كانت في الثالثة عشرة من عمرها عندما تركت بلدتها الفلسطينية، صفورية. تقول الحاجة لطيفة سليمان عزية، المقيمة في مدينة صيدا اللبنانية: "كنا نعيش حياة هانئة في فلسطين، إذ كان والدي مزارعاً، وكنا نعتاش مما نجنيه من حقولنا، لكن الانتداب البريطاني خرّب حياتنا، بعد أن أعطى الحكم للصهاينة، ومخاتير بلدنا رفضوا الإذعان، فحصلت اشتباكات بين المقاومين والصهاينة، والذين صاروا يعتدون علينا، فقد كانت أسلحتهم أقوى من أسلحة المقاومين، وصفورية لا تعتبر بلدة كبيرة".
تتابع: "رفض أهل البلدة عقد صلح مع اليهود، فبدأ قصف البلدة بالطيران، وكانت القنابل عبوات الغاز، وعندما تسقط تهدم مناطق بأكملها. عندها خاف أهل البلدة، فتركوها وتوجهوا إلى مكان مزروع بأشجار الزيتون، وكنا نعتقد أننا سنعود إلى منازلنا، لكننا لم نعد. أذكر أنه في اليوم الأول من شهر رمضان، كانت أمي قد طبخت ديكاً وملوخية، لكننا لم نأكل، بل تركنا الطعام لنترك البلدة".
تضيف: "أنا وأمي بقينا في البلدة عند شيخ، لكن دخل الصهاينة البلدة بدباباتهم، فاختبأنا في مغارة، وكان معنا رجال ونساء وأطفال، وبعد أن توقف القصف خرجنا، فرآنا العدو، وأخذونا إلى صفورية، واعتقلوا كل من هم تحت سن الستين من الرجال، وأنا مرضت من الخوف، ونقلتني سيارة إسعاف إلى مستشفى في الناصرة، حيث تعيش جدتي وعمي وعائلته، وعندما وصلهم خبر وجودي في المستشفى، حضرت جدتي، وسألتني عن أهلي، فأخبرتها بأنه لم يبق معي إلا أمي، عندها أبلغتني بأن عمي ذهب إلى لبنان، وظل في الناصرة عمي الثاني غير المتزوج".
تواصل: "بقيت في الناصرة مع جدتي، ولحقت بي أمي. وفي ذاك الوقت، كنت مخطوبة لابن عمي الذي انتقل للعيش في لبنان، وكان يجب أن نتزوج، فاشترطت عليه أمي أن يأتي إلى الناصرة ليأخذني منها عروساً. جاءت العائلة من لبنان إلى فلسطين سراً، وفي طريقنا إلى لبنان كنت أحمل معي مصاغي وجهازي، وعندما وصلنا إلى وادي الجش، هجم أشخاص علينا، ووجهوا السلاح نحونا، ثم أخذوا كل ما كان معنا من ملابس ومال وذهب. توجهنا إلى لبنان لا نملك إلا الملابس التي علينا، ونزلنا في بيت أحد معارف زوجي في بنت جبيل، ثم توجهنا إلى مدينة صيدا، حيث استأجر عمي منزلاً في ضيعة المية ومية، شرقي المدينة".
وتروي اللاجئة الفلسطينية أنها تزوجت في عام 1952، وكان زوجها عاملاً، ثم توظف في وكالة "أونروا"، وكان مسؤولاً عن نقل الطلاب، ثم انتقل للعمل في المطبخ. "بقينا مدة في ضيعة المية ومية، ثم انتقلنا للعيش في مخيم عين الحلوة، وبقينا في المخيم حتى الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ثم اشترينا منزلاً في منطقة القياعة بمدينة صيدا، وأنجبت خمسة صبيان وست بنات".
تضيف: "تعلمت حتى الصف الأول الابتدائي. كانت المدرسة عبارة عن بيت قريب من بيتنا، وعندما أراد ابن أصحاب البيت الزواج، طالبوا بالبيت الذي كان مدرسة، فتم تسليمه لهم، وأقيمت مدرسة جديدة بعيدة عن بيتنا، وكنت أحتاج للوصول إليها نحو ساعة سيراً، وليس فيها مياه، وكان المكان مخيفاً، فتركت المدرسة، وتعلمت مهنة الخياطة من راهبات كن يعلمن التطريز والخياطة للبنات".
تأمل الحاجة لطيفة في العودة إلى فلسطين، والتي زارتها في عام 1982، إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وزارت صفورية تحديداً، وكانت معظم منازل البلدة حينها مهدمة، كما زارت قبر أمها التي لم ترها منذ انتقلت إلى لبنان، وكانت تود زيارة القدس، لكنها لم تستطع ذلك.