لاجئو أستراليا... أرض الحياة الجديدة "سجن دائم"

14 يناير 2022
تحركات الناشطين أمام عيون محتجزي بارك أوتيل (دييغو فيديلي/ Getty)
+ الخط -

تفاعل الرأي العام العالمي أخيراً مع قصة منع نجم التنس الصربي نوفاك ديوكوفيتش من دخول أستراليا بسبب مشكلة تتعلق بتأشيرته. وسلط وضعه في فندق بارك أوتيل بمدينة ملبورن حيث يحتجز طالبو اللجوء منذ أكثر من 8 سنوات، الضوء على عيش مئات من اللاجئين منذ سنوات في أستراليا وسط ظروف صعبة في معتقلات أو مراكز إيواء لا تستوفي الشروط التي تحددها الاتفاقات الدولية، ما يجعلهم يواجهون مخاطر كبيرة.
تحتوي فنادق ومخيمات تضم لاجئين في أستراليا على مئات من القصص المأساوية للاجئين قادمين من مناطق مختلفة في العالم، ولا يعرف أحد عددهم الفعلي، في حين كشفت تقارير أصدرتها منظمتا "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية عام 2016، أن 1200 لاجىء على الأقل بينهم نساء وأطفال يتعرضون لانتهاكات وينقلون قسراً إلى جزيرة ناورو النائية في المحيط الهادئ.

ومعروف أن أستراليا تطبق سياسة مختلفة عن باقي الدول في شأن اللجوء، إذ لا تسمح قوانينها باستقبال اللاجئين خصوصاً أولئك القادمين على متن قوارب عبرت البحر، لذا تحتجزهم في فنادق ومخيمات أو حتى جزر نائية، مع رفض النظر في طلبات لجوء.
وشهد عام 2019 تعديل السلطات الأسترالية إجراءات وضع اللاجئين في جزر نائية، ونقلها أولئك الذين يتواجدون فيها إلى فنادق داخل العاصمة سيدني ومدن كبرى، بعدما أوصى أطباء كشفوا على لاجئين في جزر نائية بضرورة نقلهم إلى أماكن أخرى لتلقي علاجات ضرورية، فأحضر معظم اللاجئين من هذه الجزر إلى فنادق، وبينها فندق بارك أوتيل في ملبورن.
تصف مديرة هيومن رايتس ووتش في أستراليا، إيلين بيرسون، في حديثها لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، ما يحصل بأنه "مأساة"، مشيرة إلى أن احتجاز ديوكوفيتش سلّط الضوء مجدداً على نظام الاحتجاز الإلزامي القاسي واللاإنساني في أستراليا.
وتكشف إحصاءات أن 117 طالب لجوء محتجزون منذ 5 سنوات أو أكثر، وآخرين لم يحدد عددهم قيد الاعتقال منذ أكثر من 10 أعوام، علماً أن عدد اللاجئين قد يكون تراجع نسبياً خلال السنوات الماضية، بعدما انتقل عشرات منهم إلى الولايات المتحدة تنفيذاً لصفقة أبرمتها سيدني مع واشطن خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. ولا يزال لاجئون كُثر ينتظرون دورهم في صفقات أخرى مع واشنطن.

من وراء نافذة في فندق بارك أوتيل (وليام ويست/ فرانس برس)
من وراء نافذة في فندق بارك أوتيل (وليام ويست/ فرانس برس)

ظروف صعبة
ووسط التصعيد الذي شهدته قصة ديوكوفيتش، توالى كشف قصص اللاجئين في فندق بارك أوتيل بملبورن، والتي تحدثت عن مأكولات مليئة بديدان، وغرف لا تدخلها أشعة الشمس، وغياب معايير النظافة والصحة العامة، وأيضاً عن عدم تلقي العديد من اللاجئين الرعاية الطبية المطلوبة خلال انتشار فيروس كورونا، وصولاً إلى تشخيص إصابة 22 منهم في الفترة بين أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين.
وروى لاجئون أن السلطات تمنعهم من فتح النوافذ، ما يمنع الهواء النقي عنهم، ولا تسمح بمغادرتهم الغرف أو حتى الانتقال إلى ردهات خارجية. لكن السلطات ردت بنفي مزاعم المحتجزين الذين أكدت أنهم يملكون إمكانات الوصول إلى مناطق مخصصة لممارسة تمارين وأنشطة داخلية وخارجية، وأنها تقدم الطعام المناسب لهم، وتخصص لهم أماكن نظيفة ومريحة للنوم.
واللافت أن الاتفاق الدولي الخاص باللاجئين الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1951، لا يسمح باحتجاز اللاجئين فترات طويلة، باعتبار أن هذا الأمر يمسّ بحقهم في الحياة، وكذلك بتقصير السلطات في تقديم حماية لهم، أو احتجازهم تعسفياً وتركهم في ظروف غير إنسانية، أو تسليمهم إلى بلادهم. 
ويتمتع اللاجئ بموجب القانون الدولي بحقوق نيل الرعاية الصحية والتعليم وممارسة الشعائر الدينية، ولقاء مسؤولين والإفادة من خدمات قانونية مجانية.

مطالبة باطلاق الجميع بلا استثناء (دييغو فيديلي/ Getty)
مطالبة بإطلاق الجميع بلا استثناء (دييغو فيديلي/ Getty)

قصص محزنة
وتعد قصة طالب اللجوء الإيراني مهدي علي إحدى أكثر القصص التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً، فهو يتواجد منذ 9 سنوات في فندق بارك المخصص للاجئين في ملبورن، علماً أنه فرّ من إيران عندما كان في الـ 15 من العمر على متن قارب ضمه إلى لاجئين إيرانيين آخرين. ويقول مهدي إنه تعرض لاضطهاد في بلاده لأنه ينتمي إلى الأقلية الأهوازية ذات العرقية العربية، ويؤكد أن السلطات الأسترالية لم تسمح له بمغادرة الفندق طوال سنوات احتجازه، "ما جعلني أفقد تسع سنوات من شبابي بسبب سياسة الهجرة الأسترالية".
ويعتبر مهدي أن أماكن الاحتجاز في أستراليا لا تراعي أية ظروف إنسانية، وبينها الحق في نيل الرعاية الصحية والنفسية والحصول على عناية شخصية. ويروي أنه لم يستطع الاستحمام عند احتجازه في جزيرة ناورو إلا عند سقوط المطر، وتآلف مع فئران تواجدت في غرفته.
وقد اعترفت السلطات الأسترالية بحق مهدي في طلب الحماية، لكن وضع اللاجئين في البلاد لم يساعده في دخول أراضيها وبدء حياة جديدة. وهو يخبر أن لاجئين كُثراً أحرقوا أنفسهم في السنوات الماضية بسبب اليأس وتعرضهم لإيذاء وسجن بلا سبب.
لا يختلف وضع لاجئ إيراني ثان يدعى عدنان شوباني (24 عاماً) عن مهدي بعدما فرّ بدوره من بلده قبل تسع سنوات. وهو صور شريط فيديو للمعاناة التي يعيشها اللاجئون في فندق بارك بملبورن، وعلّق قائلاً: "نخضع لحراسة على مدار الساعة. نعيش في سجن لا يمكننا أن نخرج منه أو حتى أن نفتح النوافذ".
من جهته، يتحدث جمال محمد (38 عاماً) الذي لم يكشف جنسيته، عن الوضع السيئ للاجئين في أستراليا في ظل منعهم من الانتقال إلى الردهات الخارجية وصالات الألعاب الرياضية. ويصف في حديثه لصحيفة "ذا غارديان" وضعه النفسي بأنه صعب، ويقول: "لا تفارقني الكوابيس، في حين لا أريد إلا الحرية". ويقول محتجز آخر عرّف عن نفسه باسم إسماعيل: "بدأت أفقد عقلي".
ويطالب المهاجر الكردي مصطفى أزيميتابر الذي احتجز 6 سنوات في جزيرة مانو، ثم 14 شهراً في فندقين بملبورن، باستعادة حقوقه بعدما نجح في رفع دعوى اتهم فيها الحكومة الأسترالية باحتجاز مهاجرين بشكل غير قانوني في فنادق.
وعلّق على ردود الفعل العالمية لاحتجاز ديوكوفيتش بالتغريد على "تويتر": في وقت يتعاطف العالم مع ديوكوفيتش، يعيش عشرات المنسيين في غرف صغيرة بلا هواء نقي في فنادق".

مناصران للاجئين في مواجهة رجل أمن أسترالي (دييغو فيديلي/ Getty)
مناصران للاجئين في مواجهة رجل أمن أسترالي (دييغو فيديلي/ Getty)

انعدام الأخلاق
وفي تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، يقول أستاذ مادة علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور ساري حنفي: "قد تكون قصة ديوكوفيتش مثالاً واضحاً على انعدام الأخلاق، وغياب أي إطار للعدالة الاجتماعية، فما حصل في أستراليا أخيراً يشير إلى مشكلتين أساسيتين تتعلق الأولى بكيفية إعطاء الأحداث أهدافاً محددة وتسويقها باعتبار أن تأثيراتها تطاول المجتمع الدولي إثر توجيه الرأي العام إلى قضية معينة من دون التركيز على باقي القضايا، والثانية بانتهاك شرعة حقوق الإنسان التي تؤثر على القضايا الاجتماعية الأخرى التي تجمع صراعاتها مواطنين كٌثراً في العالم".
ويعتبر حنفي أن ما حصل في أستراليا، قد لا يكون جديداً "لأن الجميع يعرف أن قوانين هذا البلد صارمة جداً، لكن انتهاك الاتفاقات الدولية يفسح في المجال أمام قيام دول أخرى بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان". لكنه يستدرك بأن ضغوط المجتمع المدني التي طالبت بالإفراج عن ديوكوفيتش "قد تكون مؤثرة ومهمة، لأنها تتعدى الإفراج عن اللاعب، وقد تعطي اللاجئين حقوقهم المنسية التي تكفلها الاتفاقات الدولية". 
ويؤيد حنفي استمرار الاحتجاجات لإطلاق سراح اللاجئين، ويراها أداة فعّالة لتأكيد أهمية إعادة الحقوق إلى أصحابها، ومساندة فكرة مقاومة المعاملة اللاإنسانية التي يتعرض لها أفراد كُثر في مجتمعات مضطهدة.
وقد شهد محيط فندق بارك ملبورن احتجاجات شعبية لممارسة ضغط من أجل إطلاق ديوكوفيتش، والمطالبة بإيجاد حلول مناسبة لقاطني الفندق من لاجئين يعيشون مقيدي الحرية منذ سنوات. وسبق ذلك تنظيم تظاهرات دعت إلى تأمين رعاية صحية للاجئين، وأحدها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حين طالب مئات من المدافعين عن حقوق الإنسان بالإفراج عن اللاجئين بعد تفشي فيروس كورونا في الفندق.

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اندلع حريق في الفندق حتم نقل شخص واحد إلى المستشفى بسبب إصابته باختناق من استنشاق الدخان. لكن السلطات لم تسمح بخروج اللاجئين من الفندق، واكتفت فرق الإنقاذ بوضع عدد منهم في غرفة واحدة لفترات طويلة من أجل السيطرة على الحريق.

المساهمون