لاجئو العراء... بيلاروسيا تكثّف استخدام سلاح المهاجرين

10 نوفمبر 2021
في غابة المصير المجهول (ليونيد شيغلوف/ فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الأوضاع على الحدود البولندية - البيلاروسية تطورات دراماتيكية، أول من أمس الإثنين، إثر محاولة آلاف المهاجرين العبور سيراً على الأقدام عبر طرق سريعة وفرعية الى غرب أوروبا، ما أدى إلى اندلاع أعمال عنف ومواجهات مع أجهزة الأمن البولندية التي استخدمت المروحيات في بعض النقاط. وترافق ذلك مع مطالبة مسؤولين أوروبيين بفرض المزيد من العقوبات على نظام الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، والتحرك نحو البلدان المصدّرة للمهاجرين جواً من خلال منعها من إصدار تأشيرات سياحية الى مينسك، ما عكس تخوفهم من أن تعيش القارة مجدداً أزمة بلوغ النزوح ذروته عام 2015، والذي لا تزال تداعياته تخيّم على اجتماعات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وطالبت برلين بروكسل باتخاذ إجراءات لوقف تدفق المهاجرين من بيلاروسيا. وقال وزير داخليتها هورست زيهوفر لصحيفة "بيلد" إنّ تدفّق المهاجرين مشكلة "لا تستطيع أن تتعامل بولندا أو ألمانيا معها بمفردهما"، مضيفاً: "يجب أن نساعد الحكومة البولندية في تأمين حدودها الخارجية. وهذا من مهمات المفوضية الأوروبية"، علماً أنه رحب أيضاً ببناء جدار حدودي "لمواجهة استخدام لوكاشينكو بدعم من الرئيس الروسي فلايديمير بوتين البشر لزعزعة استقرار الغرب". 
أما واشنطن فطالبت بيلاروسيا بوقف "التلاعب" بالمهاجرين إلى أوروبا عبر حدود بولندا. وقال الناطق باسم وزارة خارجيتها نيد برايس: "تندد الولايات المتحدة بشدة بقيام نظام لوكاشينكو بالاستغلال السياسي والتلاعب بأشخاص ضعفاء، والصور والمعلومات التي وردت من الحدود بين بيلاروسيا وبولندا حيث يحتشد آلاف المهاجرين مزعجة". 

في المقابل، كررت وزارة الدفاع البيلاروسية نفيها الاتهامات التي "لا أساس ولا مبرر لها في شأن المهاجرين"، واتهمت بولندا بتعمد تصعيد التوتر. لكن لا يخفى أن تسهيل بيلاروسيا نقل الناس لقاء أموال مرتبطة بوعود "الوصول إلى أوروبا" يندرج ضمن سياسات رئيسها لوكاشينكو رداً على الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها بلاده ضد إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية العام الماضي بنسبة 80 في المائة من الأصوات، والتي واكبها الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات اقتصادية على نظامه.
وبدءاً من مايو/ أيار الماضي، أطلق لوكاشينكو ما يشبه "هجوماً على أوروبا" عبر السماح لمهاجرين عالقين في بلاده بالتوجه إلى أوروبا التي وصفها بأنها "دافئة لهم"، قبل أن يطلق حملة نقل جوي من العراق ودول أخرى تمهيداً لمنح الناس حرية التوجه إلى ليتوانيا وبولندا، ما دفع الأوروبيين إلى اتهام نظامه بتنفيذ عمل منظم لإغراق بلادهم بالمهاجرين. وقفز رقم اللاجئين في ليتوانيا من 81 في 2020 إلى 4100 خلال الأشهر الثمانية الأخيرة. 

إجراءات بولندا
وأمس الثلاثاء، أعلن حرس الحدود البولندي وقف حركة مرور البضائع والأشخاص عبر معبر كوزينكا الحدودي، وطالب المسافرين بسلوك معبرين آخرين يبعدان 70 إلى 230 كيلومتراً عن المعبر الأساسي. وتزامن ذلك مع إرسال السلطات 12 ألف جندي إضافي إلى المنطقة الحدودية، وتعزيزها إجراءات المراقبة باستخدام طائرات بلا طيار أظهرت صورها أن "الوضع شديد التوتر" على طول الحدود الشرقية للبلاد.
وعلّق وزير الأمن القومي البولندي ماريوس بلاشتشاك على نشر مزيد من الجنود مقابل الأسلاك الشائكة التي ترتفع نحو مترين بأنه "تأكيد على أننا سنتصدى لكل محاولات اجتياز الحدود"، علماً أن منطقة معبر كوزينكا تخضع لإجراءات صارمة من أجل منع هروب اللاجئين، كما حدث سابقاً، في اتجاه ألمانيا. 
وكان لافتاً قول المتحدث باسم الحكومة البولندية ستانيسلاف زارين إن "المهاجرين لا يتحركون بحرية، بل يخضعون لرقابة صارمة مسلحة من أجهزة الأمن في بيلاروسيا التي تحدد وجهة مسارهم". من جهته، دافع رئيس الوزراء البولندي ماتوش مورافيتسكي عن إعلان حال الطوارئ على الحدود منعاً لتسهيل عمليات مساعدة المهاجرين ونقلهم، بالقول: "الإغلاق يخدم مصلحتنا الوطنية، ونحذر من أن الموجة غير المسبوقة من المهاجرين الذين يحاولون دخول بولندا بصورة غير قانونية من بيلاروسيا تهدد أمن الاتحاد الأوروبي كله، في حين نرفض الرضوخ لتخويف نظام لوكاشينكو، ونتمسك بالدفاع عن السلام في أوروبا مع شركائنا من الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي".
وكانت المفوضية الأوروبية شجعت بولندا على قبول دعم ومساندة وكالة "فرونتكس" لحماية الحدود الأوروبية الخارجية، والمكتب الأوروبي لدعم اللجوء "ايازو" والشرطة الأوروبية (يوروبول)، من أجل تسجيل المهاجرين ومعالجة طلبات اللجوء ومكافحة التهريب. لكن وارسو رفضت ذلك، مؤكدة قدرتها على السيطرة على الوضع بمفردها. 

جلسة انتظار بلا دفء (ليونيد شيغلوف/ فرانس برس)
جلسة انتظار بلا دفء (ليونيد شيغلوف/ فرانس برس)

أدوات في "لعبة أكبر"
حالياً، يعيش النساء والأطفال أوضاعاً مزرية على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، حيث يتواجدون بهدف دخول الاتحاد الأوروبي. بعض الأطفال في سن الرضاعة، وآخرون يمسكون بأيادٍ يائسة من التحوّل إلى أدوات في "لعبة أكبر". ويستمر تدفق المهاجرين، وغالبيتهم من العراق وأفغانستان وسورية، رغم كل محاولات أوروبا لوقف استخدام لوكاشينكو، بدعم من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، البشر لزعزعة استقرار الغرب. ويحدث هذا التدفق وسط ظروف إنسانية غير لائقة في عراء الغابات وأطرافها، حيث ينخر البرد عظام الأكثر ضعفاً من الصغار، وبعضهم مرضى. 
وفي الليل تنخفض درجات الحرارة إلى صفر مئوية وأدنى، وسط قيود مشددة من الجانب البولندي. ويتحدث سكان في قرى عن سماع أصوات بكاء الأطفال ليلاً في الغابات، علماً أن السلطات البولندية تسمح في حدود ضيقة جداً لبعض أطقم الإسعاف من الصليب الأحمر البولندي بالوصول إلى اللاجئين الذين يعانون من صدمة الوجود في العراء والبرد. 
وخلال الأسبوع الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وصل أكثر من ألف اتصال لأشخاص عالقين بين بيلاروسيا وبولندا لطلب مساعدة في غياب أية وسائل للعيش والحصول على دفء. وكانت الاستجابات قليلة في ظل ظروف تسييس القضية.  
وأول من أمس، رد ستيفن سيبرت، المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي ستغادر منصبها في نهاية الشهر الحالي، على قول المتحدث باسم حرس الحدود البيلاروسي أنطون بيتشكوفسكي، إن "المهاجرين لا يشكلون تهديداً أمنياً، ويحق لهم قانوناً التقدم للحصول على وضع اللاجئ في الاتحاد الأوروبي"، بأن "مينسك تتصرف مثل مهربي البشر".
ولا تتعلق قضية المهاجرين على الحدود البولندية - البيلاروسية اليوم بالجدل حول سلامتهم وحقهم في طلب اللجوء، بل باستمرار سلطات بيلاروسيا إجراءات نقلهم المنظم، والتي يصفها سيبرت بأنها "استغلال للاجئين بطرق مستهجنة سياسياً وإنسانيا".

أوروبا أكثر واقعية وأقل أخلاقية
ودفعت محاولة المهاجرين تنفيذ دخول جماعي بالقوة عبر حدود بولندا، المفوضية الأوروبية إلى اتهام بيلاروسيا باستغلال الأزمة. ووصفت الناطقة باسمها أدالبرت يانيز، ما يحصل بأنه "استمرار لمحاولة نظام لوكاشينكو اليائسة استخدام الناس أدوات لزعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي وقيمه"، مكررة بأن الاتحاد يراقب الوضع عن كثب. ويناقش الأوروبيون حالياً فرض مزيد من العقوبات على نظام لوكاشينكو بسبب "الحرب الهجينة" التي أطلقها ضدهم، علماً أن بعضهم يتهم نظام بيلاروسيا بـ"رئاسة عصابة لمهربي بشر تابعة لدولة". 
ودعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين دول الاتحاد إلى الموافقة على فرض عقوبات إضافية على نظام لوكاشينكو بعدما أعلن عدم رغبته في صدّ المهاجرين في طريقهم الى أوروبا كرد فعل على عقوبات يفرضها الأوروبيون على بلاده. من جهته، شدّد رئيس كتلة حزب الشعب الأوروبي الألماني مانفرد فيبر لصحيفة "بيلد" على أن "رسالة أوروبا يجب ان تكون كفى، وتوجيه رد حازم، والعمل لمعاقبة شركات الطيران التابعة لبلدان ثالثة تشارك في نقل المهاجرين إلى بيلاروسيا". 

وكتبت صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية أن "المزاج بين الألمان والأوروبيين تغيرّ تجاه اللاجئين بعد أزمة الهجرة عام 2015، فالنقاشات اليوم أصبحت أكثر واقعية وأقل أخلاقية، وهو ما تظهره الحملات الرئاسية في فرنسا والنمسا ودول البلطيق، رغم أن ضغط الهجرة أقل بكثير منه حينها". 

المساهمون