كيف نفهم دماغ مرضى التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؟

01 يونيو 2024
7.2 في المائة من إجمالي عدد سكان العالم مصابون بفرط الحركة (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مفهوم التنوع العصبي يعيد تعريف النظرة إلى الاضطرابات النفسية والعصبية، مؤكدًا على أن الاختلافات في الدماغ جزء طبيعي من التنوع البشري، ويساعد في تحسين كيفية تقديم الدعم والتعليم للمتباينين عصبيًا.
- يُظهر البحث أن حوالي 15% من السكان العالميين يعانون من انحراف عصبي، مع تأكيد على أهمية تقبل هذا التنوع كجزء طبيعي من البشرية وضرورة توفير بيئات داعمة.
- التنوع العصبي يغير الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى الإعاقة، مشيرًا إلى أن التحديات التي يواجهها الأشخاص المتباينون عصبيًا غالبًا ما تنبع من عدم توافق بيئاتهم مع خصائصهم الفريدة.

قد يتشارك مرضى التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في العوارض ذاتها، ولا توجد سمات مختلفة تميّزهم، وفقاً لكل الإسقاطات القديمة، غير أن فهم مصطلح "التنوع العصبي" يمكن أن يساعد في التعرف إلى هذه الاضطرابات وطريقة التعامل معها والاختلافات في أدمغة الناس، وهو ما ركّز عليه تقرير لصحيفة ذا غارديان البريطانية، مشيراً إلى أنه رغم كون "التنوع العصبي" مصطلحاً جديداً نسبياً في عالم الطب النفسي، لكن المرضى كانوا أول من تحدث عنه وأشاروا إليه كسبب في فهم حالتهم النفسية والعقلية.

مرضى التوحد ومشاركة الأفكار عبر الإنترنت

تمكن المصابون بهذه الاضطرابات منذ سبعينيات القرن الماضي، وبمساعدة الإنترنت، من مشاركة أفكارهم، ونقل تجاربهم اليومية مع هذه الأمراض، مستخدمين مفردات "التنوع العصبي" في مناقشاتهم، والتي بدأت تأخذ منحى مختلفاً في دراسات العلماء والأكاديميين، حيث يعرف "التنوع العصبي" بأنه وصف يتناول الاختلافات في طريقة عمل أدمغة الناس. ووفق مؤسسة child mind institute، فإن فكرة التنوع العصبي تعني أنه لا توجد طريقة "صحيحة" أو "وحيدة" لعمل الدماغ. وبدلاً من ذلك، هناك مجموعة واسعة من الطرق التي يدرك بها الناس العالم ويستجيبون له، وتوصي المؤسسة بضرورة احتضان هذه الاختلافات وتشجيعها. 

الصورة
مرضى التوحد بحاجة لألعاب تعمل على تحسين التنسيق الحركي، 16 فبراير 2024 (Getty)
مرضى التوحد بحاجة لألعاب تعمل على تحسين التنسيق الحركي، 16 فبراير 2024 (Getty)

ووفق الخبراء، يُعيد التنوع العصبي تشكيل التفكير في العلوم بشكل عام، ومدى تداخل العلوم النفسية والاجتماعية مع الطب، إذ يشارك الأشخاص المتباينون عصبياً بشكل أكبر في البحث وفي اللغة المستخدمة لوصفهم. كذلك، يتشابك مع مفهوم التنوّع العصبي تحول مستمر في كيفية بناء نموذج اجتماعي للإعاقة. ويفترض أن العديد من الإعاقات التي يعاني منها الأشخاص المتباينون عصبياً لا تنتج عن "شيء خاطئ" في الدماغ، ولكنها قد تعكس الاحتكاك الذي ينشأ عندما يتحرك شخص متباين الأعصاب عبر عالم نمطي عصبي. 

تحسين الأفكار لدى مرضى التوحد

تقول البروفيسورة فرانشيسكا هابي، من معهد الطب النفسي وعلم النفس وعلم الأعصاب في كينغز كوليدج في لندن، لصحيفة ذا غارديان: "ساعد مفهوم التنوع العصبي في إدراك كيفية التعامل مع المرض، لم يعد الحديث عن علاج مرض التوحد، على سبيل المثال، بل بات محاولة من الخبراء لتحسين الأشياء والأفكار في دماغ المريض، وفهم الأشياء المصاحبة له، مثل القلق والاكتئاب، والصرع، والإعاقة الذهنية وضعف اللغة".

"آباء فضلوا إصابة أبنائهم بأمراض معدية، بدلاً من الإصابة بالتوحد"

ولمفهوم التنوع العصبي قوة مؤثرة على المستوى الفردي، إذ أجرت الدكتورة مونيك بوتا، وهي مصابة بالتوحد وزميلة أبحاث في علم النفس بجامعة ستيرلنغ، مقابلات مع أشخاص مصابين بالتوحد للحصول على درجة الدكتوراه، ووجدت مفاهيم مختلفة حول ربط الأمراض بعضها ببعض. فعلى سبيل المثال، رفض بعض الآباء تطعيم أبنائهم ضد أمراض معينة خوفاً من إصابتهم بمرض التوحد، كنتيجة لنظريات سابقة ربطت بين إمكانية أن يؤدي التطعيم إلى الإصابة بمرض التوحد. ومع ذلك، فقد جرى دحض تلك الدعاوى. وأظهرت التجربة أن الآباء فضّلوا حينها إصابة أبنائهم بأمراض معدية، بدلاً من الإصابة بالتوحد، ولم يكن حينها واضحاً بالنسبة للأهل أن مرض التوحد هو مرض يتعلق بالناقلات العصبية وطرق عمل الدماغ، ولا علاقة له بأمراض أخرى.

الصورة
مرضى فرط الحركة يحتاجون إلى أنشطة خاصة لدعم مشاعرهم، 1 أغسطس 2020 (Getty)
مرضى فرط الحركة يحتاجون إلى أنشطة خاصة تساعدهم للتعبير عن مشاعرهم، 1 أغسطس 2020 (Getty)

15 بالمائة من سكان العالم يعانون من انحراف عصبي

بحسب الدراسات، فهناك حوالي 15% من سكان العالم يعانون بشكل ما من انحراف عصبي. في المملكة المتحدة، يُعتقد أن 1% على الأقل من الأشخاص مصابون بحالة طيف التوحد، وحوالي 4% مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وعسر القراءة، بالإضافة عسر الحساب (صعوبة في فهم الأرقام)، وتعود جميعها إلى كيفية نمو الدماغ.

وفي الولايات المتحدة، جرى وصف الارتفاع المطرد في تشخيص مرض التوحد بأنه "وباء"، وهي كلمة مخصصة للإشارة إلى الأمراض المعدية، مما يعني أن مرض التوحد نفسه آخذ في الارتفاع. وبالنسبة إلى كثير من الباحثين هذا لا يبدو صحيحاً، ويعتقدون أن هذه الزيادة ترجع إلى عوامل أخرى مثل التغيرات في طريقة تعريف مرض التوحد.

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 1 من كل 100 طفل في العالم مصاب بالتوحد

كذلك، تشير إحصاءات CHADD، وهي منظمة توفر التعليم والدعوة والدعم للأفراد المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه وأسرهم، إلى أن 7.2 في المائة من إجمالي عدد السكان، أي ما يقارب من 129 مليوناً، وهو تقدير تقريبي لعدد الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في جميع أنحاء العالم، خلال ما بين العامين 2020-2022. فيما تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 1 من كل 100 طفل في العالم مصاب بالتوحد، يمثل هذا التقدير رقماً متوسطاً، ويختلف معدل الانتشار المبلغ عنه بشكل كبير عبر الدراسات. وهذه الأرقام، توضح بشكل لافت أن المرضى لا يعانون من نفس العوارض، وبينهم اختلافات واضحة.

فرط الحركة والنشاط الزائد

عادة ما يتم تشخيص مرض فرط الحركة على أنه قوى تجعل الأشخاص يتصرفون بشكل عشوائي. وعادة ما كان الأطباء يدرسون العوارض للمرضى الأطفال في سن السابعة تقريباً، ويعتبرون كل من يتحرك بشكل لافت من أصحاب المرض، إلا أن الدراسات تبدلت، وتبين بفضل مفهوم "التنوع العصبي" أن مرض فرط الحركة قد لا يتعلق فقط بالنشاط الزائد، وقد لا يظهر عند سن السابعة، بل قد يظهر في سن الثانية عشرة، ومن خلال عوارض مختلفة. 

الصورة
المصابون بمتلازمة داون يحتاجون للدعم المستمر لتحقيق الانجازات، 15 نوفمبر 2023 (Getty)
المصابون بمتلازمة داون يحتاجون للدعم المستمر لتحقيق الإنجازات، 15 نوفمبر 2023 (Getty)

كذلك الأمر بالنسبة إلى مرض التوحد، فقد سعى الكثير من الخبراء والعلماء إلى اعتبار سبب المرض ناتجاً عن عوامل وراثية، وهو ما لفتت إليه كل من سوزان فولستين ومايكل روتر في جامعة كينجز كوليدج في لندن، إذ كتبا أن مرض التوحد كان وراثياً بالنسبة إلى حالات عديدة. وبعد فترة وجيزة، تطرقت لورنا وينج وجوديث جولد، من جامعة كينغز، إلى استخدام مصطلح "طيف التوحد" بالنسبة لبعض الأشخاص أو الأطفال الذين يعانون من تكرار سلوكيات معينة. وتوضح هذه التحولات كيف بنى الخبراء أحكامهم حول ماهية الأمراض، دون الاعتراف بالسمات المختلفة لدماغ كل طفل أو شخص.

وترى البروفيسور باتريشيا هولين، المحررة المؤسسة لمجلة التوحد، أن التنوع سمة أساسية ورئيسية للمرض. وبحسب أبحاثها ودراستها، فإنه يمكن للمرضى خلال مرحلة عمرية معينة أن يكونوا أكثر إنتاجية من غيرهم، إذ قد يكونون علماء أو فنانين بارعين في أحد طرفي الطيف، وعلى الطرف الآخر هناك أشخاص مصابون بالتوحد يحتاجون إلى المساعدة في جميع أنشطتهم اليومية تقريباً. 

وينصح الخبراء بأن الدعم المناسب يعد أمراً ضرورياً، ولا بد للكوادر التعليمية في المؤسسات التربوية من التدرب على كيفية التعامل مع الأطفال، وفقاً لاحتياجاتهم، إذ تساعد المعلومات الواضحة حول التغييرات في الأنشطة في مساعدة كل طفل على حدة، كما يعد تحسين البيئة أمراً أساسياً لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أيضاً، فوفقاً للدكتور ماكس ديفي، طبيب الأطفال الاستشاري في لندن، يستخدم تشبيه "الدماغ الجائع" الذي لا يتم تحفيزه بشكل مزمن من خلال النشاط. ويعتبر أن الناس بحاجة إلى فهم اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ومعرفة كيفية الاستجابة له، من خلال بناء علاقات إيجابية. 

المساهمون