منذ سنوات، تحذّر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية سكان قطاع غزة من دفن الموتى في المقابر المركزية الممتلئة. رغم ذلك، يعمد غزيون إلى دفن ذويهم قرب قبور أفراد عائلتهم، أو في قبور ذويهم نفسها، حرصاً على تنفيذ وصايا ذويهم حول مكان الدفن، وهم يغضّون النظر عن التزام القرارات الرسمية التي تحثهم على الابتعاد عن المقابر الممتلئة.
ورغم إنشاء مقابر جديدة خلال السنوات الخمس الأخيرة. إلا أن الغزيين يتمسكون بعاداتهم الخاصة بالدفن في مقابر العائلة، على الرغم من ازدحام القبور. مقبرة الشيخ رضوان المعروفة بين الغزيين باسم "مقبرة البرية"، باتت الأكثر اكتظاظاً لناحية عدد القبور، وهي مقبرة قديمة يعود تاريخ إنشاءها إلى خمسينات القرن الماضي.
نفذت عائلة درويش وصية الوالدة سمية بدفنها في قبر نجلها محمد، والذي استشهد في إبريل/ نيسان عام 2001، في أعقاب الانتفاضة الثانية. استشهد محمد حين كان في الثامنة عشر من عمره، ومنذ تلك اللحظة، أخبرت أمه بقية أبناءها بوصيتها، وقد توفيت بعد 22 عاماً على استشهاده.
يقول نجلها إياد (48 سنة) إن والدته من بين الكثير من نساء العائلة اللواتي دفنّ في هذه المقبرة، بل وفي قبور ذويهم، نظراً للاكتظاظ. إذ لم يكن متاحاً الدفن إلا في المقبرة الشرقية. يتابع خلال حديثه لـ "العربي الجديد": "نفضل أن نزور أمواتنا في مقبرة واحدة حتى نقرأ عليهم الفاتحة".
وحظي الراغبون في دفن موتاهم في مقابر لأفراد من عائلاتهم بموافقة مجلس القضاء الشرعي في غزة، بشرط توافر الضرورة أو الحجة المنطقية، على أن يزيد عمر قبر المتوفى على عشر سنوات".
دفن حمزة اللبّان الذي توفي عن 60 سنة في قبر والدته التي توفيت قبل 11 عاماً. كان حمزة يرافقها في رحلة علاجها، إذ التي كانت مصابة بالفشل الكلوي، وطلب أن يدفن معها، على الرغم من أن زوجته عارضت الفكرة، إذ كانت الزوجة ترى أن دفنه في مقبرة بيت لاهيا شماليّ القطاع أفضل من مقبرة مخيم جباليا.
تقول الزوجة إن قبوراً كثيرة يدفن فيها اثنان، وقد لجأ العديد من أفراد عائلتها إلى دفن موتاهم في مقابر كان قد دفن فيها أفراد من عائلاتهم سابقاً. تضيف: "في البداية، أردت أن يكون لزوجي ضريح خاص به، لكن في غزة لا يجد الحيّ مسكناً ولا الميت ضريحاً. لذلك، التزمت تنفيذ وصيته".
قبل سنوات، أنشأت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مقابر الطوارئ لدفن الشهداء خلال العدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع في مناطق قريبة من تمركز الأهالي. وكان الهدف توفير الأمان لذوي الشهداء خلال العدوان، مع الحرص على عدم بعد المسافة بين المقابر والبيوت.
لكن في الوقت الحالي، باتت 24 مقبرة في قطاع غزة ممتلئة، وسمحت الوزارة بالدفن في مقابر الطوارئ. ويوضح المدير العام للأملاك الوقفية في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، مازن النجار، أن المقابر تستخدم أيضاً في حال وجود كوارث طبيعية، واعتمدت خلال تفشي جائحة كورونا. وإن إنشاء أول مقبرة كان في عام 2012، في منطقة التفاح شرقيّ مدينة غزة، وعلى أرض تتسع لما يزيد على 400 قبر.
ويشير النجار إلى أن شهداء العدوان الإسرائيلي في أعوام 2012 و2014 و2021، والعدوان الأخير في مايو/ أيار الماضي، دفنوا في مقبرة حيّ التفاح. وللحد من الدفن في المقابر الممتلئة، خُصِّص أكثر من 150 قبراً لأوقات الطوارئ في المقابر الأساسية، بعد الموافقة على زيادة المساحة الجانبية للمقابر. مشيراً إلى استخدام أكثر من 50 قبراً حتى اليوم في كل مقبرة.
ويقول مدير الأملاك الوقفية لـ "العربي الجديد": "مشكلة قطاع غزة هي حاجته إلى مساحات للسكن وأخرى للخدمات العامة. والحلول التي تتخذها السلطات لدفن الموتى آنية. القطاع معرض لاعتداءات متكررة، وبالتالي سقوط المزيد من الشهداء، بالإضافة إلى الوفيات الطبيعية، لتصبح قضية المقابر مشكلة".
وعلى الرغم من صغر مساحة القطاع، تشير بيانات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى وجود 64 مقبرة، منها 24 مقبرة يجب إغلاقها استناداً إلى قرارات لا تزال معلقة من قبل الوزارة. ويفيد النجار بأنه في المرحلة المقبلة، ستُخصَّص أراضٍ بالتعاون مع سلطة الأراضي والحكومة لافتتاح مقابر تمتد على مساحات واسعة، مع تنظيم الدخول إلى القبر وحفر القبور ودفن الموتى.