تتحوّل الدروس الخصوصية في الجزائر إلى ظاهرة اجتماعية ترهق العائلات الساعية إلى تأمين مستلزمات العيش الأساسية لأفرادها. وتشهد مختلف المحافظات توفير مراكز/أقسام للدروس الخصوصية. ويجد الكثير من الأساتذة أن فتح أقسام للدروس الخصوصية يعد استثماراً مربحاً يدر عليهم أموالاً تفوق راتبهم الشهري. وتشهد هذه المراكز تنافساً كبيراً. وحوّل بعض الأساتذة منازلهم أو أجزاء منها إلى قاعات لتعليم التلاميذ مساء في مقابل بدل مالي في ظل الرواج الكبير الذي تشهده الدروس الخصوصية. وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للأمر من خلال الإعلانات التي ينشرها الأساتذة بهدف استقطاب أكبر عدد من التلاميذ، مع تقديم عروض مميزة لجذب الأهالي.
ودفع التراجع الملحوظ في قطاع التعليم في الجزائر خلال السنوات العشر الأخيرة العائلات إلى الاعتماد على الدروس الخصوصية أو دروس الدعم من أجل تحسين المستوى التعليمي لأبنائهم، وضمان نجاحهم في الشهادات الرسمية، وحصولهم على معدلات عالية، تسمح لهم بالالتحاق بجامعات جيدة والتخصص بالمواد العلمية.
ويقول نور الدين بلعبسي وهو تاجر من مدينة خميس مليانة بمحافظة عين الدفلى، إنه اضطر إلى تأمين تكاليف الدروس الخصوصية لأبنائه الثلاثة نظراً لأهمية الأمر. ويوضح أن أبناءه ضغطوا عليه للحصول على دروس خصوصية بعدما لاحظوا تفوق بعض زملائهم الذين التحقوا بها، مشيراً إلى أن التلاميذ يؤثرون على بعضهم بعضاً سواء داخل الصفوف أو على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يثقل كاهل الأهالي.
أما فاطمة، وهي موظفة في إحدى الإدارات الحكومية في محافطة البليدة، فتقول إنها لن تتمكن من اللجوء إلى مدرس خصوصي على الرغم من أن ابنها يستعد لشهادة البكالوريا، إذ إن راتبها لا يكفي لتغطية هذه التكاليف وخصوصاً أن زوجها مريض. تضيف أنها كانت تتمنى تقديم الأفضل لابنها ومساعدته قدر المستطاع للتفوق في شهادة البكالوريا والالتحاق بأفضل الجامعات. وتشير إلى أن ابنها يعمل في العطل المدرسية لتأمين مصروفه. وتسأل: "كيف يمكنني توفير تكاليف الدروس الخصوصية التي لا تقل عن 60 دولاراً شهرياً".
إلى ذلك، يعزو الكثير من الأساتذة لجوءهم إلى التعليم خارج المدارس الحكومية إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد وغلاء الأسعار، وعدم تحسن الظروف المعيشية في ظل الأجور الزهيدة التي يتقاضونها مقارنة مع نظرائهم في الدول الأخرى. ويقول سمير وهو أستاذ مادة الفيزياء في مدرسة بمدينة شرشال غربي العاصمة الجزائرية: "أُدرّس أكثر من مائة تلميذ خلال ثلاثة أيام في الأسبوع، وتصلني الكثير من الطلبات في هذا الإطار. إلا أن المكان الذي أعمل فيه لا يتسع لعدد كبير من التلاميذ". يضيف: "حوّلت جزءاً من بيتي إلى قاعة تدريس كبيرة. لم أفكر في ذلك من قبل، إلا أن الواقع الصعب والراتب الضئيل أجبراني على ذلك".
وعلى عكس سمير، لجأ أستاذ العلوم حسين وأستاذ الرياضيات محمد وأستاذ اللغة الإنكليزية علي إلى استئجار طابق في أحد المباني ويتعاونون معاً لتأمين بدل الإيجار. ويدرسون أكثر من 150 تلميذاً يستعدون لشهادة البكالوريا. ويقول محمد إن الإقبال يزيد من عام إلى آخر بسبب النتائج الإيجابية التي يحققها التلاميذ، مضيفاً أنه نظراً لضيق الوقت وعدد التلاميذ الكبير في الصف على الرغم من اعتماد نظام الأفواج، يشعر الأساتذة بضغط كبير الأمر الذي أثر على المستوى التعليمي وزاد الهوة بين الأستاذ والتلميذ مقارنة بالسنوات الماضية.
أما علي، فيشير إلى أن التلاميذ يحاولون الاستفادة من الدروس الخصوصية، وتتراوح كلفتها ما بين 30 و50 دولاراً شهرياً بحسب المادة العلمية.
وعلى الرغم من أن وزارة التربية الوطنية كانت قد أكدت أن نشاط الدروس الخصوصية غير مرخص وليس قانونياً، كونه يخل بالتزامات الأستاذ المهنية ويفتح المجال للتلاعب بنتائج اللامتحانات من خلال التركيز على دروس معينة وتقديمها في الامتحانات، بالإضافة إلى التعليم في أماكن غير مرخصة بعيدة عن القيمة المعنوية للأستاذ والتلميذ نظراً للرسالة النبيلة التي من المفروض أن يتحلى بها الأساتذة. كما تتحفظ بعض جمعيات أولياء التلاميذ على الدروس الخصوصية بسبب تحولها إلى عمل تجاري أكثر منه دعماً للتلميذ، وخصوصاً أن بعض الأساتذة غير المؤهلين يقدمون دروساً خصوصية بهدف الربح السريع.
في هذا الإطار، يقول رئيس جمعية أولياء التلاميذ في إحدى ثانويات محافظة تيبازة خير الدين جبلي: "تحتاج الدروس الخصوصية إلى بعض التنظيم"، مشيراً إلى أن هناك فرقا كبيرا بين التعليم في المدارس الحكومية وخارجها، إذ يتحسن المستوى التعليمي للتلاميذ الذين يلجأون إلى الدروس الخصوصية"، مؤكداً أن "تجربته الشخصية مع ابنيه محمد وسامي كانت إيجابية بسبب لجوئه إلى الدروس الخصوصية، وقد تفوقا ونجحا في الالتحاق بالمدرسة العليا للأشغال العمومية ومعهد تكوين التقنيين المتخصصين في التعمير والهندسة المعمارية، وقد كرم أحد أبنائه من قبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون".