وقالت أوريلانا لدى توجّهها مسرعة للحصول على المعونات في شمال بالتيمور، في صباح ماطر، خلال استراحة من صفوفها الدراسية التي باتت تجري الآن عبر الإنترنت، "نحتاج أحياناً إلى كمية قليلة من المستلزمات لإبقاء برادنا ممتلئاً". ويزداد عدد الأطفال الجوعى في الولايات المتحدة، في وقت تواجه فيه البلاد أسوأ تفشٍ لفيروس كورونا على صعيد العالم، الذي أودى بنحو 280 ألف شخص وتسبّب بأزمة اقتصادية قد لا تشهدها البلاد سوى مرّة لكلّ جيل.
وبحسب وزارة التجارة، أفاد نحو 12 في المائة من البالغين بأنّهم عاشوا في منازل لم يكن فيها ما يكفي من الطعام "أحياناً" أو "غالباً" خلال الشهر الماضي.
وأفادت 10 في المائة من الأمّهات بأنّ أطفالهن تحت سن الخامسة عانوا من الجوع إلى درجة ما في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني، بحسب استطلاع أجراه معهد "بروكينغز".
وتقدّر مجموعة "إطعام أميركا" غير الربحية أنّ أكثر من خمسين مليون شخص سيكونون في عداد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي هذا العام، بمن فيهم طفل من أربعة، ما يعني انعكاس مسار الإنجازات التي تمّ تحقيقها في السنوات الأخيرة، ووصل بموجبها الجوع بين الأطفال إلى أدنى مستوى له منذ عقدين على الأقل.
وقالت خبيرة الدراسات الاقتصادية لدى "بروكينغز"، لورين باور، لفرانس برس "يمكننا القول بثقة إنّ انعدام الأمن الغذائي حالياً بلغ أعلى مستوى يتمّ تسجيله في العهد الحديث". وتبدو الأرقام قاسية بالنسبة لبلد يعدّ اقتصاده الأكبر في العالم، ويتصدّر قائمة أهم الجهات المانحة للمساعدات الغذائية على الساحة الدولية. كما أثارت صراعاً سياسياً بشأن خيار الرئيس المنتخب، جو بايدن، لوزير الزراعة، الذي سيتولى مهمّة مكافحة الجوع.
وقالت مديرة برنامج لدى مجموعة "أصدقاء الأرض"، كلوي ووترمان، "يشكّل الغذاء والزراعة نحو 20 في المائة من الاقتصاد الأميركي، بينما يأكل مائة في المائة من الناس".
ضغط "كارثي"
أدى وصول الوباء في مارس/ آذار إلى البلاد وتدابير إغلاق الأعمال التجارية التي أعقبت ذلك إلى ارتفاع مستوى البطالة وانكماش النمو الاقتصادي بشكل كبير. وتواصل أعداد الإصابات والوفيات ارتفاعها، في وقت استجابت الولايات الأميركية على اختلافها، بطرق متباينة لتفشي الوباء. كما تم إغلاق المدارس، ما عقّد الأمور بالنسبة للأطفال الأكثر فقراً الذين كانوا يحصلون على وجبات مجانية فيها. وذكّرت باور أنّ مسارعة السكّان للتسوّق تتسبّب بنقص في المواد الأساسية، ما أثّر بالتالي على العائلات الأقل دخلاً. وقالت إنّ "الضغط على العائلات لدفع ثمن بعض الحاجيات التي كان القطاع العام يوفّرها كان كارثياً".
واستجاب الكونغرس عبر السماح للولايات بمنح العائلات، التي يحصل أطفالها في العادة على وجبات في المدارس، بطاقات بذات القيمة، بينما واصلت العديد من المناطق التعليمية تقديم وجبات يمكن للطلاب تناولها في منازلهم. لكن هناك فجوات في شبكة الأمان هذه، بحسب باور، خصوصاً بالنسبة للأهالي غير القادرين على الوصول إلى المدارس التي توزّع الوجبات، لأسباب بينها أنهم لربما من العاملين الأساسيين. كما أن هناك فجوة بالنسبة للأهالي الذين يُعدّ أطفالهم أصغر من سنّ المدرسة، وهو عمر يمكن لعواقب سوء التغذية فيه أن تمتد مدى الحياة.
وأشارت ووترمان إلى أنّ برنامج الحكومة الرئيسي لتوفير الغذاء للعائلات المحتاجة (برنامج المساعدة في التغذية التكميلية "سناب")، لا يقدم ما يكفي من المال لسدّ الحاجة، وهو ما يلقي بعبء البطالة المتزايدة على الجمعيات الخيرية.
ولمس "مشروع الجوع في بالتيمور" غير الربحي، الذي يوفّر أغراض البقالة أسبوعياً في المدينة ومحيطها، للعائلات التي يعتمد أطفالها على وجبات المدارس، هذه التأثيرات. ولا يُتوقع أن يكفي كيس البيض والخبز وغيرها من الأساسيات التي استلمتها أوريلانا، من مركز توزيع في ضاحية كوكيزفيل لها ولوالدتها، وهما غير مسجلّتين رسمياً، وشقيقتيها اللتين ولدتا في الولايات المتحدة، أكثر من أسبوعين. وقالت: "الأمر صعب حقاً أحياناً، لكن عليك الاستمرار".
جدل في واشنطن
يأتي ارتفاع نسبة الأميركيين الجوعى في ظلّ جدل بشأن الشخصية التي سيختارها بايدن لشغل منصب وزير الزراعة، الذي يتعيّن عليه الإشراف على "سناب" وغيره من البرامج الغذائية. وتعدّ السناتورة السابقة عن داكوتا الشمالية، هايدي هايتكامب، المرشّحة الأوفر حظاً للمنصب، لكن المجموعات التقدمية والنقابات تشير إلى أنها مقرّبة بدرجة كبيرة من شركات النفط والزراعة الكبرى.
وطالبت هذه المجموعات بايدن بتعيين النائبة، مارسيا فادج، المدافعة عن توسيع برنامج "سناب". وقالت ووترمان إنّ "فادج تدرك أننا بحاجة للوصول إلى الغذاء وبأن يترافق ذلك مع عدالة غذائية"، مشيرة إلى أنّه يمكن عكس مسار ازدياد الجوع من خلال زيادة توسيع برنامج "سناب". ومن شأن ذلك أن يخفف العبء عن "مشروع الجوع في بالتيمور" الذي تزايد الضغط عليه ثلاث مرّات أكثر، ليشمل أكثر من ألفي عائلة، منذ ضرب الوباء. وقال، آيو أكينريمي، وهو مهاجر من نيجيريا، بدأ بتسلّم أغراض بقالة لزوجته وأطفاله بعدما خسر وظيفته، "الأمر يفطر قلبي". وأضاف المهاجر الذي تطوّع حالياً مع المجموعة، "كانت صدمة ثقافية بالنسبة إليّ أن آتي إلى الولايات المتحدة لأجد انعدام الأمن الغذائي هذا كله".
(فرانس برس)