يحفل قاموس التخاطب العامي اليومي في الجزائر بألفاظ وتوصيفات، تحمل مضامين سلبية وصوراً نمطية تمييزية. غالباً ما يكون الضحايا جزائريين من أبناء الريف وذوي البشرة غير البيضاء والطبقات الفقيرة والفئات المهمشة
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، نزلت إلى سوق الأغاني الجزائرية أغنية شعبية تحمل عنوان "يا دزاير(جزائر) يا العاصِمة". أغنية أداها الفنان عبد المجيد مسكود، ولاقت انتشاراً واسعاً في الأوساط الشعبية، من خلال كلماتها التي تعبّر عن التغيير الذي شهدته عاصمة البلاد، والتحول اللافت في عادات سكانها، من زمن الى زمن. لكنّ كثيراً من الجزائريين وجدوا في الأغنية سياقات تحمل إشارات وعبارات مسيئة للوافدين الجدد الى العاصمة من غير سكانها الأصليين، خصوصاً في الجملة الفنية التي يقول فيها مسكود "زحف الريف جاب (أتى وحَمَل) غاشي". وكلمة "غاشي" تعني حشوداً، ومواطنين من مستوى أدنى، في القاموس العامي بالجزائر، وكان يقصد أنّ النزوح الريفي إلى العاصمة جاء بسكان جدد أفسدوها.
وعلى الرغم من أنّ كلمات الأغنية الشعبية تعبير عن الحنين لزمن مضى، فقد أثارت استهجان كثيرين واعتراضهم على تضمينها كلمات تضع فارقاً بين أبناء الريف والمدينة، وتفرّق بين السكان الأصليين والوافدين إلى عاصمة البلاد التي لا تعدّ الإقامة فيها حقّاً حصرياً لسكانها الأقدم، بقدر ما هي عاصمة لجميع الجزائريين، كغيرها من العواصم في العالم، فهي مدينة جامعة تتلاقح فيها الثقافات وتنصهر فيها التقاليد وتتغير ملامحها الأصلية بمرور السنين.
على هذا المنوال، تسللت إلى القاموس العامي في الجزائر كلمات، يحدد كلّ منها مفهوماً يعطي صفة أو توصيفاً مناطقياً، ويتحول في بعض الأحيان الى استعمالات شائنة (شتيمة)، بعضها يشير إلى فوارق المكان مثلاً، من قبيل؛ وليد البلاد (ابن البلاد)، ويقابلها "البراني"، و"البرانية" أي الوافد والوافدين، أو الغريب عن البلاد أو المنطقة. وتحدث هذه الكلمات بمضمونها الاجتماعي شرخاً عميقاً في نفوس الجزائريين وفي حياتهم اليومية، بحسب الشاب وليد سلطاني، القاطن في حيّ شعبي بمدينة البليدة قرب العاصمة الجزائرية. يقول إنّه سبق له أن تعرض لكلمة "براني" مرات عدة، لأنّه في الأساس من الزبوجة، بولاية الشلف، غربي البلاد. ففي البليدة، يفتخر السكان الأصليون للمدينة العريقة بنسبهم إليها، ويقول سلطاني: "كلمة البراني تخدش المشاعر، بل تترك فيها جروحاً كبيرة".
من جهتها، تقول حليمة بن عياش، إنّ "هذا النوع من الكلمات يشعرني بالقلق لما فيه من عنصرية وتفرقة، من شأنها أن تعزز بدورها مشاعر الكراهية في المجتمع المحلي". بن عياش، وهي في الأساس من بوحمامة، بولاية خنشلة، شرقي البلاد، تقول لـ"العربي الجديد": "تزوجت هنا في مدينة تلمسان (غرب)، وهي مدينة تتميز بعادات وتقاليد أندلسية عريقة، وأنجبت ثلاثة أولاد، لكنّني دوماً أسمع كلمة البرانية، أو الغريبة عن المنطقة، كأنّني لست جزائرية".
ترتبط بعض الكلمات الشائنة في القاموس العامي الجزائري بالعامل المناطقي أو بالتنشئة، كأن يشار إلى أبناء الريف، بكلمة "وليد الدوّار" أي ابن القرية والريف، وفي حال أراد أحدهم أن يوجه شتيمة لآخر، فيصفه بـ"ابن الدوّار" أي الريفي، أو "شبرق" و"كافي" أي الوافد الذي لا يعرف شيئاً، بما تحمله هذه الكلمات في توظيفها السلبي من صور نمطية محمولة على أبناء الريف والبلدات الداخلية، في العيش ورعي الغنم والعمل في الفلاحة.
وتعتبر الباحثة في علم اجتماع التنمية، سعيدة مستوري، في حديثها إلى "العربي الجديد" أنّ "المدينة بكلّ اختلافاتها في أنماط السلوك والتصرفات، تجعل من الآتي من الريف، جسماً غريباً في نظر الآخر، لسلوكه في نقل عاداته اليومية إلى المبنى السكني الذي يقطن فيه، كتربية الدجاج في أسفل المبنى، أو بناء جدران لتوسيع مساحته السكنية خصوصاً في الطوابق السفلية، في ظاهرة بات يطلق عليها البعض عبارة تشويه المدن أو ترييف المدن". تضيف أنّ وصف "وليد الدوّار" ما زال لصيقاً بكثير من الجزائريين الآتين من الأرياف بحثاً عن عمل، بما تحمله الكلمة من نظرة استعلاء من سكان المدن نحو أبناء الريف.
ويضم قاموس التخاطب اليومي والتواصل في الجزائر، عدداً لافتاً من الكلمات المسيئة بما فيها من تمييز. وفي الغالب ينادى سمر البشرة أو سودها بـ"الكحلوش"، أو"النيقرو" (زنجي)، إذ تضمّ الجزائر في منطقة الصحراء عدداً من الولايات التي تسكنها غالبية من ذوي البشرتين السمراء والسوداء. وتعلق الباحثة في علم الاجتماع، وهيبة نواصرية، في حديثها إلى "العربي الجديد" أنّ "هذه الكلمات وغيرها كثير، تبالغ في تحقير الآخر، وتصنف في خانة العنصرية، ولا يمكن حتى من باب المزاح أن تصف جزائرياً بالنيقرو، أو الكحلوش بسبب بشرته، خصوصاً أنّ الجزائر بكل مكوناتها الاجتماعية والثقافية ومساحتها الجغرافية الشاسعة متنوعة الألوان، فكيف لنا أن نوجه وصماً أو إشارة أو وصفاً سلبياً لمجموعة من الأمة الواحدة؟".
على المستوى الطبقي، تجد في القاموس العامي اليومي، كلمات مسيئة أخرى، منها "الزوفري" (العامل الذي يقيم في مكان العمل بعيداً عن أهله)، وهي كلمة تطلق في الغالب على العمال النازحين من منطقة إلى منطقة، أو من المدن الصغيرة إلى الحواضر الكبرى. كذلك، تحمل بعض الكلمات المستخدمة إساءة لمهن نبيلة، كعامل النظافة، الذي جرت العادة على توصيفه بـ"الزبال" على الرغم من أنّ الكلمة في حد ذاتها يمكن أن تطلق على من يرمي النفايات في غير مكانها وليس على عامل نظافة. وينحاز القاموس العامي الى استخدام أسماء بعض المهن كشتيمة في سياقات سلبية، كأن يقول أحدهم للآخر "أنت راعٍ" بتضمينها معنى التخلف.
بالإضافة إلى كلّ ذلك، دخلت إلى لغة التخاطب العامي في الجزائر، بعض الكلمات التي توظَف في غير مكانها، وتحمل إهانة لفئة من الناس، كاستخدام كلمة "أنت معوق (اندي كابي)" للدلالة على القصور في التفكير أو التدبير، وهي إهانة مزدوجة إلى من توجه إليه مباشرة، وإلى فئة الأشخاص ذوي الإعاقة. ويعتبر الباحث في علم الاجتماع الياس بن ناصر، أنّ هذه الألفاظ والتوصيفات هي نتاج تنشئة اجتماعية، تدلّ على أنّ التمييز بمختلف مستوياته موجود في الذهنية الجزائرية، كنوع من الرفض الاجتماعي لفئة ما، سواء بحكم الجذور أو اللون أو غيرهما. وهي ذهنية مطبوعة بمضامين سلبية وصور نمطية. يتابع: "ولأنّ سلوكات ومفاهيم وقيماً تنعكس على أساس لغة الخطاب، فإنّ هذه التوصيفات تؤدي في كثير من الأحيان إلى توتر في العلاقات".