استمع إلى الملخص
- تعمل القنصلية الفخرية لسيراليون بالتعاون مع منظمات دولية ومحلية لتوفير مأوى وخدمات، لكن الجهود تواجه تحديات بسبب نقص الموارد والتمثيل الدبلوماسي، مما يزيد من خطر الاتجار بالبشر.
- تبرز حركة مناهضة العنصرية التمييز ضد المهاجرين، حيث تُستثنى هذه الفئات من خطط الطوارئ، مما يؤدي إلى تعرضهن للطرد والتحرش، مع تركيز الجهود على توفير مراكز إيواء مؤقتة.
لا تصيب ويلات العدوان الإسرائيلي اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين والسوريين وحدهم، بل تمتد إلى العمال الأجانب، ومن بينهم عاملات المنازل اللواتي افترشن الأرصفة منذ بدء العدوان. أوقات عصيبة أمضتها مجموعة من العاملات المهاجرات على امتداد كورنيش الرملة البيضاء في بيروت، بعد أن تُركن في الشارع لقدرهنّ وسط البؤس والقهر والجوع، لولا رحمة بعض الخيّرين.
تروي فاطمة أميدو، القادمة من سيراليون، كيف أنّها كانت تعمل في الخدمة المنزلية في أحد منازل مدينة صور قبل أن تضطر إلى النزوح برفقة أصحاب المنزل وأولادهم إلى الضاحية الجنوبية لبيروت بعدما اشتد القصف الإسرائيلي على الجنوب، وتقول لـ"العربي الجديد": "فوجئنا بالغارات القوية وهرعنا إلى الشارع، غير أن الصدمة حصلت عندما استقلت صاحبة المنزل سيارتها وهربت برفقة أطفالها، من دون أن تكترث لأمري. اكتفت بالصراخ اذهبي إلى شقيقاتك الأفريقيات من سيراليون، وتركتني لقدري في الشارع. التقيتُ مجموعة من العاملات في شوارع الضاحية الجنوبية، وتوجّهنا معاً نحو كورنيش الرملة البيضاء لأنه الأقرب والأقل خطراً".
وتقول: "وصلنا إلى الكورنيش عند منتصف الليل، وأدركنا أننا لم نعد نملك شيئاً، لا المال ولا الثياب ولا الطعام ولا المياه، حتى إن الهواتف ليست في حوزة معظمنا. غفونا على الأرصفة، فلا فُرش ولا أغطية ولا وسادات، ولم يكترث أحد لأمرنا. استفقنا على هول الفاجعة بعدما صرنا بلا مأوى".
من جهتها، تسرد مريم ألفا كماغا معاناتها بعدما تخلّت عنها صاحبة المنزل في الضاحية الجنوبية وهربت بسيارتها بعد الغارات العنيفة، وتقول لـ"العربي الجديد": "لم تتكبّد صاحبة المنزل حتى عناء إيصالي إلى مكان آمن، سواء مدرسة أو مركز إيواء، أو حتى إلى الكورنيش، بل اكتفت بالقول اذهبي إلى الشارع، هناك كثير من الأفريقيات في الخارج، اذهبي واعثري على شقيقاتك، وهي تقصد زميلاتي من عاملات المنازل المهاجرات. لم يدفعوا رواتبنا، ورمونا في الشارع، وبقينا على الرصيف من دون طعام ولا أغطية ولا فُرش ولا أي مساعدة".
أما فاطمة كامالا فقد وصلت إلى لبنان عام 2022، وعملت في منزل بالضاحية الجنوبية قبل أن تصبح مشرّدة في شوارع بيروت، وتقول لـ"العربي الجديد": "حين قُصفت الضاحية الجنوبية هرعت صاحبة المنزل مع عائلتها إلى الفرار بعيداً، وقالت لي خذي حقيبتك وارحلي. اذهبي وابحثي عن شقيقاتك في مخيم صبرا وشاتيلا (بيروت)، وهي تقصد العاملات من بلدي سيراليون".
من جهتها، تناشد زينب، العاملة العشرينية المهاجرة، الجمعيات الخيرية والحقوقية الرأفة بها وبزميلاتها، وتقول لـ"العربي الجديد": "تركتُ خلفي ثلاثة أطفال، وقدمتُ إلى لبنان للعمل في منزل بالضاحية الجنوبية، لكنّ أصحابه لم يأبهوا لأمري. فور وقوع الغارات المدمّرة، احتضنوا أطفالهم وهرعوا إلى سيارتهم، وصاحوا بي اذهبي في إجازة". وتقول: "ننتظر الخلاص ولا نعرف من أين سيأتينا، لكننا لا نقوى على تحمّل مزيد من البؤس والمعاناة. خذلنا أصحاب العمل".
يؤكد مدير مكتب قنصلية سيراليون الفخرية في لبنان، سمير بحسون، لـ"العربي الجديد"، أن "القنصلية باشرت منذ إبلاغها بأوضاع عاملات المنازل المشردات، التواصل مع المنظمات الدولية والجمعيات المحلية المعنية، لتأمين مأوى لهنّ في مراكز هذه المنظمات والجمعيات، وتوفير الخدمات والمساعدات. أما بالنسبة للعاملات التابعات للكفيل، فقد تواصلنا مع الأمن العام اللبناني لإعداد ملفات خاصة بهنّ، على أن تتكفل المنظمات الأجنبية المعنية بدفع التكاليف. كما نتابع أحوالهنّ مع سفارة سيراليون في طهران ومع جمهورية سيراليون، خاصة أن لبنان يضم "نحو 1.776 عاملة منازل من الجنسية السيراليونية".
ويكشف أن "عدد عاملات المنازل من الجنسية السيراليونية اللواتي رُمين في الشارع، تراوح بين 100 و150 عاملة، 80% منهنّ نازحات من الضاحية الجنوبية لبيروت ومن محافظة الجنوب، و20% منهنّ تُركن في الشارع من قبل أصحاب عمل سافروا ولم يرغبوا في دفع تكاليف السفر للعاملات، ولا حتى تخليص أوراقهنّ لدى الأمن العام اللبناني".
ويشير إلى أنّ "القنصلية تعمل ضمن صلاحياتها وإمكاناتها، وستقوم بترحيل الراغبات في العودة إلى بلادهنّ على نفقة المنظمات الدولية، وبمعالجة وتسوية الشؤون القانونية للراغبات في البقاء في لبنان. لم تردنا مؤخراً أي بلاغات جديدة بشأن وجود عاملات منازل من سيراليون في الشارع، ونأمل ألا تكون أي عاملة في الشارع لغاية اليوم. لكننا لا نملك فريقاً ميدانياً لتقصّي حقيقة الأمر على أرض الواقع، إنما نعتمد على ما يردنا من بلاغات من أفراد وجمعيات ووسائل إعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي".
تحت عنوان "العنصرية تحت القصف"، أعربت حركة مناهضة العنصرية (ARM) عبر حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي، عن أسفها لـ"خطة الطوارئ الوطنية التي تستثني المهاجرين واللاجئين في لبنان، ما يذكّر بعنصرية وتمييز صارخين وبسياسات لم تتغير منذ جائحة "كوفيد-19" وعقب انفجار مرفأ بيروت عام 2020. إذ تتهرب الدولة من أي مسؤولية تجاههم، في حين يهرب أصحاب العمل ويتركون عاملات المنازل المهاجرات وحدهنّ، ولا تستجيب السفارات والقنصليات. الأمر الذي يفاقم أثر الحرب نتيجة العنصرية الممنهجة، حيث تمّ طردهنّ من الحدائق والمباني المهجورة والمساحات غير المأهولة، وتعرّض بعضهنّ للتحرش الجنسي".
وفي اتصال لـ"العربي الجديد"، يوضح منسق التواصل في الحركة، والذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن "الحركة تتعاون مع مختلف الجمعيات والمنظمات المعنية بشؤون عاملات المنازل المهاجرات والعمال الأجانب وبالتنسيق مع المبادرات الفردية. وقد أثمرت الجهود المشتركة عن إيجاد مدرسة في طرابلس (شمالي لبنان) استقبلت نحو 70 عاملة منازل، أغلبهنّ من جمهورية سيراليون. لكن بعد أقل من 24 ساعة تمّ إبلاغهنّ بضرورة مغادرة المدرسة في غضون ساعة، كونها فقط للبنانيّين. فكانت أن عملت الجمعيات على إعادة العاملات إلى ساحة الشهداء (وسط بيروت)، قبل أن يتمّ إيجاد ملجأ لهنّ في العاصمة، نفضّل عدم تحديد مكانه، حفاظاً على خصوصيتهنّ، لكنه مكان آمن يحتوي مطبخاً ودورات مياه والحاجات الأساسية من فُرش وحرامات شتوية وأدوات نظافة شخصية، ويبقى أفضل من الشارع رغم اكتظاظه بنازحين من جنسيات أخرى، لكنه ليس منزلاً ولا شقة. وهناك عاملات يحاولن عن طريق المنظمات أو المبادرات الفردية، جمع التبرعات للعودة إلى بلادهنّ. وتعمل كذلك سفارة بنغلادش وقنصليتا إثيوبيا وكينيا على تسجيل أسماء الراغبات والراغبين في العودة".
ويضيف: "وفق تقديرات منظمة الهجرة الدولية (IOM)، فقد نزح نحو 17.500 عامل وعاملة أجنبية من جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان، في حين تمكنت المنظمة وشركاؤها من إيواء قرابة 4.500 نازح منهم. كما رصدت المنظمة إصابة ثماني عاملات منازل مهاجرات إثر الغارات الإسرائيلية، وذلك قبل الغارتين على منطقتَي النويري والبسطة (وسط بيروت)". ويكشف منسق التواصل أن "معظم النازحين من العمال الأجانب هم من عاملات المنازل المهاجرات اللواتي نزحن بالآلاف، وفق التقديرات الأولية، حيث إن الجهود تتركز اليوم على الاستجابة لحالات الطوارئ وتأمين مراكز إيواء. ونرجّح انخفاض عدد عاملات المنازل المهاجرات جراء الحرب".
وإذ يشير إلى أن "غالبية عاملات المنازل في لبنان هنّ من الجنسية الإثيوبية"، يقول: "قد يكون اللجوء إلى الجنسية السيراليونية بات أكبر في الفترة الأخيرة، كون تمثيلهنّ يقتصر على قنصلية فخرية فحسب، وليس على تمثيل دبلوماسي، ما يفتح المجال أمام تنامي عمليات الاتجار بالبشر، كما يحصل في بلدان عديدة، ويفاقم معاناة العاملات القادمات من سيراليون. وقد شهدنا حجم مأساتهنّ عقب انفجار مرفأ بيروت، حيث كانت عملية تنسيق جهود إخلائهنّ أصعب بكثير، ولم تكن حقوقهنّ محفوظة كغيرهنّ من العاملات".
وكانت العاملات الأجنبيات في الخدمة المنزلية في لبنان تعرّضن لأبشع أنواع الظلم بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2019، سواء عبر تخلّي أصحاب عملهن عنهن، عبر رميهن أمام أبواب السفارات لتدبّر أمورهن، أو عبر حرمانهن من مستحقاتهن. ولا تزال آلاف العاملات الأجنبيات عرضة لأبشع أنواع الاستغلال عبر "نظام الكفالة" الذي يمنح صاحب العمل فائض قوة، ويحرم العاملة من أدنى حقوقها، وفق ما تذكر "المفكرة القانونية" (منظمة غير ربحية للأبحاث والمناصرة). وعام 2023، بلغ عدد العاملات المقيمات بطريقة نظامية (الجديدات والسابقات) في لبنان نحو 73.778.
وتقول "المفكرة القانونية" إن أرقام وزارة العمل اللبنانية تكشف تغيّراً في جنسية العاملات النظاميات، ما يعكس توجهاً متزايداً نحو جنسيات دول أكثر فقراً وقابليّة للاستغلال. وبعدما تراجع مجموع العاملات النظاميات عام 2023 إلى ثلث ما كان عليه عام 2018، انخفض عدد العاملات النظاميات من التابعية الإثيوبية، وانفتح سوق العمل في الخدمة المنزلية على دول أفريقية أخرى مثل كينيا وسيراليون وبنين والكاميرون.