يبدو أن الجزائر تواجه ضياعاً على أكثر من صعيد لدى الحديث عن الكتاب المدرسي. فالمضمون، بالإضافة إلى ضرورة الانتقال إلى الكتاب الرقمي، وغيرها، ما زالت تثير تساؤلات
يُثير الكتاب المدرسي جدالاً كبيراً في الجزائر في ظلّ الحديث عن تعديل بعض مضامينه. كما تُطرح مجموعة من الأسئلة المتعلقة بأهميته في تنمية شخصية التلاميذ. جزء من الجدال قد يكون نتيجة للضياع، إذ تقول المعلّمة وهيبة طورشي إن هناك ضياعاً لدى الحديث عن الكتاب المدرسي، في ظل التعديلات التي يشهدها القطاع التربوي في البلاد. وتسأل، خلال حديثها لـ "العربي الجديد"، إن كانت هذه الإصلاحات أو التغييرات ستشمل الكتاب المدرسي، ليلبي طموحات التلاميذ في مختلف المستويات.
وتُشدّد طورشي على أهمية الكتاب المدرسي للتلاميذ كونه يحتوي على الدروس التي يتوجب عليهم تعلمها، بالإضافة إلى تمارين تعمّق فهم الدروس. وبطبيعة الحال، تتغير الكتب من جيل إلى جيل. ويقول عاملون في القطاع التربوي إن الكتاب المدرسي عرف تغيّرات كثيرة، لناحية المضمون والشكل.
من جهته، يقول أستاذ اللغة العربية وأحد المساهمين في تعديل المناهج عبد الرحيم مدّور لـ "العربي الجديد": "مرّ الكتاب المدرسي في الجزائر بمراحل عدة، أهمها تلك التي أعقبت استقلال الجزائر عام 1962. في ذلك الوقت، استمرّ القطاع التربوي في اعتماد الكتاب الموروث عن المدرسة الفرنسية خلال فترة الاستعمار الفرنسي، قبل الانتقال إلى مرحلة أطلق عليها كثيرون مرحلة جزأرة الكتاب أي جعله جزائرياً لناحية الشكل والمضمون، مع الحرص على ضمان تأمينه لجميع المستويات وبالمجان في إطار سياسة مجانية التعليم. أعقبت هذه المرحلة تعديلاتٌ في مضامين الكتب تماشياً مع التطور التكنولوجي حول العالم".
وفي الوقت الحالي، يحتدم الجدال مع طرح تقليص تعليم مادة التربية الإسلامية، وجعلها مادة اختيارية في المستقبل، وذلك في سياق التعديلات المطروحة. أمر رفضه البعض واعتبره محاولة لنزع الهوية العربية والإسلامية عن المدرسة الجزائرية.
من جهة أخرى، تحاول الجزائر تعديل برامجها التعليمية واعتماد التكنولوجيا من خلال نسخ المناهج على أقراص مدمجة، وهو التوجه الذي دعا إليه الوزير الأول عبد العزيز جراد خلال بدء العام الدراسي منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، والانتقال إلى استخدام الألواح الإلكترونية في كل المدارس لمواكبة التطور التكنولوجي وضمان استمرار التعليم في ظل تفشي وباء كورونا.
لا تفاؤل
لا يبدو أنّ معلّمة الرياضيات نورية بن عمرة، وهي من ولاية الجلفة غرب الجزائر، متفائلة. تقول لـ "العربي الجديد" إن وعود الحكومة الجزائرية بتوفير كتاب رقمي وتوزيع الألواح الإلكترونية على التلاميذ في جميع مدارس البلاد غير ممكن الإيفاء بها حالياً بسبب الكلفة المادية المرتفعة. تضيف أن استخدام الألواح الإلكترونية يعني تأمين كل الدروس إلكترونياً، وهو ما تعتبره صعباً في هذه المرحلة، لافتة إلى أن الانتقال من الكتاب الورقي إلى الإلكتروني يجب أن يحصل تدريجياً.
وهناك عوامل أخرى تتعلق بتجهيز المدارس بتلك الأجهزة وتدريب التلاميذ على استعمالها من جهة، وتوفير الدعم اللازم لهم ليكونوا قادرين على استخدامها لدى عودتهم إلى بيوتهم من جهة أخرى. في هذا الإطار، يشير الأستاذ عبد الله سياري، وهو من منطقة بوحاتم في ولاية ميلة شرق الجزائر، إلى الظروف المعيشية الصعبة للتلاميذ في الجزائر في القرى النائية. ويقول: "من غير المعقول أن نتحدث عن ألواح إلكترونية في وقت لا تتوفر وسائل نقل للتلاميذ". ويقول سياري إن ما تتحدث عنه الحكومة الجزائرية في الوقت الحالي ليس أولويات التلاميذ الآن، موضحاً "أننا نواجه اليوم مشاكل تبدو غير مهمة للبعض، خصوصاً في المدن الكبرى، لكنها تعتبر أولوية لتلاميذ مناطق الظلّ (الأرياف)"، مشيراً إلى أنه "يمكن العمل على حل هذه المشاكل بالتوازي، أي توفير الوسائل الضرورية للتلاميذ وتحفيزهم على التعامل الجيد مع التكنولوجيا".
ويكشف القطاع التربوي أن 90 في المائة من الصفوف في المدارس لا تتوفر فيها أجهزة إلكترونية، وإن وجدت فهي لا تعمل دوماً.
مكانة الكتاب على المحكّ
يتّفق معظم الأساتذة في القطاع التربوي على فقدان الكتاب المدرسي أهميته في العملية التعلمية في الوقت الحالي. ويجد الجزائريون أنفسهم اليوم عالقين بين ماضي وحاضر المنظومة التربوية، وبين كتاب الماضي وكتاب الحاضر. تغيرت الأجيال منذ الاستقلال، وهو ما يشير إليه الأستاذ عبد الحميد بن مهني، مدير مدرسة متقاعد وأستاذ سابق في المرحلة الابتدائية يتحدر من منطقة مروانة في ولاية باتنة. يقول إن قدرات التلميذ والأستاذ أصبحت متقاربة في الوقت الحالي، إذ يلجأ الأول إلى الإنترنت والكتب للحصول على المعلومات التي يحتاج إليها. ويرى أنه يتوجب على المتخصصين البحث في الأسباب والحلول لإعادة الكتاب المدرسي إلى مكانته الحقيقية.