تتواصل ردود الفعل الغاضبة في لبنان، من التعديلات التي أقرّها مجلس نقابة المحامين بشأن ظهورهم الإعلامي، والاستدعاءات التي تطاولهم ربطاً بمواقفهم الإعلامية ومعارضتهم أي فرض لرقابة مسبقة عليهم في إطار القمع وتكميم الأفواه، في وقتٍ تتوالى فيه محاولات تقييد الحريات في البلاد عامةً.
وتدخل نقيب المحامين في بيروت، ناضر كسبار، لإلغاء مشاركة المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" المحامي نزار صاغية في مقابلة إذاعية، بذريعة عدم استئذانه، ومخالفته قراراتها الجديدة، ومن ثم استدعاؤه إلى جلسة استماع يوم الخميس المقبل، التي طاولت كذلك، المحاميين حسين رمضان ويوسف الخطيب الذين مثلوا أمس الثلاثاء أمام مفوض قصر العدل بذريعة تجاوزهما أصول آداب المهنة.
وعلم "العربي الجديد" أنّه لم يُتَّخَذ أي اجراء بحق المحاميين أمس، فيما حصل المحامي حسين رمضان على إذن لإطلالة تلفزيونية له عبر قناة "أو تي في" التابعة لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون.
وخضع رمضان للاستجواب من قبل مفوض قصر العدل عماد مارتينوس، وكانت أجواء الجلسة هادئة، وجرى تبادل الأحاديث والتقاط الصور لرمضان مع نقيب المحامين، في محاولة لإظهار الترابط القوي بين المحامين.
وتحدثت أوساط في صفوف المحامين عن أن النقابة بدأت تُخفّف من حدة لهجتها نتيجة الضغوط الحاصلة والحراك المعارض للتعديلات، وناشدت المحامين حفظ سرية ما يحصل، لكن تبقى الأنظار على جلسة صاغية يوم غد الخميس، إذ يتوقع أن يتخذ إجراء بحقه قد يصل إلى شطبه عن الجدول النقابي. أما المحامي الخطيب، فقد تمنع مارتينوس عن استجوابه لأسباب ترتبط بعضويته داخل النقابة، الذي رفض بدوره لقاء نقيب المحامين.
وفي وقتٍ يبرر نقيب المحامين حيثيات القرار بأنه يندرج ضمن سياق تنظيم آداب المهنة من دون أن يمسّ بالحريات، الذي تختلف عقوبته بين التنبيه بداية، إلى تعليق الانتساب، وصولاً إلى شطبه من الجدول، انتفض 12 محامياً، طاعنين بالتعديلات، باعتبار أنها مخالفة لأحكام الدستور والاتفاقيات الدولية وبعض القوانين الداخلية التي تصون الحق في حرية التعبير والرأي، فيما تقدّم صاغية بعد تبلغه قرار استدعائه بطعنٍ ثانٍ وبشكل منفرد.
ويستنكر المحامون المعارضون للقرار التعديلات، ولا سيما أنها تأتي في وقتٍ يلعبون فيه دوراً مهماً على صعيد القضايا الوطنية السياسية والاقتصادية، ووقوفهم إلى جانب الفئات المهمشة وفضحهم ممارسات الطبقة السياسية والمصرفية أمام الرأي العام، هم الذين وضع الكثير منهم نفسه في خدمة قضايا المودعين، ورفعوا دعاوى بوجه مصرفيين وبنوك لبنانية لاستعادة الودائع المحتجزة منذ عام 2019.
وبينما يلجأ الصحافيون كثيراً إلى المحامين للحصول منهم على مقابلات يبدون فيها آراءهم بمسائل قانونية تحتاج إلى اختصاصيين وحقوقيين، أصبح العديد من المحامين يترددون قبل إعطاء أي تصريح أو موقف، فإما يعتذرون، أو يتريثون حتى الاستحصال على إذن نقابي، علماً أن من بينهم من كان يطل إعلامياً باستمرار، وعملهم مع منظمات حقوقية ومدنية يجعلهم مطلوبين أكثر من غيرهم للإطلالات التلفزيونية والصحافية.
ويقول أحد المحامين لـ"العربي الجديد": "أنا أعمل على قضايا ودراسات قانونية تتصل بالشأن العام، والملفات الاجتماعية الإعلامية السياسية المهمة التي يجب الإضاءة عليها، وكانت لدي اطلالات إعلامية كثيرة، لكن اليوم أصبح من الصعب الظهور إعلامياً بسرعة وتلبية الصحافيين الذين يكونون أحياناً في عجلة من أمرهم لإعداد التقارير، بانتظار الحصول على إذن نقابي، وهذا الأمر غير جائز ويعرقل عملنا ووقتنا وعمل الصحافيين أيضاً، ولا سيما خلال البث المباشر في التحركات والأحداث الميدانية".
في السياق، يقول المسؤول الإعلامي في مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية "سكايز" جاد شحرور لـ"العربي الجديد": "إننا نرفض ازدواجية المعايير، النقابة تقول إن القانون موجودٌ منذ زمن، فلماذا لم تطبقه وتريد تنفيذه اليوم؟"، مشدداً على "أننا ضد توظيف رجال النظام القانون لصالحهم، بينما يفترض أن يكون دور القانون موجهاً لكشف الحقيقة والفساد وحماية المواطنين والفئات المهمشة".
بدورها، تشير الإعلامية والمنسقة العامة لـ"تجمّع نقابة الصحافة البديلة" إلسي مفرّج لـ"العربي الجديد"، إلى أن نقابة المحامين، بعد مائة سنة على تأسيسها، سقطت بامتحان الحريات تحت مظلة الرقابة على المحامين.
وتلفت مفرّج إلى أن ما يحصل اليوم في نقابة المحامين هو اعتداءٌ على حرية المحامين في التعبير، بالإضافة إلى أن من يُستهدَفون هم المحامون المدافعون عن القضايا العامة والحريات العامة أبرزها قضية المصارف، انفجار مرفأ بيروت والجرائم المالية والفساد، مشيرة إلى أن طريقة استدعاء المحامين لا تليق بنقابة المحامين، هذه النقابة العريقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات.
وترى مفرّج أن الاستهداف يطاول أيضاً الحق بالمعرفة القانونية، لأن المحامين يلعبون دوراً مهماً عبر وسائل الإعلام، وبالتالي إن ربط ظهور المحامي بوجوب الحصول على إذن من نقابة المحامين بالطريقة المطروحة يؤثر فعلاً بعمل الصحافيين ونطاق عملهم بإطار التوعية الحقوقية والقانونية.