردن، والتي قد تصل إلى 5593 وفاة نهاية العام، بارتفاع يقدَّر بأكثر من 6 أضعاف الرقم الذي توقعه المعهد ذاته خلال الأسبوع الأول من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. يضيف أن السيناريوهات المتوقعة تنذر بكارثة صحية تفوق الكارثة التي شهدتها إيطاليا ونيويورك ومناطق أخرى في العالم.